اقتصاد المقاومة

في ضوء تصاعد الضغوط الأمريكية على سورية، والتي بلغت ذروتها في إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1636، بات من المؤكد أن المخطط الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تفتيت المنطقة العربية وإعادة رسم خريطتها عبر إشاعة الفوضى في ربوعها قد دخل مرحلة جديدة عنوانها إنهاء الممانعة السورية للمخطط الذي يعني بالمحصلة إلغاء وجود سورية على خريطة المنطقة إزاء المخاطر المحدقة بها لم يكن أمام سورية من خيار سوى المقاومة. ولكي لا تكون المقاومة انتحاراً، فإنه يتعين الإعداد لها بمنتهى الدقة والإتقان. وكما أن الهجمة الأمريكية متعددة الجوانب، فإن الإعداد للمقاومة ينبغي أن لا يغفل أي جانب منها.

في جعبة الإدارة الأمريكية أدوات ووسائل عديدة لتحقيق هدفها تجاه سورية باتت معروفة ومعلنة، من بينها العقوبات الاقتصادية. ومع أن سورية تمتلك من بعض عناصر القوة الاقتصادية ما يخفف إلى حد ما من تأثير العقوبات الاقتصادية عليها، فإن من الخطأ الفادح التقليل من خطورتها على الاقتصاد السوري وتداعياتها الاجتماعية والسياسية.

من أجل مواجهة العقوبات الاقتصادية، فإنه لا غنى عن اعتماد منهج اقتصاد المقاومة وإتباع سياساته وأدواته التي يمكن إيجاد أبرزها فيما يلي:

1. الاعتماد على الموارد المحلية بالدرجة الأولى لتمويل الإنفاق الإنمائي، ففي ظل ظروف العقوبات الاقتصادية من غير المتوقع تدفق استثمارات خارجية جادة وهامة. وليس المقصود هنا إغلاق الأبواب في وجه الاستثمارات الخارجية، بل عدم الرهان عليها. ويقضي حسن استخدام الاستثمارات الخارجية الضئيلة التي قد تأتي توجيهها نحو القطاعات والمشاريع الإنتاجية ذات الأولوية العالية والتقانة المتقدمة لإنتاج سلع معدة للتصدير في الغالب.

2. زيادة الموارد المحلية بما يمّكن من رفع نسبة الاستثمار، وذلك عن طريق إيقاف الهدر، والحد من التهرب الضريبي، وتشجيع الادخار، والقضاء على بؤر الفساد الذي يستنزف جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي.

3. ترشيد استخدام الموارد المحلية عن طريق ترشيد عملية تخصيص الموارد من ناحية، وترشيد الاستهلاك العام والخاص، من ناحية ثانية يمكن ترشيد عملية تخصيص الموارد بعدم تركها لآليات جهاز السعر (العرض والطلب)، والتدخل المباشر وغير المباشر للدولة عبر أدوات السياسات الاقتصادية. أما ترشيد الاستهلاك فيمكن تحقيقه بوسائل متعددة منها رفع أسعار السلع الكمالية ونصف الضرورية، وزيادة الضرائب على الحفلات الخاصة التي تقام في الأماكن العامة، والتي تتسم بالبذخ المفرط، وإيقاف الدعاية المسرفة لسلع الاستهلاك، والحد من الحفلات الرسمية والمهرجانات، والمؤتمرات.

4. زيادة الإنتاج الوطني الزراعي والصناعي ولا سيما من السلع الضرورية، عن طريق توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية، وإصلاح مؤسسات القطاع العام الصناعي، وتشجيع القطاع الخاص على توظيف أمواله في القطاعات السلعية الهامة.

5. تشجيع إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة لامتصاص البطالة المتراكمة، وإيجاد فرص عمل للقادمين الجدد إلى سوق العمل.

6. إعطاء الأولوية للمشاريع الإنمائية التي تستخدم الموارد الأولية والعمالة الكثيفة وذات المردود العاجل.

7. مضاعفة الجهود المبذولة لتنمية المناطق الأقل نمواً، ولا سيما المنطقة الشمالية الشرقية من سورية، وتسريع وتيرتها.

8. ترشيد الاستيراد بحيث تعطى الأولوية للمواد الأولية والآلات، وقطع التبديل والسلع الاستهلاكية الضرورية، والكف عن استيراد السلع الكمالية والاستفزازية، وتلك التي ينتج مثيلها محلياً.

9. إعادة تنشيط المؤسسات العامة للتجارة الخارجية كمنافس إلى جانب القطاع الخاص للحؤول دون ظهور ممارسات اقتصادية وضبط الأسعار.

10. تفعيل دور وزارة الاقتصاد والتجارة (التخويف) في الإشراف على الأسواق الداخلية، ومراقبة الأسعار والمواصفات، والتدخل حين الضرورة.

11. ترشيد استخدام القطع الأجنبي والحفاظ على الاحتياطي المتوفر لاستعماله حين الطوارئ.

12. الحد من السياحة الخارجية السورية وتشجيع السياحة الداخلية.

13. منع استيراد السلع الأمريكية المصنعة في الولايات المتحدة والمنتجة بترخيص من البلدان الأخرى.

14. اتخاذ إجراءات فعالة لضبط الحدود ومنع التهريب.

15. تحسين أداء المؤسسات العامة الخدمية في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والاتصالات والكهرباء.

16. ترشيد استخدام الطاقة بإيقاف التعدي على الشبكة، والحد من الضياع، وتقنين استهلاك السيارات الحكومية للمحروقات، وتحفيز المواطنين على تجنب الإسراف.

17. اتخاذ إجراءات فعالة لتضييق الفجوة في الدخول.

18. معالجة حالة الارتخاء وتراجع الانضباط المسلكي التي تعاني منها الإدارة الحكومية في مختلف المؤسسات، ومعاقبة المسيئين ومكافأة المجدين، والإسراع في تنفيذ خطوات الإصلاح الإداري.

بقي أن نقول أن اقتصاد المقاومة يتطلب من المواطنين قدراً من التضحية ومزيداً من الجهد والالتزام، وأن نجاحه يتوقف على حنكة الحكومة وحكمتها في التعامل مع المشاكل والصعوبات من ناحية وعلى قناعة المواطنين بضرورتها واستعدادهم لتحمل تبعاتها بطواعية من ناحية أخرى، ما يستدعي تعزيز المناخ الديمقراطي وتوسيع فرص مشاركة المواطنين في الشؤون العامة والتعامل مع المسائل بشفافية ومكاشفة من  الحكومة.                              

 

■ أ. عبد القادر النيال