نزار عادلة نزار عادلة

القطاع الكهربائي.. بين الفساد والهدر والخلل الإداري الكبير

عندما نتحدث عن التخبط الإداري في مؤسسات وشركات القطاع العام بمختلف مناحيها وإداراتها، عن تشابك المصالح بين أصحاب رؤوس الأموال وفئات متنفذة، يبقى حديثنا قاصراً، وهو نوع من الهروب من المشكلة الأساسية، التي لم تأتِ عفوياً، ولم تأت نتيجة أخطاء في التنمية والبناء الاقتصادي، وإنما جاءت بفعل فاعل، ولا تزال آثارها قائمة، وتنعكس بشكل خطير على  الميادين الزراعية والصناعية كافة، وأخيراً المعيشية على المواطنين كافة.

سماسرة لسرقة «العام»

برزت فئة من إداريي القطاع العام، ومن السماسرة في السوق، التي عملت كوسيط بين القطاع العام والبيوتات الأجنبية كوسيط وسمسار، واستطاعت أن تقيم تحالفاً مكشوفاً ومستتراً، ولعب هذا التحالف دوراً تخريبياً في القطاع العام، أدى إلى استنزافه بالكامل، وسرق الدخل القومي، وعطلت مشاريع تنموية كبرى، مما أضعفت الاستثمارات في القطاعات المنتجة، ومن هنا نفهم ماذا يعني الاستثمار في قطاع الكهرباء. 

تجاهل تطور مستويات الاستهلاك

بدأت صناعة الكهرباء في سورية عام 1903، وتضاعفت الطاقات المنتجة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولكن ببطء شديد، وتطور نصيب الفرد السنوي من الطاقة، وازداد من /53/ كيلو واط ساعي عام 1960 إلى /144/ كيلو واط ساعي عام 1970، ووصل إلى /766/ عام 1980، وقد وصل الطلب على الطاقة في عام 2010 إلى /40.4/ مليار كيلو واط ساعي بزيادة سنوية /10%/، وسيتعدى هذا العام حاجز /44/ مليار كيلو واط ساعي.

الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال لم تلحظ هذه المستجدات الكهربائية، والتي كان من المفروض أن تتماشى مع النمو السكاني، والصناعي، والزراعي، ولم تنشئ محطات توليد تكفي الحاجة المحلية، ولم تقم شركات حديثة للنقل والتوزيع، وحجة الحكومة الدائمة لتبرير هذا التقاعس هو «إن هذا يتطلب انفاقاً استثمارياً بالقطع الأجنبي يفوق الإمكانيات».

تأمين الطاقة الكافية بالاعتماد على النفط كمصدر للتشغيل يصطدم بطاقة مصفاة حمص ومصفاة بانياس، وهذه المصافي لا تستطيع تأمين أكثر من /3/ مليون طن من الفيول سنوياً، وهذه الكمية تكفي لإنتاج حوالي /12000/ مليون كيلو واط ساعي في العام الواحد فقط، أما الباقي فيؤمن عن طريق الاستيراد، فمصفاة حمص مثلاً عمرها أكثر من /55/ عاماً، ولم يجر تحديثها، ووزير النفط الحالي يقول: «يتطلب إعادة تأهيلها تكاليف كبيرة إضافة إلى أنها تشكل مشكلة بيئية». 

الاستيراد بدل التصنيع

لم تفكر الجهات الحكومية بإقامة مصاف جديدة سوى منذ عامين فقط، علماً أن تكلفة المصفاة بالكامل قبل بضع سنوات تقدر بـ/130/ مليون دولار، ولم تفكر تلك الجهات بتأمين الطاقة من مصادر بديلة كالحجر الزيتي، والغاز الطبيعي، والسدود المائية، واللواقط الضوئية، والرياح المتوفرة في الطبيعة، والمناسبة لإنشاء مزارع الرياح لتوليد الطاقة، ولكن الأسهل استيراد الفيول واستيراد النفط المكرر، وهنا تكمن المشكلة الأساسية، والتي لم تأت بشكل عفوي، أو نتيجة أخطاء في التنمية، وإنما كانت بفعل فاعل، والآن نحصد النتائج. 

بداية التردي

بدأ التردي في عام 1982، بمشاكل في التوليد، وعجز في توزيع الكهرباء، وعقد اجتماع على اثره تم فصل المؤسسة إلى مؤسستين (مؤسسة توزيع، ومؤسسة توليد)، وكانت النتائج، زيادة عدد المدراء، وارتفاع قيمة الإنفاق والهدر، وتحسن الوضع في نهاية التسعينيات، لأن الجهود أنصبت على التوليد، وتناست الجهات الوصائية التوزيع، وازدادت الطاقة عن الحاجة بسبب العجز في محطات التحويل وشبكات التوزيع، وأقيمت محطات وشبكات تحويل، ولكن أهمل التوليد، والمترافق مع عدم الصيانة الدورية لمحطات التوليد القديمة، وذات الإنتاجية القليلة، وأكثرها خارج من الخدمة، وذلك تحت حجة الحصار القائم على سورية، على الرغم من أننا نستورد قطع التبديل من بلدان لا تقاطع سورية، وجزء أخر من هذه المحطات كان روسي الصنع، وقطعه متوفرة، ولكن لم تتم صيانته أيضاً.. 

معدات حبيسة المرفأ والمستودعات

تم توريد معدات منذ سنوات عديدة إلى محطة بانياس، وبقيت حبيسة المرفأ والمستودعات لسنوات، وشكلت لجان، وأعطت تبريرات واهية، وتم تناسي تأمين الطلب على الطاقة، وأنصب الاهتمام على الترشيد لتقليل الاستهلاك، علماً أن الترشيد ثقافة وضرورة، ولكن يأتي بعد تأمين التوليد أولاً، ومئات المستثمرين تقدموا لإقامة منشآت صناعية إنتاجية على مستوى كبير ولم تقم هذه المشاريع بسبب عدم تأمين الكهرباء، وتركت مشاريعهم وغادروا سورية، فالعجز الحقيقي اليومي يبلغ بحدود /40%/ في التوليد، والأخطر هو انعكاس ذلك على الاقتصاد الكلي.. 

عقود سمسرة

أبرمت مؤسسة التوزيع عقداً مع شركة براسيان، ولم تلتزم الشركة بالعقد، وتم التغطية على الموضوع، وقدمت تقارير تفتيشية، ولم تقم المؤسسة بأي إجراء، وعادت الشركة الأجنبية، والتزمت بالعقد، لكن المؤسسة وضعت العراقيل.

فالخلل إداري الطابع بالدرجة الأولى، حيث تم إبعاد الخبرات الإدارية والكوادر الفنية، وتم الاعتماد على كوادر بلا خبرة، ولكن تدين بالولاء المطلق للإدارات... فالخلل كان بالتوليد.. 

آخر الحلول

في ظل الدعوة المفتوحة لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال للاستثمار في سورية في أي مجال، أصدرت الحكومة السابقة قانوناً للكهرباء، والذي يتيح للقطاع الخاص الاستثمار في مجال توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية، مع إدارة المشاريع القائمة ، الاتحاد المهني لعمال الكهرباء والصناعات المعدنية، والذي أكد في مؤتمره المنعقد مع بداية العام الحالي إن لأزمة قطاع الكهرباء أسباباً عديدة أبرزها:

التأخر في إنجاز محطات التوليد المخطط لها أو المتعاقد عليها لأسباب مالية، وفنية، وسياسية أحياناً (حصار، وعقوبات).

تزايد الطلب على الطاقة الذي وصل في بعض السنوات إلى /10%/ من الطاقة المعدة للاستهلاك، ويعود هذا لتزايد أعداد السكان، وارتفاع حصة الفرد من الطاقة، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

ارتفاع سعر المازوت وتحول كثير من المستهلكين إلى التدفئة، واستخراج المياه، وري المشاريع الزراعية بالكهرباء عوضاً عن المازوت.

ارتفاع نسبة الفاقد على الشبكة السورية، مما وضع قطاع التوليد أمام تحديين:

تأمين استمرارية التغذية الكهربائية ووثوقيتها، وهذا يتطلب استطاعة جديدة جاهزة لرفد الشبكة عند اي طارئ.

مواكبة الطلب المتزايد على الطاقة والمتزايد بنسبة /4-6%/ سنوياً.

أما في مجال التوزيع، فإن هذا القطاع يواجه تحدياً من نوع آخر، وهو ارتفاع الفاقد على الشبكة الكهربائية، وحسب تصريحات المسؤولين /25%/ من الطاقة المعدة للاستهلاك ولكن الحقيقة تتجاوز /40%/ وهذا الفاقد يتألف من شقين، الفاقد الفني ونسبته مقبولة تعادل /12%/، علماً أنه لا يتجاوز /6%/ في الدول المجاور،ة والفاقد التجاري الذي يزيد عن /13%/.

الفاقد الفني لا يمكن التخلص منه لأسباب فيزيائية تتعلق بطبيعة التيار الكهربائي، والآثار الناجمة عنه، وإنما تخفيض نسبته، ولكن الفاقد التجاري يمكن الوصول به إلى الصفر، لأن منشأه عدم كفاءة العدادات، والاستجرار غير المشروع، فإجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية لعام 2009 بلغ /43.308/ مليار ك.و.س، المباع منه /26.83/ مليار ك.و.س، وهذا ما استدعى رفض الاتحاد المهني مبررات الحكومة السابقة في الاستثمار في الطاقة الكهربائية.. 

واقترح الاتحاد المهني:

رصد الأموال اللازمة للمشاريع الاستثمارية في مجال التوليد وإنجاز الخطط في مواعيدها.

معالجة الفاقد وخاصة التجاري علماً أن كلفة الفاقد بالأسعار الحقيقية تتجاوز /40/ مليار ل.س.

التشجيع على استخدام الطاقات المتجددة.

تقديم التسهيلات للقطاع الخاص في مجال التوليد الذاتي.