معمل (الريان).. هل هو الضحية القادمة للخصخصة؟؟ أية مصلحة عامة في احتكار وكالات التسويق؟؟
استطاعت الشركة العربية السورية لتقطير العنب في السويداء منذ تأسيسها، أن تثبت حضوراً اقتصادياً كبيراً ومميزاً من خلال إنتاجها للمواد الكحولية (عرق ـ نبيذ ـ براندي)، فاحتلت موقعاً مهماً في السوق المحلية بسرعة، منافسة بذلك منتجات القطاع الخاص المحلي، حتى أصبح اسم منتجاتها بالنسبة للمستهلك يعني الثقة والجودة العالية.
على الصعيد الاقتصادي - الاجتماعي استطاع المعمل أن يقوم بالمساهمة في توفير دخول ثابتة وجيدة لما لا يقل عن 10 ـ 15 ألف عائلة في قرى محافظة السويداء من خلال تسويقه لإنتاج العنب الذي يعد من أهم الزراعات في المحافظة، حيث يصل تسويقه لهذه المادة إلى ما يقارب 14200 طن سنوياً، وهو المعمل الوحيد الذي استطاع أن يعطي العنب قيمة مادية حقيقية من خلال وضع سعر للكيلو الواحد وهو 8.25 ل.س، وهو من حيث دورته الإنتاجية يحرك ما يقارب من 3 مليار ليرة سورية سنوياً في السوق المحلية، وتتوزع هذه المليارات ما بين: ثمن عنب ـ ثمن يانسون ـ مستلزمات إنتاج الزجاج ـ الأتاكيت ـ الفلين ـ أجور عاملين، ويصل عددهم إلى 180 عاملاً ما بين فنيين وعمال وإداريين..
يصل الإنتاج السنوي للمعمل إلى 2200 طن، وهو بذلك يعتبر من القطاعات العامة ذات الإنتاجية الرابحة على كافة المستويات.. ورغم كل ما تقدم من مزايا اقتصادية واجتماعية لا يجب المساومة عليها أو العبث بها، فإن المعمل اليوم يتهدده خطر حقيقي بعد أن أصبح مصيره ومستقبله بيد القطاع الخاص!!
التسويق في أيدي القطاع الخاص!
لم يشهد المعمل منذ تأسيسه أية أزمة في تصريف منتجاته باستثناء الأشهر الأخيرة، وظل تسويق الإنتاج من المعمل إلى الأسواق المحلية طوال سنوات يجري بصورة حسنة وذلك عبر (تجار الجملة) تارة، وعبر المؤسسة العامة الاستهلاكية تارة أخرى. لكن، وبسبب التخلف الإداري وعدم معالجة القضايا بشكل عصري وقصور بعض البرامج بسبب البيروقراطية المتفشية في مؤسساتنا، بدأ المعمل يعاني من سوء التسويق في السنوات الأخيرة، وخاصة مع المؤسسة العامة الاستهلاكية التي يفترض أنها الجهة الوحيدة القادرة على تسويق الإنتاج دون عوائق تذكر، من خلال الرأسمال الذي تمتلكه والمستودعات الضخمة التابعة لها والانتشار الأكبر لفروعها في كل المحافظات، إلا أن سوء التنسيق والتخطيط المعروف بين مؤسسات القطاع العام وسعي بعض الأطراف المشبوهة في كلتا المؤسستين (المعمل والاستهلاكية) لضرب هذه المنشأة العامة ضمن الحملة الشرسة لتقويض القطاع العام ومحاولة إظهاره على أنه خاسر وغير قادر على المنافسة، اختلقت مشكلة مصطنعة لا أساس موضوعياً لها بين المعمل والمؤسسة الاستهلاكية، انعكست مباشرة على التسويق الذي انعكس بدوره وبشكل سريع على الإنتاج.
من هذا الفراغ تمكن بعض الدخلاء على الاقتصاد من (محدثي النعمة) الجدد من الدخول للمعمل وأخذ كامل الإنتاج على شكل وكالة، وذلك بواسطة الوعود المعسولة من جهة، وبوساطة النفوذ والتأثير على مراكز القرار في الحكومة كوزير الصناعة مثلاً من جهة ثانية، وهؤلاء استطاعوا أن يأخذوا كل الإنتاج، ويحرموا بذلك جميع التجار الحقيقيين المسوقين المعروفين لهذه المادة في أكثرية المحافظات السورية من القيام بذلك، وليحرموا أيضاً المؤسسة من أن تدخل على إنتاج المعمل وتسويقه من جديد..
فبعد احتدام المشكلة بين المعمل والمؤسسة حول بعض الديون المستحقة للمعمل على المؤسسة، وتقاعس المؤسسة عن القيام بعمليات التسويق بصورة مناسبة مما تسبب بانخفاض الإنتاج، أعلنت إدارة المعمل عن مزايدة لاعتماد وكلاء لتسويق الإنتاج، فتقدمت لها خمسة عروض، وبعد فض العروض رست المزايدة على عرضين..
فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا رسا العرض بهذه الطريقة، ولم يتم التنسيق مع الاستهلاكية بحسن نوايا وبكل صراحة وشفافية حول الإنتاج ومصيره قبل اللجوء لهذه الخطوة الانتحارية؟؟
والآن، ما ستفعله المؤسسة الاستهلاكية في حال تمنع الوكيلان عن مدها بالإنتاج واحتكراه كله ولم يحسبا حسابها بتخصيصها ببعضه؟؟.
الغريب والمريب أنه وعندما بدأ الوكيلان الحصريان بتنفيذ شروط العقد المبرم منذ شباط 2007لم يستجرا من المعمل أكثر من 10 ـ 15 طن، وبذلك توقف المعمل عن العمل أيام 24 ـ 25 ـ 26/2/2007، تلا ذلك توقف ليومين آخرين، وتكدست البضاعة في المستودعات. فحتى لو كان المعمل آخذاً بالعقد شرطاً بتغريم الوكلاء في حال عدم الاستجرار خلال 3 أشهر، فالسؤال هو: ما هو الأهم القيمة المادية الذي يستوفيها المعمل من الوكلاء، أو قيمة المعمل بصفته مكاناً للعمل والإنتاج وليس للبطالة المقنعة من جديد؟؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن تقصير المعمل بتنفيذ الخطة الذي وضعها على نفسه، يعني أنه لن يتسوق من الفلاحين كمية العنب المعتادة التي يشتريها كل سنة، وهذا ما سوف ينعكس سلباً على الوضع الاجتماعي للفلاح الذي هو بالأساس سيئ وآخذ بالتدهور، هذا عدا حرمان السوق المحلية من المليارات الثلاثة التي كان يدورها المعمل خلال العام الواحد، فمن هذا الباب تصبح المعالجة لها علاقة بالوطن والاقتصاد الوطني، وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالاً هاماً:
هل هذه السياسية المبرمجة بدقة، تمارس كأحد أشكال الخصخصة التي يحاول البعض جعلها قدراً في بلادنا، في وقت راحت دول كثيرة في العالم، ظروفها كظروفنا،، تسير باتجاه آخر عبر قيامها بعمليات تأميم؟؟
والسؤال الأهم: هل يمكن أن نوقف قطاعاً هاماً مثل الشركة السورية للتقطير (الريان) عن العمل حتى يتسنى للوكلاء التملك في السوق أكثر، أو ليتم تأمين مستلزمات أعمالهم؟؟ على كل من يتغاضى أو يتعامى عن هذه الحقيقة وتحديداً في وزارة الصناعة أن يسأل عن حال المعمل حالياً بعد فترة بسيطة من حصر التسويق، وأن يتذكروا أن كل يوم يتعطل فيه الإنتاج يؤدي إلى مشاكل لا حصر لها.. ويجعل المعمل يقترب شيئاً فشيئاً من نهايته المأساوية التي يدفع باتجاهها أنصار الخصخصة داخل القطاع العام وخارجه..
■ السويداء - مراسل قاسيون