في الدفاع عن القوة الشرائية لليرة السورية.. منصور: أما آن لقلبك يا سيادة رئيس الحكومة أن يرق على نساء وأطفال عمالنا؟!

قدم حسام منصور رئيس نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين والأعمال المالية بدمشق كلمة هامة ضمن أعمال المؤتمر السنوي لاتحاد عمال دمشق، ونظراً لأهميتها في تناول القضايا الاقتصادية الهامة، وشرحه لوضع الليرة السورية في الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، ننشرها كاملة كمادة دسمة لقراء «قاسيون». 
كادت الليرة السورية أن تنهار، وأن تخضع لقوانين الصرافة والمضاربين، الذين لا يريدون خيراً لها. إذ سجّل التاريخ الاقتصادي والنقدي السوري، وذاكرة الناس، يوم الأربعاء ليلة الخميس قبل الماضية منعطفاً كبيراً خطيراً وستحفظ الذاكرة تلك الليلة القاسية بامتياز، وقطعاً لن ينساها أحد من أولئك الذين يملكون مدخرات بالليرة السورية، و أولئك الذين حاولوا استبدال مدخراتهم بالقطع الأجنبي لاسيما الدولار.
فلقد فقدت الليرة السورية في تلك الليلة الحمراء بأسعار الصرف جزءاً كبيراً من قيمتها، وصل إلى نحو 50 %، عندما وصل سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة قبلاً، وتجاوز حاجز المئة ليرة، ليقفز إلى نحو 113 ليرة في بعض الأسواق، وبشكل مفاجئ، ودون مقدمات تعرضت الليرة لأقسى عملية فقدان لقيمتها، كادت أن تطيح بها، وتجعلها أثراً بعد عين، وتصبح العملة عبئاً على من يملكها.

ليلة القبض على الليرة

في تلك الليلة، تمكن المضاربون من توجيه أقسى ضربة لسعر الصرف، واستطاعوا رفع هذا السعر بشكل أثار حفيظة الناس، وعزز لديهم عامل القلق النفسي الذي كان كفيلاً أن يهدد استقرار العملة، ويجعلها بلا قيمة، وكاد يقع المحظور، رغم أن المؤشرات التي يجب أن تؤدي إلى هذه النتيجة كانت غائبة، ولا يوجد ما يدل عليها في الأفق أو المدى المنظور، وباستثناء الأزمة الاقتصادية العامة الناجمة عن الأوضاع التي تمر بها البلاد سياسيا وأمنيا، وانعكاساتها وارتداداتها، فلم يكن هناك ما يؤدي إلى هذه النتيجة المؤلمة، وأن يستيقظ الناس ليجدوا ليرتهم تتهاوى، وقيمتها تتراجع، وربما هي على حافة الانهيار.
يثبت ما يجري أن الثقة بالليرة قائمة على عوامل لا علاقة للسلطة النقدية بها، وتستند بالدرجة الأولى إلى عامل حب الناس لعملتهم ورغبتهم العارمة في المحافظة عليها، أي أنه دافع وطني بحت، فالمؤشرات المالية والاقتصادية وحدها، لا تدفع الناس إلى التمسك بليرتهم كما يفعل السوريون اليوم، ورغم أن الرأسمال جبان، فإن صغار المدخرين يبدون أقل جبناً من أصحاب المليارات، وأكثر جرأة رغم الخسارة المؤكدة التي قد يواجهونها، وإمكانية تعرضهم لحالة فقدان حتمية لـ«تحويشة العمر»، بينما المشهد الثاني يعكس صورة قاتمة وأكثر سواداً، فأصحاب الرساميل يتوجهون للخارج، وحزموا حقائبهم المملوءة بأموالهم وخرجوا، وفتحوا مكاتب وشركات لهم في بلدان عربية، شرعت فنادقها ذات النجوم الخمسة أبوابها لهم، واستقبلتهم فاتحة ذراعيها لاحتضانهم وأموالهم، شفقة أو رغبة بالاستفادة من أموالهم.
إن أصحاب المليارات الذين خرجوا، والمضاربين الذين يستنزفون العملة الوطنية، من خلال ممارسات يندى لها الجبين، يوجهون السهام السامة والدامية للاقتصاد الوطني، ويسددون طعنات نجلاء في ظهره، خلسة، قادرة على عرقلة وتحطيم أي جهود لإنقاذ هذا الاقتصاد .
 
الحكومة وقراراتها السرية

منذ بداية الأزمة طرحنا توقعاتنا أن الوضع سيصل إلى هذا الحال ودعونا مراراً وتكراراً أن تكون هناك سيناريوهات لمواجهة مثل هذا الوضع، وأشرنا إلى ضرورة مراقبة الكتلة النقدية المتداولة وأسعار الفوائد، ولكن يبدو لنا أننا لم نوفق بذلك، وأن القائمين على الوضع النقدي قبلوا تحمل المسؤولية بالاستمرار بسياساتهم، وهذا ذكرنا بتصرفات وسلوكيات الحكومة السابقة التي انسحبت على الحكومة الحالية، ونتيجة الافتقار إلى الشفافية وعدم البوح بالمعطيات الحقيقية والمؤشرات أخذ كل منا يدلو بدلوه بحسب ما لديه من معلومات، رغم أنه من أساسيات نجاح السياسة النقدية هو الثقة بين المجتمع والحكومة وهو ما نفتقد إليه اليوم، فالقرارات عشوائية، أمام مجتمع يعمل جاهداً لاستقرار الوضع الاقتصادي لا بل المجتمع متعاون إلا أن التصرفات، وعدم الالتزام بما يقال أفقد الثقة، فـ«نسمع جعجعة ولا نرى طحنا»، فالمركزي يعدل بالفوائد ،ويقول إنه يدرس موضوع الضمانات، وإن تعديل الفوائد أتى من أجل خفض تكلفة الإقراض، بعده رئيس الوزراء يصدر قراراً، قيل عنه سري؟!.. ولا ندري سبب السرية ليقول أوقفوا الإقراض؟؟!.
المركزي يطالب بإصدار مرسوم لمعاقبة مؤسسات الصرافة المخالفة، ويطالب بالالتزام بأسعار الصرف، رئيس الوزراء يدعو مؤسسات الصرافة للاستمرار ببيع القطع.
وهكذا يظهرون أنهم يحاولون ضبط سعر الصرف، ولكن لم نر أو نسمع أحداً منهم يسوّغ للمواطن لماذا يقوم بهذا الفعل؟ أو لماذا يصدر مثل ذلك القرار، رغم أنه من الأهمية بمكان في مثل هذه الأوضاع أن يكون هناك تقرير يومي موجه للمجتمع السوري يعلن في الإعلام، فبالنهاية المواطن سينفذ، ولكن يبدو لنا أنهم يعتبرون القرارات والسياسات هم الذين يصدرونها ويرسمونها، وهم الذين سيقومون بتحقيق أهدافها، وهذا هو الخطأ الكبير الذي يرتكبونه، اليوم لا أحد يفهم ماذا يحدث، فهناك خوف برفع الأسعار، وإزالة هذا الخوف يقع على عاتق المركزي ومدى مقدرته على التعامل مع العامل النفسي للمجتمع، ويندرج ذلك ضمن وظائفه وأيضاً الحكومة معنية بذلك.
إضافة إلى ذلك إن ما يرسم من سياسات، وما يتخذ من قرارات يفتقر إلى التحليل الاقتصادي الجزئي الذي يعتبر حجر الأساس لبناء الدراسات الاقتصادية كافة، يتبعه إجراء تحليل للاقتصاد الكلي الذي يتناول الظواهر الاقتصادية العامة مثل البطالة والتضخم ومستوى الأسعار وأسعار الفائدة، وبعد ذلك يمكن رسم السياسات، واتخاذ القرارات التي تحافظ على استقرار العملة المحلية، وتكافح التضخم والبطالة.
 
حين تفقد الليرة قيمتها الشرائية

فالمشكلة الكبيرة في الأسعار والقوة الشرائية، والقدرة الشرائية فانتظار الحكومة، وعدم وجود سيناريوهات جاهزة تسبب مشكلة كبيرة للمواطن، فانتظار الوقت المناسب أساء كثيراً للمواطن، فنحن نعلم أن القوة الشرائية للنقود تتعلق بمستوى الأسعار الذي يتوقف على قيمة النقود في السوق، وأن القدرة الشرائية للمستهلك تمثل بمستوى الدخل، وقدرة هذا الدخل على الحصول على كميات مختلفة من السلع والخدمات عند أسعار معينة،  نحن نرضى معكم أن سعر الدولار بين 60 و 70 ل.س، ولكن هل تستطيعون إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل ارتفاع الدولار إلى 100 ليره سورية؟ إن العجز عن إعادة الأسعار يعني أنكم تعلمون شكلياً ماذا نستفيد من تحديد سعر صرف للدولار، ولا يؤثر هذا السعر في القوة الشرائية والقدرة الشرائية، وهذا ما يهم المواطن أكثر من إجراءاتكم واجتهاداتكم وعبقرياتكم «الصميدعية».
 إن انتظار الوقت المناسب أدى إلى ارتفاع الأسعار %30 وعندما حان الوقت المناسب رأينا حلاً بتشكيل لجنة لوضع رقم لم يؤثر في وضع الأسعار، ووضع الأسواق، لذلك نقول لكم  كفى، فالمواطن يدفع الثمن ومن يرد أن ينتظر الوقت المناسب فلينتظره على حسابه، وليس على حساب لقمة المواطن، فقصة الذئب والراعي لا نزال نذكرها.
 
كبح جماح المتلصصين

ومن هنا فإني أطالب الحكومة بالعمل الجاد على رفع قيمة الليرة السورية ببناء اقتصاد متين مبني على قواعد سليمة وأسس صحيحة بدل العمل على تحديد سعر صرف الدولار، وهذا يتطلب الاعتماد على عناصر كفوءة ذات أيادي بيضاء وضمائر حية، وخبرات واسعة وما أكثرها في بلادنا، والكلام عن ارتفاع الأسعار في أسواقنا، والتي غدت على عينك يا وزارة الاقتصاد تجاوزت في ارتفاعها الأجرام السماوية، والحديث عن سبل كبح جماح المتلصصين، ولجم المتسلقين، ومكافحة المحتكرين وسد جشع التجار المتاجرين بقوت الشعب، وأساسيات بقائه ومستلزمات حياته، كمثل انتظار نهوض الموتى من قبورهم، ولكن ما تمر به سورية من حصار اقتصادي عربي أجنبي بات لزاماً علينا، وعلى أمثالنا أن نذكر علّ الذكرى تنفع المسؤولين، ويستفيقوا من سباتهم ويصحوا وينتفضوا من رقادهم، ويقفوا إلى صف أصحاب الدخل المحدود وإن كنا نعلم أنه لا حياة لمن تنادي ..
ونريد أن نسأل معالي الوزير نضال الشعار عن تفسيره للسبب الذي يجعل الأسعار تلتهب وتستعر في أسواقنا عندما يرتفع الدولار، ولا تنخفض الأسعار وتبرد بانخفاضه ؟..
 وهل باستطاعة الوزير أن يفسر لنا كيف يستطيع المواطن الخليجي أو العربي شراء المنتجات السورية أو المواد نفسها التي يستوردها تجارنا بأسعار أقل من أسعار أسواقنا؟؟!.

إذا رأيت نيوب الليث بارزةً..

ولماذا لا يخرج الوزير الشعار عن صمته، ويخاطب المواطن، ويصارح الشعب السوري من خلال مؤتمر صحفي يتحدث فيه بالحقائق فقط؟!.. وبالوقائع والأرقام عن وضع اقتصادنا، وطرق مكافحة استعار أسواقنا الملتهبة، أو يتحدث إلى المواطن السوري والمستهلك السوري عن العجز والإرباك الذي تعانيه وزارة الاقتصاد، ويعترف بضعفها وإخفاقها في محاسبة التجار المستذئبين، والمستوردين، والمحتكرين، ويريحنا ويريح الناس لا أن يخرسوا ألسنتنا بمخالفات تكتب على أصحاب البقاليات؟؟!.
فيا سيادة الوزير لا تغرنك تصريحات وتطمينات المستفيدين والمتسلقين الذين يدسون لكم التقارير المنمقة برائحة الكنافة، والمبرومة والمحورة والمزخرفة والمزينة عن أسعار السلع وانخفاضها وكبحها ..
فمعاناة ارتفاع الأسعار، واحتكار التجار والمستوردين لا يحيط بها إلا المواطن، والمطلوب أيضاً يا سيادة الوزير الاعتراف بأن وزارة الاقتصاد فشلت بإدارة الدور الذي كان منوطاً بوزارة التموين سابقاً، وصار لزاماً علينا المطالبة بإعادة هذه الوزارة إلى عملها، ولو أنها سُرحت على المادة 137 فلكل قاعدة شواذ ....
أما أنت يا سيادة رئيس الحكومة أما آن لقلبك أن يرق على نساء وأطفال عمالنا الذين صرفوا من العمل ظلماً استناداً لأحكام المادة 137، أما آن لقلمك الأخضر أن يبعث الاخضرار في قلوب تلك العوائل، ويرجع الأمل الضائع إلى صدور عمالنا، نحن لا نستجدي منك، ولكننا نطالبك بإصدار القرار الذي يعيد كرامة وشرف هؤلاء العمال، والذين هم جزء من كرامة وشرف منظمتنا النقابية .
ونتمنى منك يا سيادة رئيس الحكومة أن تعود إلى الدستور الجديد الذي قلنا له نعم إيماناً، وعن قناعة وأن تقرأ المادة الأربعين بفقراتها الثلاث من الباب الثاني كما أذكرك بالمادة الخامسة والأربعين، لأننا لن نتوانى عن استعمالها وأقول لك ما قاله الشاعر:

إذا رأيت نيوب الليث بارزةً
فلا تظنن بأن الليث يبتسمُ
عشــــتم  وعــــــاش  الـــــوطن