الحكومة تتحدى إرادة ومصالح الشعب السوري إذا رفضت مطالب مجلس الشعب!
لعلها المرة الأولى منذ زمن طويل التي تتعرض فيها الحكومة، ممثلة بنائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد اللـه الدردري، إلى انتقادات وهجوم شرس وموضوعي وجريء من أعضاء مجلس الشعب، وتحت سقف البرلمان.. والأهم أن هذا الهجوم لم يكن ليتوقف لولا تدخل رئيس مجلس الشعب، الذي قرر تأجيل النقاش في قضية الدعم إلى يوم الاثنين 20/10/2009، وليفاجأ أعضاء المجلس عند حضورهم الجلسة في اليوم التالي بغياب الأستاذ الدردري عن الحضور كممثل للحكومة، والطرف الرئيسي في الإعداد والتنفيذ لمشروع إلغاء الدعم
فبعد صمت طويل، اتنبه أعضاء مجلس الشعب السوري أن هناك مواطنين يجب التحرك دفاعاً عن مطالبهم وعن حقوقهم، وأهمها حقهم في الدعم الحكومي الذي كفله الدستور لكل مواطن في هذا البلد، فبعد الثقة الكبيرة التي أعلن فيها نائب رئيس الوزراء عبد اللـه الدردري أمام نواب مجلس الشعب آلية الدعم قائلاً: «إن الحكومة ستقر في جلستها يوم الثلاثاء وبشكل نهائي آلية توزيع الدعم النقدي على المواطنين المستحقين بشكل فوري» ثم تلكأ وأجّل، استنفر أعضاء مجلس الشعب السوري، ليعبر كل منهم عن السلبيات الكارثية التي تكتنف الآلية الجديدة للدعم، وفق الخطة الحكومية المقترحة، مجددين أملهم ورغبتهم في أن تتغير الورقة الحكومية المقترحة للدعم، والتي سيستفيد منها وفقاً للشروط السبعة ما يقارب مليون أسرة سورية، أي أنه سيحرم 80% من السوريين من حقهم الدستوري كمواطنين في الدعم الحكومي.
الرفيق حنين نمر عضو مجلس الشعب ممثلاً عن الحزب الشيوعي السوري، جدد الرفض القاطع لآلية الدعم النقدية التي ستتبعها الحكومة، وأكد أن غالبية نواب المجلس يرفضون المشروع الحكومي الحالي، ويطالبون بإعادة دعم المازوت إلى ما كان عليه سابقاً، موضحاً أن الطريقة المقترحة للدعم تعد معقدة ومرهقة للمواطن السوري، مضيفاً أن: «الطريقة الحكومية ستجابه باستياء شعبي كبير»، ومبيناً إلى أن «هناك حلولاً لتخفيف العجز عن خزينة الدولة دون إرهاق المواطن». كما عبر نمر عن الأمل الذي يكتنف الجميع في أن تغير الحكومة من خطتها بعد الاستماع لأعضاء مجلس الشعب.
من جهة أخرى، أشار عضو المجلس عدنان دخاخني إلى أن الاتجاه العام والسائد عند غالبية أعضاء المجلس هو إعادة الدعم إلى ما كان عليه سابقاً، لأن الآلية الجديدة في توزيع الدعم غير عادلة، والتي ستحمل سيئات كثيرة لا تقارن بما ستحمله من إيجابيات، موضحاً أن الدعم بموجب القسائم كان يستهدف جميع المواطنين، ومشيرا في الوقت ذاته إلى أن الدستور كفل للمواطن السوري القانون والواجبات، فكيف يمكن للحكومة مطالبته بالواجبات وإغفال حقوقه؟ معتبراً أن ذلك يشكل مخالفة دستورية.
وأضاف دخاخني «ليس هناك ضمان أن تعطي اللجان المشكلة لتحديد مستحقي الدعم كل ذي حق حقه».
كل الصيغ التي سربت إلينا تفتقد إلى المنطق، والحكومة لا تمتلك حتى الآن صيغة واضحة لتوزيع الدعم، هذا ما أكده عضو البرلمان السوري نعمان حمود في أثناء نقاشه موضوع الدعم الحكومي. وأبدى حمود خوفه من تحويل المواطن السوري إلى حقل للتجارب، بعد تجربة القسائم التي طبقتها الحكومة وهي تعرف سلفاً سلبياتها الكبيرة، وقال: «تخيلوا أن يحملوا إلينا الآن أيضا تجربة يقولون عنها فاشلة العام المقبل». وأشار حمودة إلى أن قضية عدالة توزيع الدعم التي تتحدث الحكومة عنها لم تعد تقنع أحداً، لأننا لم نر حتى الآن شيئاً من هذه العدالة، موضحاً أن الحل الوحيد الذي يجب أن تتخذه الحكومة هو إعادة سعر المازوت إلى 15 ليرة أو مادون للجميع، وتعويض ربح الدولة من الربح في أسعار بيع البنزين.
أما عضو المجلس عبد الله الأطرش فقد عبر عن موقفه من الدعم عبر طرحه سؤالاً: هل ستفرض ضرائب بشكل غير مباشر على من يستحقون الدعم؟! مشيراً إلى أن المواطن أينما كان يقدم واجباته تجاه وطنه فلماذا يتم حرمان جزء كبير منه من الدعم الحكومي، متسائلاً: لماذا هذه التفرقة بين المواطنين؟!
إن كلام أعضاء مجلس الشعب، يؤكد بشكل قاطع لا يترك مجالاً للشك، أن غالبية الأعضاء يرفضون الخطة الحكومية الجديدة لتوزيع الدعم، ويشير كلام من تجرؤوا وتحدثوا إلى أن ما تفعله الحكومة عبر عملية إصرارها إلى استصدار قرار الدعم بصيغته النقدية، ما هو إلا تحد لإرادة ومصالح غالبية الشعب السوري، الذي سيتضرر بقدر ما ستتضرر البلاد بأسرها.
هنا، وأمام هذا التعنت والتشدد الحكومي، والإصرار المستميت على إقرار آلية الدعم الجديدة، الخطوة الأخيرة في طريق إلغاء الدعم، لا بد من طرح العديد من الأسئلة المشروعة:
هل ستتخلى الحكومة عن خطة الدعم النقدية بعد هذه النقاشات الساخنة والانتقادات الحادة لها من قبل أعضاء المجلس؟! الذين أكدوا أن هذه الخطة ستحرم غالبية الشعب السوري من حقه المشروع؟! أم أن القضية أجندة معد لها بالتنسيق مع المؤسسات الدولية، بغض النظر عن حجم وطبيعة المستفيد منها!! وأن المشروع سيمر حتى لو تضرر الشعب السوري بغالبيته!!
وهل سيستطيع الدردري، رأس الفريق الاقتصادي، والمبهور بالمؤسسات الدولية، ومنفذ تعليماتها، تمرير مشروع تخفيض الدعم رغم كل الانتقادات؟!
وإلى متى ستبقى الحكومة تختفي وراء الأرقام الوهمية المفبركة في معرض هجومها على الدعم الحكومي، وتدمير مصالح الشعب؟!