د.منير الحمش لـ «قاسيون»: السياسات الاقتصادية المتبعة أساءت إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي
أدلى النائب الاقتصادي، عبد الله الدردري مؤخراً بتصريح إشكالي، لا يتعدى كونه تلفيقاً متعمداً للحال الرديئة المفترضة التي كانت ستصيب الاقتصاد السوري لو لم يجر هو وفريقه الاقتصادي «إصلاحاتهم» الاقتصادية.. فقد أكد الدردري: «إن مواصلة العمل بالآليات الاقتصادية المعمول بها (النفط كمورد اساسي للخزينة)، قبل الخطة الخمسية العاشرة، كان يمكن أن تؤدي إلى انهيار المنظومة الاقتصادية السورية، والوصول بسعر صرف الليرة السورية في نهاية 2010 إلى 146 مقابل الدولار»، متناسياً أن الليرة السورية لم تنهر رغم الركود الذي ساد في سنوات التسعينات. كما أن إنتاج النفط تراجع من /4000/ ألف برميل يومياً في العام 2005 إلى /370/ ألف في العام 2007، ليصل إلى حوالي /340/ ألف برميل يومياً الآن، وهذا تراجع طفيف عموماً، لكنه تجاهل متعمداً ارتفاع أسعار النفط من 20 دولاراً للبرميل قبل 2005 لتصل إلى 147 دولاراً في شهر تموز 2008، وهي الآن بحدود /80/ دولارا للبرميل، فهذا الارتفاع العالمي للأسعار خلال الأعوام الثلاثة الماضية أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع، حيث كانت مساهمته 73% عام 2005 و79% حتى الربع الثالث من عام 2007.
يرى د. منير الحمش، الباحث الاقتصادي، رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، أن «الآليات الجديدة أو القديمة لابد أن تأخذ وتتعامل مع الموارد الأساسية المتوفرة في البلاد، فالآليات والسياسات التي اتبعها الفريق الاقتصادي في السنوات الأخيرة أنهكت الاقتصاد، لأنها اعتمدت بشكل أساسي على سرعة التحول نحو اقتصاد السوق، مخالفة بذلك توجهات القيادة السياسية المطالب بالتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، والحفاظ على عدالة التوزيع. فالدول الرأسمالية الأوروبية لم تستطع التراجع عن خدماتها الاجتماعية، للحفاظ على السلم الاجتماعي رغم كل ما حصل، في الوقت الذي حررت فيه سياسات الحكومة الاقتصاد بسرعة غير منتظرة لم يتوقعها حتى أصحاب النظرية الليبرالية، ولا من يقدم لهم المشورة من خبراء ومؤسسات دولية، والذين دهشوا من سرعة هذا التحول الاقتصادي. فالسياسات المتبعة من قبل الفريق الاقتصادي أدت بمجموعها إلى الضغط على الحالة الاجتماعية، ومستويات المعيشة، وخلق العديد من مظاهر الخلل في التوازنات الاقتصادية، وأساءت إلى الفئات الواسعة من فقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل، وكذلك جميع الفئات التي حققت بعض المكاسب في السنوات التي سبقت مجيء هذا الفريق لتولي مسؤولية رسم السياسات الاقتصادية. إن عملية تحرير التجارة الخارجية التي يفاخر بها هذا الفريق، أدت إلى انفتاح اقتصادي واسع أغرق الأسواق المحلية بالمنتجات الأجنبية، التي أساءت للمنتج المحلي، فالإدارة الاقتصادية اعتبرت تحرير التجارة الخارجية قاطرة للنمو، لكنها في الواقع ستكون قاطرة الركود، لأنها ستؤدي إلى إغلاق المصانع، والأضرار بالفئات الواسعة من المنتجين، وهذا خطر جسيم وكبير على الاقتصاد، وعلى التوازنات الاقتصادية، والأهم من ذلك كله هو الإضرار بالتوازنات الاجتماعية».
وحول فرضية النفط المتراجع، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد السوري، أشار د. الحمش إلى «أن هناك مجموعة متناقضة من التصريحات حول النفط ومستقبله، والكميات المنتجة منه، من قبل الحكومة، فهناك الحاح حكومي على التراجع في إنتاج النفط، والذي يتخذ ذريعة من قبل المؤسسات الدولية لتقديم النصائح للفريق الاقتصادي من أجل التحول إلى اقتصاد السوق، وهذه المسألة الجوهرية، فهناك تصريح لوزير النفط سفيان العلاو منذ فترة قصيرة يؤكد فيه أن سورية غنية بالثروة النفطية، والتي ستمتد بالإنتاج إلى أكثر من /40/ عاماً قادمة بطاقة 300 ألف برميل يومياً، وهذا يناقض التصريحات التي أعلنها الوزير ذاته في وقت سابق. فمسألة النفط هي فقط لإيهام القيادة السياسية أن هناك عجوزات كبيرة يتعرض لها الاقتصاد السوري، ولا مخرج منها إلا التحول نحو اقتصاد السوق، وإلغاء الدعم. والرئيس بشار الأسد، في تصريحه الأخير، ألغى كل هذه الإدعاءات في السياسات الاقتصادية الخارجية حيث قال: «علينا أن نقوي اقتصادنا، وهو أولوية، بما يضمن مصلحة سورية، لأن ما يهمنا هو ما لدينا من أوراق اقتصادية، وما يخدم مصالحنا»، ومن هنا أتت قضية إعادة النظر بموضوع الشراكة السورية الأوروبية لمراعاة المصالح الوطنية قبل أن تراعى المصالح الخارجية، فتحرير التجارة الخارجية قبل تمكين الاقتصاد خطر جسيم، وهذا ما فعلته السياسة الاقتصادية للفريق الاقتصادي الإصلاحات الهيكلية».
النائب الاقتصادي اعتبر في تصريحه أيضاً أنه تم إدخال إصلاحات هيكلية على الخطة الخمسية من قبل فريقه الاقتصادي، وهي ميزان تجاري جيد زادت فيه الصادرات السلعية على النفطية، ميزان مدفوعات منضبط، حساب جار جيد، والتي كان من المفترض بها أن تعني بالمجمل إصلاحات في قطاعات الإنتاج الرئيسة (الصناعة، الزراعة)، والتي يبرهن الواقع، والتقارير الحكومية أيضاً تراجعاً كبيراً فيها، فعن أية إصلاحات هيكلية يتحدث الدردري؟!
يرى د. الحمش في هذا الإطار: أن «الإصلاحات الهيكلية التي يتحدث عنها الدردري مجرد أوهام، والأحلام التي وضعها الفريق الاقتصادي بدأت تتهاوى، فالتقرير الأخير الصادر عن هيئة تخطيط الدولة، بما يتعلق بتنفيذ الخطة الخمسية العاشرة، يؤكد عكس ما قاله الدردري تماماً، والمعطيات الرقمية تقول ما لم يقله الفريق الاقتصادي، فالعجز في الميزان التجاري موجود ويتفاقم، عجز الميزانية تفاقم أيضاً، وكل ذلك بسبب هذه السياسات المتبعة في مجال التجارة والسياسات المالية، فالسياسة المالية قامت بتخفيض الضرائب على الأغنياء، وأبقتها بل وزادتها على الفقراء والطبقات الوسطى، وأصبحت السياسات الاقتصادية كلها تجري لمصلحة فئة بسيطة من المجتمع، بهدف مساعدتها على تكوين راس المال أكثر، وزيادة نفوذها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وهذه الفئة الجديدة لن تقبل فقط بمساهمة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بل إنها تسعى لرأي ودور فعال في رسم سياسات الدولة، وهذا لا يصلح في ظل نظام جبهوي، لأن هذه السياسة الاقتصادية أدت إلى تحويل الحامل الاجتماعي للنظام من عمال وفلاحين وصغار الكسبة وجنود وسطاء ومتوسطي الدخل، إلى حامل اجتماعي جديد بدأ يتبلور، وهو ما يدعى بالفئة الجديدة من رجال الأعمال».
الاقتصاد السوري اعتمد خلال السنوات الطويلة الماضية على النفط كمورد أساسي للخزينة، لكن هذا الاعتماد لم يؤد إلى انهيار المنظومة الاقتصادية في سورية، ولا إلى تراجع الليرة السورية بشكل كبير أمام الدولار، بل إن الاقتصاد السوري يعاني اليوم بفعل الإجراءات الاقتصادية التي اتبعها الفريق الاقتصادي من تدهور كبير في منظومته الاقتصادية، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة..
يؤكد د. الحمش أن «النفط، وغيره من الموارد الطبيعية الوطنية، تساهم في دعم الاقتصاد الوطني، ويجب الاستفادة منه، لكن في النهاية هذه الموارد الريعية لا تبني اقتصاداً، ولذلك فإن تنويع مصادر الاقتصاد الوطني والإنتاج مطلوب، والتأكيد على الإنتاج المحلي في الزراعة أو الصناعة الذي يعد الهدف الأساسي من العملية الاقتصادية، وما لجأ إليه الفريق الاقتصادي، هو انفتاح غير مدروس، وإغراق البلد بالمنتجات الأجنبية، وجذب استثمار خارجي باتجاه العقارات والأراضي، مما خلق لدينا مشاكل سكنية، وهزة من المضاربات في الأراضي والمساكن، وخلق أيضاً نتائج اجتماعية سيئة، فمجمل السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الإدارة الاقتصادية أساءت إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وهنا لابد من التنويه إلى أن الفريق الاقتصادي اتخذ من مشكلة النفط ذريعة للتحول الاقتصادي الذي نشهده من جهة، وذريعة لرفع الدعم المقدم إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة وإلغائه من جهة أخرى، مما خلق تأزماً جديداً على ساحة العلاقات الاجتماعية في المجتمع، فالتوجه للاستخدام المفرط للآليات اقتصاد السوق أساء إلى وضع السلم الاجتماعي، وخلق مزيد من الهزات الاجتماعية التي لا مبرر لها».