ليس مصادفة..!

أصاب معاون وزير الاقتصاد عارف حاج يوسف عندما قال: إن الارتفاع الكبير في الأسعار لم يكن مصادفة!

وأصاب أكثر عندما وصف تجار سوق الهال بأنهم سماسرة وكنا نتمنى أن يشمل لقب «السماسرة» التجار الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن انفلات  الأسعار وجنونها!

وإذا كان معاون وزير الاقتصاد والتجارة أصاب في  أقواله ووضع النقاط على بعض الحروف وليس على جميعها، فإن وزير الصناعة أخطأ عندما حمل مسؤولية ارتفاع الأسعار للحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك وأخطأ أكثر عندما رأى أن التخلص من هذه الحلقات سيخفض الأسعار.

لاشك أن التجار وسماسرة أسواق الهال انزعجوا كثيراً من معاون وزير الاقتصاد لتحميلهم المسؤولية المباشرة عن انفلات الأسعار  فالحقيقة جارحة دائماً.

وبالمقابل فرح السماسرة والتجار من وزير الصناعة لأنه أعطاهم براءة ذمة وألقى بالمسؤولية على الحلقة الأضعف التي لاأحد يسمع صوتها أو يدافع عنها.

أما وزير الإدارة المحلية فقد كان دبلوماسياً جداً وطلب بتهذيب شديد مساعدة التجار في توفير السلع بالأسواق، وبوضع حلول موضوعية لمعاناة المواطنين جراء ارتفاع الأسعار!

ولا نجد مبرراً لمثل هذه الدبلوماسية الكلامية لأنه لم يسبق لغرف التجارة أو لأي تاجر أن وضع معاناة المواطنين ضمن اهتماماته.

وعندما تطالب غرف التجارة برفع الأجور وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين فالسبب ليس اهتمامها بأحوال الناس وإنما زيادة قدرتهم الشرائية لشفطها إلى جيوبهم!.

وأغرب ما سمعناه حول الأسعار هو الذي صدر عن رئيس غرف التجارة الدكتور راتب الشلاح عندما قال: إن ارتفاع الأسعار يعود إلى أسباب خارجة عن قدرة وسيطرة رجال الأعمال «لاحظوا هذا التعبير ـ رجال أعمال ـ وكأن لدينا في سورية رجال أعمال»!

والأغرب أكثر قوله إن أصحاب الفعاليات الاقتصادية مستعدون لتحمل مسؤولياتهم تجاه «الاقتصاد الوطني» وليكونوا أداة مساعدة للحكومة وللعمل معها لجعل الأسعار معقولة!      

كنا نتمنى على السادة الوزراء الذين حضروا اجتماع الهيئة العامة لغرفة تجارة دمشق أن يسألوا الدكتور الشلاح ما الإجراءات التي اتخذتها أو ستتخذها خلال الأيام القليلة القادمة غرف التجارة لجعل الأسعار معقولة؟

وكان السؤال مهماً جداً لأن الأيام التالية أثبتت أن استنفار الحكومة وتدخلها في السوق هو الذي لجم الأسعار وسيطر على جنون السماسرة والتجار وليس الكلام المعسول الذي صدر عن بعض الفعاليات التجارية كنوع من رفع العتب لاأكثر ولا أقل...!

ولا ندري من يصدق من عندما يقول رئيس غرف التجارة أن ارتفاع الأسعار كان نتيجة عوامل خارجة عن سيطرة التجار، كارتفاع الأسعار عالمياً وازدياد حجم البطالة الذي يجعل فرداً واحداً مسؤولاً عن إعالة أسرة.

نعم من يصدق من؟

هل ارتفاع البطالة في سورية بالأمر الطارئ أو الجديد؟

وهل قيام الفرد الواحد في سورية بإعالة عدة أ فراد هو أيضاً أمر طارئ وجديد في سورية كي نحمله مسؤولية جنون الأسعار الناجم عن جنون سماسرة أسواق الهال والتجار؟

نعم لو لم تتدخل الحكومة وبسرعة في السوق، لايدري أحد إلى أي حد كان سيصل هذا الجنون!..

وعندما نعرف محور الموضوعات التي طرحها التجار في اجتماع هيئتهم العامة سنتأكد أن معاناة المواطن هي آخر اهتماماتهم، بل لم تكن مدرجة أصلاً على جدول الأعمال..!

مطالب التجار أصبحت معروفة، الإعفاء من الضرائب والرسوم... والتهرب من دفعها، ولو كانت في حدودها الدنيا، وتحرير الأسعار وتغييب الرقابة.

وحسناً فعلت الحكومة بالعودة إلى اعتماد نشرات صادرة عن مديريات التموين تتضمن الحد الأقصى لأسعار المواد الأساسية وقيامها باستيراد مواد غير المتوفر منها في الأسواق.

وحسناً فعلت الحكومة عندما لم تتوقع أي مبادرة ملموسة قريبة من سماسرة أسواق الهال والتجار لوقف ارتفاع الأسعار... لأن انفلات الأسعار بالنسبة لهم هو أيام ذهبية لاكتناز المال من جيوب المواطنين.

لقد أثبتت الحكومة أنها قادرة على ضبط الأسواق خلال أيام، وبمجرد طرحها للمواد الأساسية عبر منافذها التسويقية، بدأت الأسعار تعود تدريجياً إلى مستواها السابق.

وبرأينا لو لم يكن التجار وراء انفلات الأسعار وجنونها لكانوا أول من اتهم الحكومة، ولكانوا أول من قذف الكرة إلى أي مرمى آخر..

لاحظوا ماذا يحصل مثلاً عندما تتضرر مصالح بضعة تجار؟

ألا يستنفرون قواهم ويعقدون الاجتماعات اليومية؟ ألا تقوم غرف التجارة بتصدير المذكرات والتقارير إلى الحكومة متضمنة مجموعة هائلة من المطالب، وتصور للحكومة أن كارثة اقتصادية ستحصل قريباً مالم يرفع الضرر عن التجار!

وهل هي مصادفة ألا تتدخل غرف التجارة وألا تعقد اجتماعاً واحداً لدراسة أسباب انفلات الأسعار ومعالجتها؟

الجواب: ما حدث ليس مصادفة.. فتشوا عن المستفيدين من ارتفاع الأسعار الجنوني وستكتشفون أن ماحصل ليس مصادفة إطلاقاً.

وكان لافتاً لنظر الجميع الغياب التام لوزير الاقتصاد والتجارة عن هذه «المعمعة».. ونجزم أن هذا الغياب ليس مصادفة...!

● عن الزميلة «الاقتصادية» العدد (144)

■ علي عبود

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.