القطاع الخدمي مجال رابح.. فلماذا تتخلى الدولة عنه لحساب الخاص؟

سياسة انتهجتها الحكومة السابقة بكل فخر، عنوانها إخراج القطاع العام من أغلب مجالات الاستثمار وقطاعات الإنتاج الخدمية منها وغير الخدمية، تحت حجة إفساح المجال أمام القطاع الخاص للدخول والاستثمار في البلد!! ودعمت توجهها بتعداد بعض خسائر شركات القطاع العام، والتي تعود خسائرها منطقياً لإدارات متعاقبة دأبت بفسادها على تدمير هذا القطاع، وذلك بعيداً عن الجدوى الفعلية لاستثمار القطاع العام في هذه المجالات أم لا..

انسحاب مشبوه «للعام»

الدعوة للحفاظ على القطاع العام، وتعزيز دوره لا يعني بكل الأحوال السكوت عن مشكلاته، أو عدم الاعتراف بها، بل معالجتها لتعزيز دور هذا القطاع، ونقله من الخسارة في بعض الأحيان إلى الربح، فالرغبة في إعادة القطاع العام إلى دوره الحقيقي للاستثمار في المجالات الاقتصادية الحيوية لا يعني مطلقاً الدفاع عن أخطاء القطاع العام، أو عن رداءة بعض خدماته المقدمة أحياناً في بعض المجالات، وليس تقليلاً من أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في عملية التنمية الجارية في سورية..

فمصطلح التشاركية الذي نادى به البعض كرس فعلياً انسحاب العام من أغلب القطاعات الاقتصادية الإنتاجية منها والخدمية، وخصوصاً الرابحة منها لحساب القطاع الخاص، وقطاع النقل هو أحد أهم هذه القطاعات التي أخرج العام من العمل فيها تحت ذرائع تقادم باصاته ورداءة خدماته سواء بالنقل داخل المدن أو بين المحافظات السورية، وما نتج عن ذلك من خسائر منيت بها شركاته بينما في المقابل نجح القطاع الخاص وحقق أرباحاً سنوية ليست بالقليلة.. 

أفضل السيئين

شركات خاصة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين هي اليوم العنوان العريض للنقل بين المحافظات السورية، هذه الشركات التي ارتفعت شهرتها في النقل ليس لأنها الأفضل فعلياً، بل لأنها أفضل السيئين في تأدية خدمات النقل، في ظل غياب شبه واضح لأي منافسة من القطاع العام، الذي نأى بنفسه عن مهمة النقل العامة بيّن المحافظات، لدرجة أن خطوط وشبكات السكك الحديدية لم تشهد الكثير من التطور بمستوى نوعية وجودة خدماتها منذ سنوات طويلة، كما لم تستعض عنها الدولة بأسطول بري بديل من «البولمانات» على سبيل المنافسة مع الخاص، بهدف خلق جو من المنافسة، بما يساهم في تحسين خدمة النقل وجودتها في أسوأ الأحوال، إن لم نقل أن هذا القطاع الخدمي هو مجال رابح يجب ألا تتخلى عنه الدولة مطلقاً، لأنه يرفد خزينتها بملايين الليرات سنوياً، وادعاء البعض بعكس ذلك لا مبرر له واقعياً، فلو لم يكن هناك أرباح فعلية يحققها قطاع النقل (الداخلي، والخارجي) كيف استمرت شركات النقل الخاصة على مستوى المحافظات في أداء خدماتها؟! وهل أصحاب هذه الشركات يعملون لوجه الله مثلاً؟!

انحسار

لم يكن دور القطاع العام في مجال النقل داخل المدن أفضل حالاً من سابقه، فهو آخذ بالانحسار، وشركات النقل الداخلي لم تطور أسطولها بالشكل الكافي قبل إقرار المعنيين فيها بضرورة استقدام شركات خاصة لاحتكار بعض خطوط النقل، وهي أهم الخطوط وأكثرها ازدحاماً من حيث المبدأ، ومعظم باصاتها متهالكة، وصفقات الباصات العامة العاملة على الغاز التي جرى الحديث منذ سنوات عن استقدامها لم تصل بعد، والبوادر لا تؤشر بقرب وصولها، وهذا ما استدعى تسليم القطاع الخاص أعداداً أخرى من الخطوط لتغطيتها، والمترافقة مع  قرار سحب السرافيس من داخل المدن السورية.. 

بعكس التيار

بعكس التيار والمنطق الذي يفترض تعزيز القطاع العام، تشير المعطيات في عمومها إلى خروج طوعي للعام من أداء دوره في مجال نقل الركاب، وهذا من الناحية الشكلية، ولكن التبحر في المؤشرات يدل على أن هناك قراراً قد اتخذ على مستوى ليس بالعادي بالإخراج الإجباري للقطاع العام من قطاع النقل كلياً بدلاً من تعزيز دوره، وضخ استثمارات حكومية فيه لتقويته، وذلك تحت حجة التشاركية، وتراكم الخسائر لدى العام، هذه الأخيرة التي كذبها نجاح الخاص وأرباحه المحققة من إيرادات هذا القطاع، ولكن هل تساءل البعض عن أسباب خسارة العام ونجاح الخاص في مجالات الإنتاج ذاتها؟! ألا تضع هذه المفارقة مقاييس الجدوى في آخر سلم تقييمات عملية الربح أو الخسارة، فاسحة المجال والباب واسعاً أمام معطيات الفساد التي أدت وتؤدي للتدهور والخسارات المتلاحقة للقطاع العام؟.

آخر تعديل على الإثنين, 24 تشرين1/أكتوير 2016 13:28