أ. ربيع نصر يتحدث لـ«قاسيون» حول الشراكة السورية - الأوربية: التأجيل إيجابي.. ويجب التخطيط عقلانياً لإدارة الشراكات والانفتاح
بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على توقيع اتفاق الشراكة مع سورية نهاية شهر تشرين الأول 2009، وإعلان وزارة الخارجية الفرنسية أن التوقيع على اتفاق الشراكة الأوروبية - السورية في 26/10/2009، بعد استجابة سورية بشكل واضح لقواعد ومتطلبات الشراكة مع الاتحاد، واعتبار بنيتا فيريرو فالدنر مفوضة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي أن الانخراط مع دمشق هو في مصلحة الاتحاد الأوروبي تماماً، جاء الموقف السوري المعاكس والمفاجئ للأوربيين، والراغب بإعادة دراسة ومراجعة قرار نص الاتفاق، موضحاً أنّ آثاره السلبية كثيرة. وكان الموقف الأشد وضوحاً ذلك الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد خلال لقائه الرئيس الكرواتي عندما قال: «نحن نسعى لتعاون مع الأوروبيين وليس للشراكة»، مما شكل تغيراً جذرياً في الموقف السوري حيال الشراكة مع أوروبا!! فهل هناك ترابط بين التأجيل وما كان يمكن أن يتيحه نص اتفاق الشراكة من مساس بالسيادة الوطنية؟! وهل الاستفاقة السورية كانت بفضل دراسة تجارب أخرى في هذا المجال ؟!
يرى أ. ربيع نصر الاقتصادي المعروف أن «بحث قضية التأجيل الحالية، والتي تعد عموماً عملية ايجابية ترتبط بثلاثة محاور:
المحور الأول: تأجيل الشراكة بفعل تحسن الوضع الإقليمي والعالمي بالنسبة للوضع السياسي، وتنفس الوضع الاقتصادي بعد الحصار النسبي على الاقتصاد السوري. هذا أعطى حرية أوسع للحكومة لأخذ الموقف الحاسم، والرد على مماطلة الأوروبيين في توقيع الشراكة خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة تخلت عن فكرة الشراكة مع أوروبا، بل إنها انطلقت من كونها أصبحت في وضع أفضل، وخاصة بعد علاقاتها المميزة مع تركيا، وتوقيعها اتفاقات إستراتيجية معها، والتنسيق مع إيران، فالتنسيق الإقليمي أعطى الموقف السوري قوة أكبر للرد على التأجيلات المتتالية من قبل الأوروبيين، وكان المفترض صدور ملحق يوم التوقيع على اتفاق الشراكة السورية – الأوربية حول وضع حقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل، وهذا كان قلل الحماس السوري باتجاه توقيع الشراكة.
المحور الثاني: التأجيل إيجابي إذا كان هناك إعداد جيد للمستقبل، وتخطيط عقلاني للانفتاح، أي أن يكون التأجيل بهدف التحضير لإدارة عملية الشراكة والانفتاح، والذي أتمنى أن يكون الدافع وراء هذا التأجيل، خصوصاً وأننا قدمنا خلال السنوات الخمس الماضية التي لم نوقع فيها اتفاق الشراكة معظم التسهيلات (التنازلات) المطلوبة في /12/ عاماً التالية للتوقيع، ولم يوجد في المقابل أي تسهيلات حقيقية من جانب الأوروبيين، فنحن اختصرنا الهامش المتاح لنا في الشراكة، ولم نستفد من الميزات الأوربية، لذلك من المفترض أن يكون الهدف الأساسي للتأجيل هو إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة بهدف زيادة الامتيازات السورية في الشراكة مع الأوروبيين، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي في سورية بات مختلفاً عنه في السنوات الخمس السابقة، وبالتالي يجب الاستفادة قدر المستطاع من انفتاح الأسواق الأوربية، ونقل التكنولوجيا وتوطينها، والاستفادة من زيادة تنافسية المنتجات السورية، وهذا نسميه إدارة الانفتاح.
المحور الثالث: أن يكون التأجيل لموقف سياسي فقط، فهذا لن يغير شيئاً في الموضوع، فإذا لم يرافق التأجيل فريق عمل يحضر فنياً ليقول: هذه هي الامتيازات التي نريدها لأنها تناسب الاقتصاد السوري، فعندها سيتم توقيع الاتفاقية بعد فترة من الزمن، ودون فائدة ملموسة.
وأشار نصر إلى أنه لا علاقة بين تجاوز الشراكة للسيادة الوطنية وتأجيل التوقيع، لأن مفهوم العولمة، والشراكة، والاتفاقيات المتعددة تمتلك سلطة أعلى من سلطة قانون البلد، فهذه الشراكات بشكل أو بآخر انتقاص من السيادة الوطنية لصالح السيادة العالمية، ولا أعتقد أنه خلال الشهرين تم اكتشاف ذلك. فالشراكة ستكون مضرة، ولن تحصل أساساً، إذا لم يقتنع الطرفان بأنهما سيفيدان بعضهما، فلا أعتقد أنه قبل /15/ يوماً من التوقيع، وبعد /10/ سنوات من المفاوضات، اكتشف السوريون أن الشراكة هي انتقاص من السيادة الوطنية».
كافة السياسات والإجراءات الاقتصادية التي اتبعها فريق الحكومة الاقتصادي كانت وما زالت تصب في خانة التمهيد للشراكة، وتعد تجسيداً لمتطلباتها، من خلال إلغاء الرسوم الجمركية على مئات بل ألاف البضائع المستوردة، مروراً بالانفتاح الاقتصادي، وإعطاء الدور الكبير للقطاع الخاص، والسؤال: هل اكتشف الفريق الاقتصادي اليوم وقبل أيام فقط من التوقيع النهائي أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي مضرة ومجحفة بحق الاقتصاد السوري؟ وهل هذا التراجع يعد بداية نهاية المخطط الاقتصادي الذي يسعى الفريق الاقتصادي إلى تنفيذه؟!
يرى أ. ربيع نصر «أن التأجيل قد يكون مخططاً له، كمحاولة من الدولة لتحسين شروط الاتفاقية، بما أن الوضع الإقليمي أصبح لمصلحة سورية، أي أننا أصبحنا بوضع جيد قادرين على الرفض وليس الأوربيين فقط، وأن هناك قضايا خسرناها بالمفاوضات وراغبين باستعادتها، وقد يكون التأجيل عبارة عن ردة فعل سياسية، والخيار الأول أفضل.
فالتأجيل جيد بالمعنى المرحلي، لكن بالنهاية سيتم توقيع الشراكة بالمعنى الدبلوماسي، لأنها بالمعنى الاقتصادي تم السير بها، فالسياسات الاقتصادية سارت باتجاه متطلبات الشراكة، وأوربا غير مجبرة لمحاولة التأثير على السياسات الاقتصادية السورية لتصبح أكثر انفتاحاً».
وحول نهاية سياسات الفريق الاقتصادي، أشار الأستاذ ربيع نصر إلى أن «هذا الفريق الاقتصادي لا يمتلك مخططاً واضحاً، لأن هناك أكثر من سياسة وأكثر من إجراء يتبعونه، وجزء منه متناقض وآخر منسجم. فإذا قلنا إن الخطة الخمسية العاشرة منسجمة، لكن هناك أجزاء متناقضة في التنفيذ. وتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع تركيا التي فيها انفتاح تجاري أكثر تقدماً من اتفاقية الشراكة مع الأوروبيين، وتركيا بوابة أوروبا، لذلك لا اعتقد أن هناك تراجعاً عن سياسة الانفتاح التي اتبعتها الحكومة».
اعتبر كثير من المتحمسين لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وأهمهم الفريق الحكومي، أننا نمتلك ايجابيات وامتيازات كبيرة في القطاع الزراعي الذي سيدخل أسواق 27 دولة أوروبية، وإذا افترضنا أن قطاعنا الزراعي قادر على التصدير، بعدما أكدت التقارير الحكومية تراجع هذا الإنتاج الزراعي بشكل بات يهدد حاجة الاكتفاء المحلي، فإننا لا بد أن نذكر بسلبيات اتفاق الشراكة مع الأوروبيين وأهمها: تعرض منتجاتنا لمنافسة كبيرة من قبل البضائع والسلع الأوروبية، نخفيض الحصيلة الجمركية الناتج عن إلغاء الرسوم، وتحرير الأسواق، والذي سيترافق مع زيادة عجز الميزان التجاري البالغ في العام 2009 226 مليار ليرة أي أكثر من ثلث الموازنة العامة، وحول خسائر الاقتصاد السوري من اتفاق الشراكة السورية الأوروبية إذا ما تمت، ومدى خدمتها لاقتصاد البلد وفقاً لمعيار الربح والخسارة، أجاب الأستاذ ربيع نصر «إن الربح من الشراكة هو نقل التكنولوجيا، لأن نقل التكنولوجيا وتوطينها بحاجة إلى مهارة عالية في المفاوضات، ومهارة في جذب استثمارات التكنولوجيا العالية، والاستفادة منها، ونقل الخبرات الإدارية، وهذا يحتاج إلى كوادر قادرة في القطاع العام والخاص، وسياسة حكومية متطورة وهذا الأهم.
أما الجانب السلبي في اتفاق الشراكة، هو سيطرة الشركات الأوربية على الصناعات الرئيسية (السياحية، والبنوك، والتأمين) في الأسواق المحلية، مما سيؤدي إلى إفلاس وإغلاق مصانع في البلد، كما أن دمج بنوكنا مع البنوك الخارجية سيجعلها فروعاً لها، مما يجعلنا غير قادرين على المنافسة.
ومن الأفضل أن يتم التركيز في موضوع الشراكة على الصناعات الوليدة، وإعطائها دعماً في الأعوام /12/ الأولى، وذلك للحفاظ على الصناعة الوطنية، وتمكينها من البقاء على قيد الحياة على الأقل، إن لم نقل المنافسة، وهذه السلبية الأولى التي تقضي على فرص التشغيل، ويمكن أن يقل التركيز بمرحلة ما على الصناعة، ليتحول هذا التركيز إلى الخدمات والزراعة، لكن تخفيض الرسوم ليس مشكلة كبيرة، لأنها هوامش بسيطة من الإيرادات، ولكن أهميتها تكمن في حماية المنتج الوطني والصناعة الوطنية».