مشروع مصفاة النفط الجديدة مشروع لاستثمار سورية وليس مشروعاً للاستثمار في سورية

مرّة ثانية أجد نفسي مضطراً أن أذكر بالاحتجاج الذي قدمته في العدد السابق على التجاوب التلقائي من وزارة النفط مع عرض الشركة الروسية لإقامة مصفاة للنفط في سورية. وذلك على الرغم من إيماني المُطلق بأن أي عمل اقتصادي في سورية هو خير لهذا الوطن، وعلى الرغم من إيماني المطلق بالنيات الطيبة للجميع. ولكن هذا الأمر هو في غاية الأهمية وهو يتعلق بارتهان نصف النفط السوري الخام على الأقل لمصلحة هذه المصفاة أو لنقل لمصلحة هذه الشركة الروسية التي سوف تستثمر نصف نفط سورية الخام يومياً، إضافة إلى استثمارها ميزات القانون رقم / 10 /

وإذا أخذنا في الاعتبار توقعات خبراء النفط بأن الاحتياطي النفطي السوري هو في تضاؤل، وأن إنتاج النفط سوف يتناقص خلال الأعوام القادمة، فلربما نكون في ذلك قد ارتهنا كامل النفط السوري وليس نصفه لمصلحة هذه الشركة بعد عدة سنوات، هذا التجاوب السوري كان بالموافقة على تخصيص / 140 / ألف برميل يومياً لصالح هذه المصفاة وليس بتخصيص نسبة من الإنتاج اليومي كالنصف أو الثلث أو غير ذلك.

إن هذا الصمت الغريب تجاه هذا المشروع يثير الارتياب، في حين نرى أن آلاف الأقلام تكتب لانتقاد خلل بسيط في إحدى الجهات العامة، وهي جميعها تصمت الآن أمام مشروع ربما يكون جيداً، وربما يكون غير جيد، ولكنه مشروع فائق الحساسية، وبالغ الأهمية، وهو المشروع الأكثر تأثيراً من حيث الاستمرارية، ومن حيث الآثار المستقبلية سواء كانت إيجابية أم سلبية.

فنحن أمام مشروع له التزامات تعاقدية بين الحكومة السورية، وبين الشركة الأجنبية، ونحن أمام مشروع يلتزم بتخصيص / 140 / ألف برميل نفط يومياً لمصلحة هذه المصفاة الجديدة، والشركة الأجنبية.

إذاً نحن أمام مشروع يحتّم على الحكومة السورية قطع إمدادات النفط الخام عن مصفاتي بانياس وحمص، وتحويل كامل إنتاج النفط إلى الشركة الأجنبية في حال انخفض إنتاج النفط السوري إلى النصف.

ونحن أمام حالة تعاقدية تشكل مساساً بالقانون العام من حيث انعدام الشفافية ومن حيث عدم السعي لخيارات متعددة وعروض متنوعة، كذلك عدم وجود دراسة مسبقة من  وزارة النفط لهذا المشروع.

والغريب في الأمر أيضاً أن الشركة العارضة قد تم تكليفها نفسها بدراسة الجدوى الاقتصادية، وإذا تم هذا المشروع بهذه الطريقة المبتكرة، فإنه يجب علينا أن ننتظر وأن نقبل عرضاً من شركة أجنبية ما لإنشاء معامل للأسمدة مع التزام الجانب السوري بتقديم مناجم الفوسفات لهذه الشركة وأيضاً وفق القانون رقم / 10 /.

كذلك علينا أن ننتظر ونتجاوب مع عرض لشركة أجنبية معينة لإقامة السدود واستثمارها كهربائياً وسياحياً.

كذلك علينا أن ننتظر عرضاً من شركة أجنبية لإقامة معامل للغزل مع التزامنا بتخصيص القطن السوري لهذا المعمل.

وعلينا أن نتوقع مشاركة أجنبية لإقامة المطاحن والمخابز مع التزام الحكومة بتقديم القمح السوري.

وأنا هنا لست ضد إقامة شركات أجنبية بمشاركة سورية، ولكني أنتقد أن تلتزم الحكومة السورية وبالتالي الشعب السوري بتقديم خامات بكميات ملزمة إلى هذه الشركة أو تلك.

وإذا كان لشركة ما أن تقيم مشروع مصفاة في سورية فلا مانع من منحها ميزات القانون رقم / 10 / وإعفاءاته ولكن عليها بالمقابل أن تؤمّن خاماتها من النفط بالطريقة التي تراها مناسبة سواء كان من النفط السوري أم غير النفط السوري، لأن النفط السوري بالأصل هو نفط منافس لانعدام تكاليف النقل وهو بالأصل سوف يكون لهذه المصفاة بشكل تلقائي إذا لم يكن لدى النفط السوري الخام خيارات أفضل بالأسواق العالمية أو لدى مصافي النفط التابعة للقطاع العام في سورية.

أما إذا كان لا بد من تقديم الخام لهذه المصفاة وهذه الشركة فإنه من واجب وزارة النفط والحكومة السورية، وإنه من حق كل مواطن سوري، ومن حق الأجيال القادمة أن تتم دراسة اقتصادية تقنية بيئية تجارية لهذا المشروع، تحدد فيه كل النقاط اللازمة، ويستعان لإنجاز هذه الدراسة بجميع الخبرات المحلية والخارجية سواء ما هو مجاني منها أم ما هو مأجور.

ومن حق جميع السوريين ومن واجب جميع المعنيين بعد ذلك أن يتم الإعلان الداخلي والخارجي عن إقامة هذا المشروع وأن تتم دعوة جميع الشركات الأجنبية لتقديم ما لديها من إغراءات والتزامات وإمكانيات لهذا المشروع.

بعد ذلك على جميع المعنيين أن يقوموا بالاختيار الدقيق والناجح لأفضل العروض وإعلام مواطنيهم بأسباب هذا الاختيار وميزاته، واستيفاء هذا الموضوع حقه، حتى يكون القرار مقنعاً، والاختيار موفقاً والمصلحة العامة مصونة والقانون محترماً والشفافية محققة.

فالنفط هو الرهان الأساسي للاقتصاد السوري والنفط هو الذهب الأسود ولكن كونه أسود لا يبرر إطلاقاً أن يكون استثماره في الظلام.

ومع كل الاحترام للقائمين على النفط ومع كل القناعة بصدق نياتهم وطيبة توجهاتهم في التنمية الاقتصادية ومع الاحتمال الكبير في أن يكون عرض الشركة الروسية هو عرض شديد الإغراء فإنني أنكر هذا التسرع وأدعو إلى تجنب وضع النفط السوري في قفص الآخرين.

فالقانون رقم / 10 / وجد لدعم الاستثمار في سورية ولم يوجد لدعم استثمار سورية والنفط الخام، وجد كثروة وطنية، وهو ورقة الاقتصاد الرابحة في سورية، وعلينا أن نمسك هذه الورقة بمفردنا، لا أن نسلمها لأحد.

ومع أننا لسنا الدولة الوحيدة التي تتعاون مع شركات أجنبية في استثمار النفط لكنني أعتقد أننا الدولة الوحيدة التي تقبل العروض بهذه السهولة وتمنح هذه التسهيلات.

 

■ يوسـف أحمد سـعد