ح.منجه ح.منجه

خارطة الإنفاق تعكس حقيقة توزيع الثروة... الزيادة الاسمية لحصة الفرد دليل تراجع عدالة توزيع الدخل بيّن السوريين

مؤشرات قد توحي لقارئها بأن هناك تطوراً إيجابياً يحصل بهذا الاقتصاد أو ذاك، ولكنها في الغالب هي مجرد أرقام لا تعبر عن شيء إيجابي بالضرورة، وأخر هذه المؤشرات والإحصاءات، هو تقرير التنافسية العالمي 2011-2012 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي تناقلته مواقعنا المحلية على مبدأ (قص ولصق) تحت عنوان «حصة المواطن السوري من الناتج المحلي ترتفع إلى 2877 دولار»، دون أن تكلف هذه المواقع نفسها التعليق على الخبر، ولو بكلمة واحدة، وهذا ما يوحي للقارئ بأن الغنيمة الضائعة قد التقت، وبأن همومه المعيشية قد بدأت بالزوال بعد هذه النتيجة المفاجئة..

ما الذي يعنيه وصول حصة الفرد من الناتج المحلي إلى هكذا رقم؟! وهل يحصل أغلب السوريين عليه أو على ربعه بالحد الأعلى؟! وماذا يعني عدم حصولهم من هذا الجمل إلا على أذنه، ألا يعكس ذلك ذهابه إلى جزء أصغر من السوريين هو المسيطر على الثروة ومنابعها، مما يعني، وأمام هذه الزيادة الاسمية في حصة الفرد، أن فجوة عدم عدالة توزيع الدخل في سورية تتعمق، وتأخذ في الاتساع؟!

إذا ما اعتمدنا الرقم الدولي هذا (2877 دولار) كحصة نظرية للمواطن السوري من الناتج المحلي الإجمالي، وأضفنا ما أضفنا إليها خمسة أمثالها، لنحصل من خلالها على حصة الأسرة السورية من الناتج المحلي، معتبرين أن متوسط حجم الأسرة السورية هو 5 أشخاص، فإننا نصل، إلى أن الحصة النظرية للأسرة السورية من الناتج المحلي – وفق هذا التقرير الدولي- تبلغ 14385 دولار سنوياً، أي أن متوسط حصة الأسرة شهرياً يجب أن تكون 1199 دولار، والتي تعادل 56341 ليرة سورية، ولكن ما هي القيمة الحقيقية التي تحصل عليها أغلب الأسر السورية من هذا الناتج؟!

وبالرجوع إلى المسح الأخير لدخل ونفقات للعام 2009، الذي لا يفصله عن أرقام التقرير الحالي سوى عام واحد، على اعتبار تقرير التنافسية هو وفقاً لأرقام العام 2010، أي أن الإنفاق والدخل لم يتغير إلا بشكل طفيف، وهذا يعني أن لا تغيّر حقيقياً قد حصل في عملية توزيع الثروة بالمحصلة، ومن خلال المسح الرسمي، نجد أن متوسط إنفاق الشريحة الأولى من السكان (الأقل إنفاقاً وتعادل 10% من مجموع السكان) لا يتعدى 11208 ليرة سورية شهرياً، أي أن هذه الشريحة لا تحصل إلا على 19,8% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بالطبع رقم وسطي، لاختلاف حجم الأسرة، ولتفاوت إنفاق أفراد هذه الشريحة ذاتها أيضاً..

-الشريحة الثانية، نجد أن متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 15725 ليرة سورية، وهذا يعني أنها لا تحصل في أخر المطاف إلا على 28% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة الثالثة، متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 18651 ليرة سورية، فهذه الشريحة لا تحصل في النهاية إلا على 33% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة الرابعة، يبلغ متوسط إنفاقها الشهري نحو 21406 ليرة سورية، وهذا يعني أنها لا تحصل في المحصلة إلا على 38% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة الخامسة، متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 24203 ليرة سورية، وهذه الشريحة من الأسرة السورية لا تحصل في النهاية إلا على 43% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة السادسة، متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 27232 ليرة سورية، وهذا يعني أنها لا تحصل سوى على 48,3% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة السابعة، لا يتعدى متوسط إنفاقها الشهري 30919 ليرة سورية، وهذا يعني عدم حصولها إلا على 54,8% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة الثامنة، نجد أن متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 35981 ليرة سورية، وهذا يعني أن هذه الشريحة من الأسرة السورية لا تحصل في أخر المطاف إلا على 63,8% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة التاسعة، يبلغ متوسط إنفاقها الشهري نحو 44257 ليرة سورية، وهذا يعني حصولها في النتيجة على 78,5% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي..

- الشريحة العاشرة، متوسط إنفاقها الشهري يبلغ نحو 78680 ليرة سورية، وهذا يعني حصولها في أخر المطاف على 140% من حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن هذه الشريحة التي تمثل الـ10% الأغنى في سورية، قد حصلت على ما يفوق حصتها المفترضة من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1,5 مرة، وذلك على حساب الشرائح الأخرى التي لم تحصل على ما يكفي احتياجات معيشتها..

فــ60% الأفقر من الشعب السوري حصلوا -بتفاوت حصصهم- وفق بيانات الإنفاق الرسمية على ما يقل عن 50% من حصتهم المفترضة من الناتج المحلي، وهذا ما جعل إنفاقهم أخفض من متوسط الإنفاق المطلوب، واللازم لتأمين الاحتياجات الغذائية وغير الغذائية للأسرة  الواحدة..

هذا الإنفاق المتدني مقارنة بالمطلوب لهذه الشرائح الست مقارنة بالإنفاق الذي تعدى الحصة النظرية للأسرة وللفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يبيّن حجم التفاوت الكبير في توزيع الثروة بيّن السوريين، والذي يعكسه الإنفاق بشكل جزئي، إن لم نقل أن خارطة الإنفاق هي صورة حقيقية لواقع توزيع الثروة في البلد..