ندوة الثلاثاء الاقتصادي: صراع مكشوف بين الأبيض والأسود

■ محاولات لتجميل وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين

■ قوى السوق تعلن عن نفسها صراحة وتبشر بخصخصة قطاع الدولة

■ حرية حركة الرساميل تزيد نهب الشعوب والبلدان

■ بدون قطاع دولة قوي غير منهوب لا يمكن الحديث عن أي تطور لاحق

■ الدعوة إلى توسيع القطاع العام مسألة تدعو للقلق

■ جوهر الإصلاح هو في الانتقال من نظام التخطيط المركزي إلى نظام السوق

■ ضرورة وقف توسيع القطاع العام.. وسيأتي يوم ترتفع به الأصوات لخصخصته

■ نحو انفتاح اقتصادي واضح وصريح باتجاه نظام السوق، يكون الدور الرئيسي فيه للقطاع الخاص 

■ في دول السوق عدالة اجتماعية أكثر من أي دولة في العالم!

■ يجب أن نحسد المواطن الأمريكي على حياته المرفهة!

■ «العامل اليوم في الأنظمة الرأسمالية عامل سعيد ودخله مرتفع جداً ولايريد أن يحتج ولا أن ينزل في الإضرابات، وهو مستعد لأن ينزل إلى الشارع فقط ليدافع عن الرأسمالية»!!.

■ من أقوال د. نبيل سكر

 «هناك موقفان للمواجهة في التاريخ السوري: موقف يوسف العظمة الذي خرج إلى ميسلون، ذهب إلى معركة خاسرة، لكنها أسست لمعارك لاحقة ناجحة، أسست للثورة السورية الكبرى. وهناك موقف ثانٍ، بعد بضع ساعات وبضع كيلو مترات: موقف بعض تجار دمشق الذين فكوا بغال عربة «غورو» وجروها بأنفسهم»..!!          

■ د. قدري جميل

لعبت جمعية العلوم الاقتصادية عبر سنوات عديدة دوراً هاماً في طرح مسائل الاصلاح الاقتصادي في سورية عبر ندوة الثلاثاء التي استقطبت آراء المختصين.. والكثير من الحضور الذين يهمهم مستقبل الاقتصاد السوري والبلاد عموما.. ويبرز في تلك الندوات صراع في الآراء بين من يدعو لاصلاح اقتصادي يحافظ على السيادة الوطنية ويكفل الحياة الحرة الكريمة لجماهير الشعب، وبين  ممثلي قوى السوق المتحالفة مع قوى الفساد الذين يدعون لإصلاح مدمر تحت حجج الواقعية والتكيف والحكمة في زمن «العولمة» وهيمنة «النظام العالمي الجديد».. 

ومع عودة الجمعية لندوتها بعد انقطاع، كانت المحاضرة الأولى للـ د. نبيل سكر مدير عام المكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار والخبير السابق في البنك الدولي في واشنطن.. والوجه الأبرز لليبرالية  في الدعوة للالتحاق بقوى السوق والسوء، في محاضرة تحت عنوان: «ثلاثية نظام السوق والعدالة الاجتماعية والارتقاء التكنولوجي الضمان الصحي وسياسات الإصلاح»..

 

قوى السوق تعلن:

«تساقط مفهوم التنمية»

■ وقد استهل د. سكر محاضرته منوهاً إلى أنه في بداية الثمانينات بدأت الدعوة في العالم للانخراط في اقتصاد السوق.. نتيجة للانفتاح وتساقط مفهوم التنمية.. إذ أصبح الانخراط في عالم العولمة ضرورة لابد منها، ومع ذلك لاتزال العديد من الدول  النامية تتردد في الاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد.

وحول موقع سورية من العولمة، تحدث عن المعوقات الهيكلية في الاقتصاد السوري التي هي، من حيث الجوهر، معوقات طويلة الأمد، حيث أن البيئة التشريعية مازالت تقيد القطاع الخاص مع الجمود في القطاع العام، وعلى المدى القصير، فإن سبب الركود الاقتصادي في القطاع الخاص هو نتيجة أزمة عدم الثقة بين القطاع  الخاص والدولة.

وحول خطوات الإصلاح الاقتصادي في سورية، اعتبر المحاضر أن هذه الإصلاحات لم تَنفُذ إلى أساس المشكلة خلال الـ 25 سنة المنصرمة.. باستثناء صدور قانون الاستثمار رقم (10) لعام 1991 الذي خفف القيود قليلاً عن القطاع الخاص مع بقاء هيمنة الركود على الاقتصاد الوطني في السنوات السبع الأخيرة... وذلك بسبب غياب الفكر الاقتصادي من حيث الجوهر وغياب برنامج الإصلاح وعدم الانتقال إلى نظام السوق والبقاء على الشكل الاقتصادي الرسمي بسبب غياب الإجماع لدى الحزب والحكومة باتجاه اقتصاد السوق، وكذلك ضعف المعرفة بأدوات السوق..

واعتبر المحاضر أن البيروقراطية المعقدة الموجودة لدينا هي من نتاج التخطيط المركزي، والإصلاح الاقتصادي معدوم الهوية وحائراً بين اقتصاد السوق والاقتصاد المركزي.. لذلك أحجم القطاع الخاص عن ممارسة دوره بعد إقدامه الأولي على ذلك..

كما أن مسودة برنامج الإصلاح الاقتصادي قد افتقرت لذكر تحديد الخلل الذي يجب إصلاحه، ووضعت الخطة 69% لصالح القطاع العام و31% للخاص.. مما زاد في شكوك القطاع الخاص برغبة الدولة في إعطائه دوره الذي يجب أن يمارسه!!

واعتبر المحاضر أن سورية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي مازالت لا تخوض إصلاحاً اقتصادياً جدياً.. كما أن شعار التطوير والتحديث لا يوحي بالرغبة في التحديث والتطوير السريع.. على المستوى البعيد.. واستنتج المحاضر أنه كلما تأخرنا في وضع برنامج الإصلاح، زادت كلفته، وقد لا يكون لنا أي منفذ بعد الآن إذا ما تأخرنا في تنفيذ «برنامجه الإصلاحي»!!..

نظام السوق.. والثالوث المقدس!

بعد تلك المقدمة، اعتبر د. سكر أن جوهر الإصلاح هو في الانتقال من نظام التخطيط المركزي إلى نظام السوق.. ولايكفي في هذا المجال الإصلاح الاقتصادي إذا لم يترابط مع الإصلاح الإداري..

من هنا وضع معادلته الثلاثية: (نظام السوق ـ العدالة الاجتماعية ـ الارتقاء التكنولوجي)، حيث أن نظام السوق هو الذي يجب أن يقف في مواجهة نظام التخطيط المركزي، معتبراً أن عَظَمة نظام السوق هي في التوفيق بين المصالح المتناقضة والمتناغمة كافة، وهذا ما لاتستطيع أنظمة التخطيط الإداري والأوامر الإدارية تحقيقه.. كما أن نظام السوق يحقق الكفاءة لأنه أفضل نظام لتوزيع الموارد!! واعتبر أن نظام السوق لا يلغي دور الدولة، ولكنه يغير من طبيعته!!

الاستفادة من العولمة!!.

ودعا د. سكر إلى كسر الجمود الفكري من خلال قيام الحزب والدولة بتحديد هوية الاقتصاد وتبني اقتصاد السوق صراحة، واعتبار دور القطاع الخاص حقاً وليس منحة!!. وبالتالي اعتبر أن دور الدولة الجديد يقتصر على التخطيط التأشيري وعلى الدور الاجتماعي وتحديد فرص الاستفادة من العولمة!!.

وأكد المحاضر بأنه ليس صحيحاً أبداً اعتبار القطاع العام ضرورة استراتيجية وأمنية كما يقول البعض، ونوه إلى أنه قد تكون هناك حاجة لبعض الصناعات الاستراتيجية، ولكن لا يجوز التعميم والوصول إلى استنتاج: أن القطاع العام ضرورة أمنية واستراتيجية!!.

«الدعوة إلى توسيع القطاع العام مسألة تدعو للقلق»!!

وتوصل  سكر إلى أن الدعوة إلى توسيع القطاع العام مسألة تدعو للقلق، وأن استراتيجية تعزيز هيمنة القطاع العام لن يكتب لها النجاح أبداً بعد أن جفت المساعدات الخارجية.. وأن القطاع الخاص قادر ومستعد للعب دوره الريادي وزيادة مساهمته «إذا خلصت النية»!!.

وأنه يجب وضع القطاع الخاص في صلب برنامج الإصلاح وليس على هامشه، حيث أن هذا القطاع عانى من التهميش والتشتت خلال نحو أربعين عاماً. وبعد أن حقق القطاع الخاص استثمارات جيدة مع بداية قانون الاستثمار، لكن الفعاليات الاقتصادية الخاصة أصابها الإحباط من البطء في خطوات الإصلاح والفجوة القائمة بين التخطيط والتنفيذ..

وتوصل أيضاً د. سكر إلى أن استراتيجية القطاع الخاص ستعمل على تحقيق حل مشاكل العمالة الفائضة.

وحتى يُطَمئنَ المحاضر من المخاطر بعد سيطرة القطاع الخاص، أضفى على ثالوثه عبارة «العدالة الاجتماعية»، معتبراً أن اعتناق نظام السوق والانفتاح الكبير على العالم الصناعي سيحقق معدلات نمو مرتفعة تكفل تأمين «العدالة الاجتماعية»!!

نصيحة.. على مفترق طرق

واختتم محاضرته بالقول: «إن سورية على مفترق طرق، ولديها باعتقادي خياران لا ثالث لهما، فإما أن تستمر بإصلاحها الاقتصادي البطيء مكتفية بإصلاح حزمة من القوانين والتشريعات ومقتنعة بمعدلات نمو متواضعة، ولكن مضحية من حيث لا تدري بنتائج البطالة والفقر وتفاقم احباطات الشباب باستمرار هجرتهم من الوطن. أو أن تختار لنفسها طريق الانفتاح الاقتصادي الواضح والصريح باتجاه نظام السوق، والدور الرئيسي للقطاع الخاص وللمبادرات الشبابية والفردية للعملية الإنتاجية..»..

المناقشات:

بعد أن أنهى د. سكر محاضرته، فتح رئيس الجلسة باب المناقشات.. وسجل عشرة من الحضور أسماءهم، فقال معلقاً: هل أعتبر قلة عدد المسجلين للمداخلات مؤشر على موافقتكم لما جاء في محاضرة د. سكر؟!..

«مع ملاحظة غياب عدد من الباحثين والاداريين الذين اعتادوا على المناقشة، وحضور ملفت لرئيس وأعضاء غرفة التجارة»..

(المحرر)

ونسجل فيما يلي بعض المناقشات: 

«لاكتاكيت بتعمل اقتصاد ولامناديل صفا بتخلق اقتصاد»

■ السيد محمد شما: المحاضرة كانت عامة جداً (حكي جرايد).. ولم يطرح ماذا نفعل في أزمة الفائض في عمالة القطاع العام.. القطاع الخاص خلال عشر سنوات كان قطاعاً استهلاكياً غير منتج ولم يفد الاقتصاد الوطني.. «لاكتاكيت بتعمل اقتصاد و لامناديل صفا بتخلق اقتصاد» وما رأي المحاضر بتطبيق قانون الاستثمار الذي أثبت عدم فعاليته؟!

                                                        الوضوح الذي يسهل النقاش

■ د. قدري جميل: شكراً للسيد المحاضر على وضوحه، هذا الوضوح الذي يسهل النقاش.

إذا أردنا التحدث عن القطاع العام ووصفه اليوم، فهل يجوز الكلام عنه دون إلقاء نظرة سريعة لاستخراج الأسباب الحقيقية للوضع الذي وصل إليه اليوم؟!.. القطاع العام وضعه سيئ فعلاً، ولكن ماالذي أوصل وضعه إلى هذه الدرجة اليوم؟!.. أعتقد بكل بساطة، إذا أردنا  أن نتحدث بصراحة، أن نهب قوى السوق المحلية والعالمية لقطاع الدولة على مدار عشرات السنين الماضية هو الذي أوصله إلى النقطة التي هو فيها اليوم.

قطاع الدولة..

أساس البنية التحتية

وأرجو عند الحديث عن قطاع الدولة أن لا نختصره إلى معامل كلينكس والنبيذ والكونسروة. قطاع الدولة بدأ بقضايا كبيرة، بدأ بسد الفرات، البنية التحتية كلها مرتبطة بقطاع الدولة، ومهما كان من اقتصاد سوق في المستقبل، قطاع الدولة لا يمكن إلا أن يبقى في إطار البنية التحتية.

الدول التي تتغنى باقتصاد السوق لديها قطاع دولة قوي جداً في مجال البنى التحتية، أي تطور رأسمالي مشوه وغير مشوه لايمكن من غير قطاع دولة مسيطر وقوي ومتطور في مجال البنية التحتية، البنى التحتية «مو لعبة» البنى التحتية في النهاية في مجال إنتاج وإعادة إنتاج الدخل الوطني تلعب دوراً هاماً، تلعب دورا ًهاماً جداً، ليس قضية خدمات، بل قضية الإنتاج المادي الحقيقي.

قطاع الدولة.. والأمن الوطني

إن موضوع الموقف من قطاع الدولة في نهاية المطاف، إذا أردنا أن نأخذه في هذا الإطار، هو موضوع له علاقة بالأمن الوطني، الأمن الوطني ليس بالمعنى الضيق، أي بالمعنى الأمني، الأمن الوطني بالمعنى الاقتصادي، الأمن الوطني بالمعنى الاجتماعي، الأمن الوطني بالمعنى السياسي. التخلي عن دور هذا القطاع، وكما أثبتت التجربة، والتراجع عنه تحت أي حجة كانت أدى عملياً إلى الإضرار بالأمن الوطني. ومثال مصر أكبر دليل على ذلك. هناك مشاكل في الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الكهربائي، هذه قضايا أمنية في نهاية المطاف، بدون قطاع دولة قوي غير منهوب لا يمكن الحديث عن أي تطور لاحق.

هُمُ الداء.. ويصفون الدواء!

لذلك فإن النقطة التي أريد أن أوضحها وأقف عندها اليوم، هي فعلاً إشكالية، نتحدث عن قطاع الدولة دون أن نذكر من الذي سبب هذا الوضع الذي وصل إليه اليوم، اليوم وضعه فعلاً وضع بقرة واقعة، وكثر القصابون حولها، ولكن من هو الذي امتص دماءها خلال الفترة الماضية حتى وقعت؟! أنا أقول: هم أنفسهم أولئك الذين على المستوى العالمي وعلى المستوى المحلي يدعون إلى اقتصاد السوق الحر. نعم.

برأيكم، هل صدفة أن بريمر في العراق أحد مهامه الأساسية تخصيص الاقتصاد العراقي، خصخصة الاقتصاد العراقي؟!.. (276) مؤسسة كبرى بناها العراق بأمواله خلال الفترات الماضية، اليوم هدف الأمريكان الأساسي من الإدارة المدنية، خصخصته، ماذا تعني خصخصته؟!.. العراق تعرض لضربة عسكرية، والآن يجري عملياً إفراغه.

العولمة: سياسات الرأسمال الكبير في إدارة الأوضاع الجديدة

التجربة العملية التاريخية خلال السنوات العشر الماضية أثبتت أن العولمة ما هي إلا سياسات الرأسمال الكبير في إدارة الأوضاع الجديدة. 

فعلاً يريدون حرية حركة الرساميل، ولكن يريدون حرية حركة الرساميل بالاتجاهين، ليس باتجاه الدخول فقط، بل باتجاه الخروج أيضاً، وبالتالي إذا حسبنا كم هو حجم الرساميل الداخلة والخارجة، لانعرف قدر الذي يخرج أو يدخل. هل يجري ذلك لمصلحة البلد صاحب العلاقة أم لا؟! والتجربة العملية توضح أنه خلال هذه العملية لحركة الرساميل، يجري عملياً نهب متزايد للشعوب والبلدان التي تواجه هذا الوضع.

في النهاية الخصخصة ليست قضية اقتصاد فقط، وتجربة روسيا مثلاً تبرهن على أن الخصخصة كعملية ليست عملية اقتصادية فقط، بل هي عملية اجتماعية سياسية عميقة يمكن أن تؤدي إلى تفتيت وحدة التراب الوطني. إن ما يجعل روسيا  اليوم تقف على قدميها في نهاية المطاف، ويعرف ذلك المتابعون للاقتصاد الروسي، هي ثلاثة أمور: سكك الحديد ومجمع النفط والغاز والكهرباء، هذه القطاعات لم تخصص، وإذا ما جرت خصخصتها فستتمزق روسيا إلى أشلاء، لذلك فإن عملية الخصخصة عملياً ليست كما تقدم لنا أنها حلول اقتصادية لقضية معقدة ومشربكة، أنا أعتقد أنها قضية اقتصادية أولاً، لها أهدافها السياسية العالمية والإقليمية التي تنسجم مع أصحاب إرادة النظام العالمي الجديد.

ما أشبه اليوم بالبارحة

في النهاية هناك موقفان فعلاً لمواجهة هذا الوضع، وهذا يجعلني أستذكر من التاريخ السوري حين كان هناك أيضاً موقفان عند مجيء القوات الفرنسية: كان هناك موقف يوسف العظمة الذي خرج إلى ميسلون، ذهب إلى معركة خاسرة، لكنها أسست لمعارك لاحقة ناجحة، أسست للثورة السورية الكبرى. وهناك موقف ثانٍ، بعد بضع ساعات وبضع كيلو مترات: موقف بعض تجار دمشق الذين فكوا بغال عربة «غورو» وجروها بأنفسهم!!

نحن علينا أن نختار بين هذين الخيارين، وشكراً.

تجار دمشق.. مواقف مشرفة!

■ السيد غسان قلاع ـ نائب رئيس غرفة تجارة دمشق:

الحقيقة سأبدأ من نهاية مداخلة د. قدري، الذين جروا العربية ليسوا تجار دمشق، مع احترام رأيك وفكرك التاريخي، بالأسماء وبالأشخاص، تجار دمشق كان لهم مواقف مشرفة دائماً ضد الاستعمار الفرنسي، وإذا كان هناك من حمل كتفاً وساهم بالجلاء هم تجار دمشق تحديداً. ماجروا عربية لا غورو ولا عربية ناس آخرين محتلين.

الحقيقة نحن نريد أن نتساءل دائماً: القطاع العام هل هو جهة مستقلة مفردة عن باقي فئات الناس والمواطنين؟! الوطن السوري يحمل (20 ـ 22) مليون إنسان، كلهم شركاء في هذا الوطن، يملكون في القطاع العام سهماً كما يملك صاحب المعمل معمله ومنشأته ومتجره. إذن عندما يكون القطاع العام ناجحاً، كل مواطن سوري يستطيع أن يرفع رأسه بأن هذه المؤسسة هي من القطاع العام وهي ناجحة، لم يدعُ أحد إلى تخصيص الكهرباء وسد الفرات وسكك الحديد وآليات النقل العامة، لم يدعُ أحد إلى تخصيصها. يجب أن نكون واضحين في طروحنا.

د. نبيل تكلم عن القطاع العام، لكن لم يقل، عندما أعطى مثاله: هل يجب أن يكون القطاع العام منصرفاً إلى إنتاج النبيذ والمحارم وبعض الألبسة الجاهزة، أنا أضم صوتي إلى صوته، لأن هذا ليس من مهام القطاع العام إطلاقاً.

«القطاع الخاص من العائلة إلى المؤسسة»

النقطة الثالثة: عندما ننتقد القطاع الخاص يجب أن نراعي الظروف التي عاشها، معنا وزير اقتصاد سابق عاش (25 ـ 27) سنة في وزارة الاقتصاد، وهو يعرف تماماً الخطوات التي كانت تجري يومياً بالسياسة الاقتصادية وعمل القطاع الخاص وسياساته، أنا لم أنزه القطاع الخاص ولكنه ليس مداناً بالشكل الذي تصفه هذه المداخلات. هل أُعطي القطاع الخاص فرصة الدخول إلى مشاريع كبيرة، أنا أحاول أن أذكركم وأذكر من عاش تلك الفترة، كانت هناك مقولة بأن كل منشأة يزيد رأسمالها عن (500) ألف ليرة معرضة للتأميم، كان هناك من يذهب من شركات القطاع الخاص إلى تفتيت منشآتهم إلى منشأتين أو ثلاثة أو أكثر، حتى لا تكون معرضة للمصادرة والتأميم. النص القانوني لم يخدم قيام منشآت تجارية كبيرة تتطلع نحو اقتصاد مستقبلي. نحن مازلنا نعيش مرحلة القطاع الخاص ضمن شركات أهلية خاصة عائلية، وأنا السنة الماضية قدمت محاضرة: «القطاع الخاص من العائلة إلى المؤسسة» وطرحت فيها هذه المشكلة التي هي من صلب معاناة القطاع الخاص، نحن لانملك المؤسسة في قطاعنا الخاص، أنا لا أثني على القطاع الخاص ولا أنتقد القطاع العام، أكرر قولي أن القطاع العام هو ملك لكل المواطنين وكل مواطن مسؤول عن أي تقصير يحدث في مؤسسات ومنشآت القطاع العام، كما أنه يكون مفترياً عندما يتجاوز القطاع الخاص ولا يحاول أن يشجعه، لأن القطاع الخاص في هذا الوطن في هذا البلد وخاصة القطاع الخاص الذي لم ينزح عن هذا البلد ولم يغادره، عاش يركض وراء السيارات التي توزع كيس الليمون بـ 10 ليرات ويقف على الفرن مثله مثل غيره ويقف وراء أسطوانة الغاز مثل كل المواطنين جميعاً. وشكراً.

صلب السيد المسيح بين لصين

■ د. عبد الوهاب المصري: اشكر السيد المحاضر على هذه المحاضرة الثمينة، وليعذرني إذا قلت إن عنوان هذه المحاضرة يدفع إلى  الحزن والغم والاكتئاب. لأنه يذكر بمقولة صلب السيد المسيح بين لصين، فالعدالة الاجتماعية مظلومة من قبل الطرفين الآخرين في هذا العنوان، فلم يكن نظام السوق والارتقاء التكنولوجي فريقين تحت أي ظرف في العدالة الاجتماعية التي هي حسن توزيع الثروة، ذلك لأن نظام السوق الذي مقولته الأساسية هي وجود اليد الخفية التي تحقق التوازن بين العرض والطلب، وتعبر بالتالي عن نفقة وفر بديلة، وبالتالي عدالة الثمن وكفاءة تخصيص الموارد وتحسين أحوال الفقراء كلما ازداد النمو الاقتصادي بعد ذلك.

هذا النظام كما يلاحظ في الدول المتقدمة يجلب آثاراً سيئة على الاقتصاد وتوزيع الدخل ومصالح الفقراء، ويهدد الديمقراطية وحريات الأفراد وسيادة القانون، وخاصة لأن هذا النظام يؤدي حكماً إلى سيطرة رأس المال على المؤسسات السياسية وإفساد وسائل الإعلام وتغييب الحقائق التي تهدد مصالح  الاحتكارات الكبيرة مثل الحقائق المتعلقة بإفساد البيئة والإقرار بمصالح الناس. هذا في الدول المتقدمة فما بالكم بالدول النامية.

                                                              الشركات «المتعدية» الجنسية.. 

اعتداء على اقتصاديات الدول النامية

في الدول النامية هذا النظام يؤدي إلى توجيه الاقتصاد نحو مصالح الشركات المتعدية الجنسية، أنا أقول: متعدية وليست متعددة، لأن أعمالها كلها اعتداء على اقتصاديات الدول النامية، إنها شركات متعدية الجنسية، هذه المصالح التي تتمثل بتسويق السلاح والأدوية المرفوضة داخل بلادها لإضرارها بالصحة، والقضاء على المشاريع الاقتصادية الوطنية لصالح المشاريع الأجنبية. وأكثر من ذلك فإن نظام السوق يؤدي إلى تفاقم الجوع، ذلك أن تمركز الموارد والثروات بأيد قليلة في ظل نظام السوق، يؤدي  إلى حرمان الأكثرية الفقيرة من سلع كثيرة ترتفع أسعارها و لايستطيع الفقراء شراءها، كما يؤدي إلى توجيه الإنتاج نحو سلع الأغنياء كاللحوم والفواكه الطازجة بدلاً من الاتجاه نحو السلع الضرورية للفقراء مثل القمح، ويشير تقرير لجنة الجنوب التابعة للأمم المتحدة برئاسة الرئيس «نيريري» إلى أن نظام السوق قد أدى إلى عقد من التنمية باتجاه معكوس، وقد أدى في مصر والمغرب مثلاً إلى إلحاق الضرر بذوي الدخل المحدود وبدخول صغار المنتجين وبعموم المستهلكين. وقد جاء في المأثورات: «الحكيم من اتعظ بغيره».

النقطة الثانية والأخيرة: أما عن الارتقاء التكنولوجي، فحدث ولا حرج، وبغض النظر عن أن عام 1945 كان انعطافاً كبيراً نحو تغلب الآثار السلبية على الآثار الإيجابية للعلم والتكنولوجيا، لأن هذا العام شهد قنبلة هيروشيما، وبحيث أنه لم يكن من الممكن لولا التقدم التكنولوجي أن تنتهك أمريكا مثلاً هيروشيما وفيتنام وأفغانستان وغوانتونامو والعراق.

تكنولوجيا الرفاه.. وافقار الفقراء

أقول بغض النظر عن كل ذلك، فإن التقدم التكنولوجي يؤدي بالعادة إلى التوجه نحو المشاريع ذات الكفاءة في رأس المال، وبالتالي تفاقم مشكلة البطالة، وكذلك فإنه عادة ما تتجه الدول النامية نحو تكنولوجيا الرفاه، لاتكنولوجيا الضرورة، بل نحو التكنولوجيا التي تخدم الأغنياء على حساب الفقراء. فمن المؤكد مثلاً أن الذين يستفيدون من الحاسبات المتطورة والهواتف المحمولة هم الأغنياء فقط.

نظام السوق.. والارتقاء التكنولوجي

عدوان لدودان للعدالة الاجتماعية

أختم  فأقول: وهكذا فإن نظام السوق كما هو مطروح حالياً، والارتقاء التكنولوجي كما هو مستخدم حالياً هما بالضرورة عدوان لدودان للعدالة الاجتماعية. وشكراً.

خطاب ليبرالي متكامل وصريح وواضح

■ د. نبيل مرزوق: أشكر د. نبيل على محاضرته. في الحقيقة هذه هي المرة الأولى التي نستمع فيها إلى خطاب ليبرالي متكامل وصريح وواضح، وهذه مسألة جداً مهمة، لكي نستطيع أن نتحاور ونتجه، وأنا أتفق مع د. نبيل أنه يجب أن يكون إصلاح اقتصادي ذو وجه وهوية واضحين، يجب أن نختار الإصلاح الاقتصادي بأي اتجاه يسير، وماذا يحمل كهوية، ولذلك فإن النقاش حول هذا البرنامج الليبرالي هو نقاش مفيد ومن الممكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة.

وإن كنت أعتقد أن هذا الخطاب الليبرالي لا ينعكس أو ينطبق بالضرورة على الواقع السوري، ولم ينتج عن الأرض السورية، لذلك فهو خطاب عام، جزء من الخطاب الليبرالي العام، ولا يختلف عن الخطاب في أي مكان آخر من العالم.

العولمة.. ليست مسألة حيادية

العولمة، باختصار ليست مسألة حيادية أو مجردة، العولمة الحالية الجارية هي عولمة رأس المال ورأس المال يريد حرية كاملة ومطلقة للأسواق، إذاً هناك هوية واضحة للعولمة الجارية، والعولمة الجارية هي حرية الأسواق وحرية حركة رأس المال، وطالما هناك حرية لحركة رأس المال، فمعناه هناك صراع بين القوى الاجتماعية التي تمثل مصالح معينة، رأس المال لديه مصالح، وقوى الشعوب لديها مصالح أخرى، ومن هنا فإن العملية الجارية الآن هي عملية غزو وعملية هيمنة وسيطرة من قبل القوى المسيطرة والقوى الأكبر على الصعيد العملي والمتمثلة برأس المال العالمي الجديد. ومن هنا فإن الالتحاق بهذه العولمة دون قيد أو شرط أو ضوابط، معناه القبول بالهيمنة والسيطرة كما هي مطروحة على الصعيد العالمي الآن.

لذلك عندما نريد الحديث عن العولمة يجب أن يكون واضحاً لنا في أي مسار تقودنا هذه العولمة وإلى ماذا سوف تؤدي.

نقطة أخرى: لخص د. نبيل مشكلة التخطيط المركزي، التخطيط المركزي ليست ظاهرة خاصة في سورية، بل هي مشكلة عدد كبير من البلدان، وهناك هروب لرؤوس الأموال، وهناك هروب للعقول، وهناك هيمنة من قبل رأس المال الكبير أيضاً في الدول التي أخذت منحى ليبرالياً بالأساس والسوق المفتوح بالأساس وهي لم تخلق تنمية حقيقية، ولا تزال الدولة تقوم بمجمل أعباء التنمية، في حين أن القطاع الخاص الذي لم يكن مجبراً على الالتزام بالتخطيط المركزي، لم يساهم في هذه العملية، سواء في السعودية أو الكويت أو في دول الخليج، حتى في لبنان بشكل أو بآخر. وفي المغرب وفي تونس، كل هذه الدول التي ليس فيها تخطيط مركزي وهيمنة للجهاز المركزي للتخطيط، هذه الدول أيضاً ليس فيها مبادرة خاصة، وليس فيها دور فعلي وحقيقي للقطاع الخاص في عملية التنمية.

إذاً المشكلة ليست في هذا المجال، يجب البحث في مجال آخر ويجب توصيف المشكلة في سورية على حقيقتها.

ويبقى السوق للأقوياء

النقطة الأخرى، سبقني بها أحد الزملاء، هناك تعارض وتناقض حقيقي وفعلي بين السوق كما هي مفتوحة، السوق الليبرالية والمفتوحة،والمتحررة بشكل مطلق، وهو المطلوب في ظل العولمة الجارية، السوق المتحررة أو مسألة الجانب الاجتماعي أو الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية، هناك تناقض فعلي وجذري وتاريخي وليس تناقضاً آنياً، هذه المسألة محسومة لأن العرض والطلب يحسمه الأقوى، من يملك مالاً يقوم بالطلب، ومن لا يملك مالاً يخرج من السوق.

إذاً الضعفاء عليهم أن يخرجوا من السوق ويبقى السوق للأقوياء، إذن هذه العملية، بغض النظر ماذا يفعل رأس المال وكيف يمارس ديمقراطيته، هناك تناقض رئيسي بين السوق والعدالة الاجتماعية، التوليفة بين السوق والعدالة الاجتماعية، هذه مسألة تتطلب دوراً للدولة، وإذا قلنا نحن نريد تقليص دور الدولة وتحجيمها وتخفيض مهامها إلى دور اجتماعي فقط ونترك كل شيء على عاتق القطاع الخاص، فهل القطاع الخاص في البلدان النامية، ولا أقول فقط في سورية، قادر على مواجهة الاحتكارات الكبرى، وقادر على خوض المنافسة مع الشركات العالمية، هل هو قادر على أن يتنبأ للمستقبل ولفترات زمنية طويلة، هل يمتلك التقانة الكافية ورأس المال الكافي؟!

أسئلة للتفكير

كل هذه الأسئلة بحاجة إلى أن نفكر فيها على صعيد بلدنا، وإذا أردنا أن نجري إصلاحاً فيجب أن يكون نابعاً من ضرورات ومتطلبات التنمية في بلدنا، ولا يجوز أن يكون هذا الإصلاح انعكاساً لرؤى وتصورات برامج على الصعيد العالمي، المطلوب أن نفكر واقعياً بمشكلتنا الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نعرف مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، ولدينا مشكلة أساسية:  نحن خلال فترة طويلة، حرم القطاع  الخاص من فرص النمو والتطور وكانت هناك إعاقة لتطوره ولنموه، هذا صحيح، ولكن في التوليفة المطروحة و التي هي المشاركة بين القطاع الخاص والعام ووجود قطاع وطني والذي هو مجمل الاقتصاد الوطني الذي يعبر عنه جميع هذه الأطراف، ولكن ليت هذه الأطراف تتعاون في ظل فهم وطني عام أساسي، هدفه الأساسي تحقيق التنمية المتجهة نحو الداخل ونحو المجتمع الوطني، هذا الهدف أعتقد أنه من الممكن النظر إليه.

مشكلة الإصلاح السياسي

هناك معوقات، ومن المعوقات الموجودة وأهمها على الجانب السياسي وأستغرب أن د. سكر لم يطرحها، مشكلة أساسية وعقبة أساسية أمام الإصلاح في سورية هي مشكلة الإصلاح السياسي، هذا الإصلاح السياسي الذي يتيح إمكانية المساهمة والمبادرة والمشاركة لكافة القوى في عملية التنمية، إذاً يجب أن ننطلق من الوقائع ومن المشكلة الحقيقية التي نواجهها، نواجه متاعب ومشاكل في القطاع العام، ولكن مشاكله في معظمها ـ كما سبقني الزميل ـ ناتجة عن النهب الطفيلي والرأسمالي خلال الفترة السابقة للقطاع العام وللدولة، ومازال هذا النهب مستمراً من خلال عملية الفساد، وعملية الفساد، مرتبطة بالشكل السياسي، لذلك يجب إجراء إصلاح سياسي لنقطع دابر الفساد ونستطيع إصلاح القطاع العام وإصلاح المؤسسات العامة. وشكراً.

محاولة لإبعاد كلمة «حرية» عن السوق لإضفاء بعض العلمية

■ د. منير الحمش: د. نبيل قدم عرضاً جيداً لقناعات، وهي قناعات طبعاً نحترمها، ولكنها قابلة للنقاش، وهذه أهمية مثل هذه الحوارات. سوف أقدم محاضرة في 14/10 أبين فيها وجهة نظري، ولكن أريد أن أبين بعض النقاط:

كلام د. نبيل عن اقتصاد السوق، في الحقيقة هو نظام حرية السوق، أي الذي يقصده «حرية السوق» لأن السوق موجودة في جميع الأنظمة، سواء كانت ذات تخطيط مركزي أو أنظمة اقتصاد حرية السوق، السوق موجودة، ولكن في محاولة لإبعاد كلمة «حرية» لإضفاء بعض العلمية وطابع معين للبحث، ولكن هو في الواقع، وأرجو أو يصحح ويقول: «اقتصاد حرية السوق» وهذا هو الذي يعنيه، ليس اقتصاد السوق الذي يوجد في جميع الأنظمة.

نقطة ثانية: د. نبيل يقول: إن سورية انتهجت سياسة التخطيط المركزي، وهو يعلم تماماً أنه لم يكن في سورية في يوم من الأيام تخطيط مركزي، هذه نقطة يجب أن تكون واضحة لأن الأمور يجب أن تكون في نصابها.

محاولة لتجميل وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين

الأمر الآخر، الحقيقة أن ما يدعو إليه د. نبيل سكر هو الليبرالية الاقتصادية الجديدة بالمفهوم الذي تقدمه وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في محاولة لتجميل هذه الصيغة بعد الانهيارات التي أصابت جنوب شرق آسيا عام 1997 وما بعد، وبعد أن اضطرت الدول النامية إلى انتهاج التوصيات والروشيتات المقدمة من صندوق النقد والبنك الدوليين.

فالصيغة التجميلية هي إدخال عنصر العدالة الاجتماعية، في ما بعد عام 1997 بدأ البنك الدولي يعيد بعض قناعاته في محاولة للملمة هذا الجو الذي بدأ يشوب العالم وشوارعه في انتقاد وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين ووصفات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، حاول البنك الدولي والصندوق أن يجملوا نظرتهما ودعوتهما إلى اقتصاد حرية السوق لإعطاء صفة العدالة الاجتماعية لهذه الوصفات، ولكن هذا فقط من باب التجميل، ولا يقع في صلب سياسة الليبرالية الاقتصادية.

                                                         موافقة مطلقة.. ومشكلة في السمع!!

■ د. محمد العمادي: بعد أن شكر المحاضر على المحاضرة القيمة التي «تلتقط أنفاساً جميلة»، والمنسجمة مع مايؤمن به د. نبيل منذ زمن طويل، استعرض العمادي تجربته الشخصية منذ بداية الستينات في التخطيط الذي كان محصوراً بالقطاع العام أساساً ومع ذلك عمل القطاع الخاص بشكل جيد في تلك الفترة.. 

وفيما يتعلق بالقطاع العام قال د. العمادي: لم أسمع من د. نبيل أنه طالب بإلغاء القطاع العام..

وأخذ على المحاضر عدم كلامه بوضوح حول موضوعة التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية، رغم أهمية هذا الموضوع..

                                                         على عينك ياتاجر!!

■ وفي ردود د. سكر أكد مجدداً على ضرورة وقف توسيع القطاع العام، «إذا رأينا أنه يتأهل ويجدد شبابه سنفكر في مستقبله»، إلا أنه استدرك مؤكداً: «أتوقع أن يأتي يوم ترتفع به الأصوات لخصخصته».

واستفاض د. سكر في ختام ردوده في الدفاع عن النظام الرأسمالي الذي اعتبره ليس كما جاء عنه في الكتب القديمة، حيث أن هذا النظام طور نفسه وفي دول السوق عدالة اجتماعية أكثر من أي دولة في العالم. «ويجب أن نحسد المواطن الأمريكي على حياته المرفهة».. ولا يجوز أبداً أن نلقي الاتهامات على الدول الرأسمالية وكأنها كلها مشاكل، إذ كيف نفسر وجود الرفاهية التي نتمتع بها الآن نحن والتي هي من نتاج هذه الرأسمالية كالتلفزيون والسيارة والطائرة.. كل ذلك من نتائج النظام الرأسمالي!!!.

طبقة عاملة.. مثل السكر!!

وبكل ثقة، تحول المحاضر إلى ناطق رسمي باسم الطبقة العاملة الأمريكية ودول العالم الرأسمالي عموماً، حيث قال: «العامل اليوم في الأنظمة الرأسمالية عامل سعيد ودخله مرتفع جداً ولايريد أن يحتج ولا أن ينزل في الإضرابات، وهو مستعد لأن ينزل إلى الشارع فقط ليدافع عن الرأسمالية»!!

عذراً سكر.. هناك بديل!!

وقال في اختتام ردوده بأنه يتفق تماماً مع د. العمادي بما قاله... وأنه يسأل من يعترض على النهج الليبرالي: «ما هو البديل؟! هل هناك بديل لهذا النهج الاقتصادي؟!.. أقول لم يعد هناك بديل، ويجب أن يقوم القطاع الخاص بالدور الريادي في العملية الإنتاجية. إن رفض النهج الليبرالي سهل، ولكن أطلب منهم أن يعطوني البديل، ولم أجد شيئاً!!..»

وعن الإفقار والخراب التي سببتها سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، قال: «لا أتبنى نهج البنك والصندوق، اسمع التهم الكثيرة التي وجهت إليهما، ولكن أقول أيضاً: أن البنك والصندوق الدوليين يتكلمان اليوم عن مكافحة الفقر أكثر من أي كلام لنا نحن، لأنهما يشعران بأن العولمة قد تشكل هذا الخطر إذا لم تقم الدول النامية بما يتطلب من الاستعداد من إصلاح اقتصادي وتغيير في البنى...»!!

عذراً «راشيل»!

انتهت الندوة.. ولم تنته «اللعبة» بعد.. ومازال جهابذة الرأسمالية وخدمها يسكبون ألوانهم بسخاء لتزيين وجه دراكولا... مجددين القول: إذا طغى اللون الأحمر على معالمنا البريئة.. فلا تظنوا أنه لون الدم.. إنه لون للحرية الاقتصادية...

من جهتنا نوجه الدعوة لعمال نيويورك وشيكاغو وطلبة سياتل وجوزيه بوفيه ورفاقه في لارزاك.. ولملايين العمال في البلدان الرأسمالية، لقراءة أفكار د. سكر كي يحولوا تظاهراتهم للدفاع عن الرأسمالية الجميلة.. أو أن يعودوا الى بيوتهم ليتمتعوا بتلك النعم... مكفرين عن ذنوبهم وذنب الصبية الأمريكية المتهورة «راشيل كوري» التي سحقتها الجرافة الاسرائيلية وهي تعلن احتجاجها على القتل الصهيوني المدعوم أمريكياً!!..

وكفى الله المتعولمين شر القتال.. وكفانا شرهم!!؟.

■ إعداد ومتابعة: كمال مراد

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.