«الأزمة الاقتصادية العالمية ومستقبل سورية الاقتصادي» في ندوة الثلاثاء..

انهيارات عالمية متكررة نتيجة تجاهل خطر هيمنة عالم المال على الاقتصاد
مستجدات الأزمة الاقتصادية العالمية هي القضية التي كرس لها د. دريد درغام محاضرته في ندوة الثلاثاء الاقتصادي الرابعة والعشرين بتاريخ 14/6/2011، وتطرق خلالها إلى طبيعة هذه الأزمة.. متسائلاً عن كونها أزمة حقيقية أم تأزم مفتعل، ليقترح بعدها آفاق التطور الاقتصادي المستقبلي في سورية

لا يصلح العطار ما أفسده الدهر

تحدث د. درغام عن الانسجام بين المصلحة الفردية والمنافسة والعرض والطلب، وهذا الانسجام هو الذي يضمن توزيع موارد المجتمع، موضحاً أن إحصاءات معظم الدول الغربية تبين انخفاض نسبة الادخار وزيادة نسبة الديون الخارجية إلى عتبات خطيرة تجاوزت النسب التي اعتبرها الغرب سابقاً مؤشراً خطراً! فقد وصل إجمالي الدين الخارجي (نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي) إلى نحو /100%/ في الولايات المتحدة وتجاوزها في العديد من الدول المتقدمة كما يظهر المخطط التالي (حيث يلاحظ زيادة مديونية البعض بسبب دوره المالي والمصرفي كالمملكة المتحدة)..
وأشار د. درغام إلى أن متابعة مؤشر داو جونز منذ /80/ عاماً أن ارتفاعاته غبر المبررة في التسعينيات أدت إلى انهيارات متكررة بسبب تجاهل خطر هيمنة عالم المال على الاقتصاد الحقيقي، ويحار مقرضو الغرب بين طلب تسييل قروضهم (خطر منخفض قيمتها) أو تجديدها (خطر حرب العملات لإنعاش الاقتصاد).. أما الدول المأزومة فقد أظهر التاريخ أن الكوارث والحروب تعتبر الطريقة الفعالة لخلط الأوراق والخروج من أزماتها، وغالباً ما شهد التاريخ الحديث حروباً موضعية، ولكن فداحة أزمة الغرب حالياً (مديونية مرتفعة، بطالة، تنافسية الدول البازغة) قد تجعل الورشات الموضعية أو المحدودة غير كافية لحل أزمة نادي الرفاه على حساب الآخرين! فما هو المخطط القادم؟! وأين سينفذ؟!
 
الشرق الأوسط والأزمة

تطرق د. درغام إلى أن ضخامة أزمة الغرب حالياً تشكل مشروع مارشال جديد للصين والقوى البازغة دون أن تضطر لخوض أي حرب. وقد برهنت الدول البازغة وعلى رأسها الصين قدرتها على فرض بعض شروطها دون الحاجة لحرب حقيقية. فهل سيقبل الغرب الاستمرار بمنافسة يفترض أنها حرة وفق قوانين السوق لكن تكرر فيها هزائمه؟ سيؤدي تفاقم أزمة الغرب لتكرار تصدير مشاكله للخروج من كل أزمة اقتصادية واجتماعية عصفت به.
ورغم تطويره أدوات جديدة من الاستعمار غير المباشر إلا أن عدم فعاليتها مؤخراً يفسر عودته إلى الاستعمار المباشر الذي طالما اعتقدنا أنه لم يعد مقبولاً مع انتشار مفاهيم ما يسمى بـ«حقوق الإنسان».
واعتبر د. درغام أن ورشات دول المتوسط العربية من الناحية الاقتصادية مقدمة ضرورية للورشة الحقيقية الأكبر (أي الدول النفطية في الخليج التي يمكن من خلال ورشتها ضمان هدفين: زيادة الطلب على منتجات الغرب ودعم أدوات صراعه في وجه الدول البازغة وخاصة الصين عبر التحكم «بالنفط» الخليجي)، ولا يمكن لهذه الورشة أن تقوم دون تأزيم المتوسط لإلهاء القوى البشرية والعسكرية في الدول العربية عن نجدة الخليج عندما يحين موعد الورشة الكبرى.
 
تطلعات للمستقبل

وبيّن د. درغام أن الأزمة العالمية لا تكفي لتفسير أزمات المجتمعات النامية، ولكنها فاقمت البطالة والتضخم في دول فهمت الانفتاح دعوة للاستيراد وأهملت التصدير، والتي بدأ بها كمدخل للحديث عن مستقبل سورية الاقتصادي، حيث تؤكد الدراسات حسبما أضاف «انخفاض مستوى الدخل والإنتاجية (في ظل ثقافة دوام على حساب العمل وانتشار اقتصاد الظل والتهرب الضريبي)، ورغم الجهود الاستثمارية ومحاولات الانفتاح كان اعتماد الساسي على الثروات الباطنية والقطاع العام وأهملت نسبياً البنية التحتية والقانونية القادرة على جذب الاهتمام المحلي والخارجي، وبقي القطاع الخاص خجولاً أو متهرباً من إظهار أرقامه وثرواته الحقيقية المودعة على شكل ودائع أو استثمارات في دول الجوار»!..
أما على المستوى الاجتماعي فقد ارتفعت معدلات الولادة، والبطالة، والهجرة المكثفة من الريف إلى المدينة التي تتزايد فيها مشاكل شح المياه، ويضاف لها ضعف منظومتي التعليم والقضاء.
 
ما حك جلدك مثل ظفرك

وجاء د. درغام إلى محاضرته حاملاً تصوراته للمشروع التنموي الذي يجب أن تسير به سورية مستقبلاً، معتبراً أن سورية تحتاج إلى مشروع طويل الأمد متعدد الجوانب يشجع الأطراف المعنية (الدولة، المؤسسات، الأفراد من الداخل والخارج) على المشاركة فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، متسائلاً عن مقومات هذا المشروع؟!
وأضاف د. درغام أن سورية تحتاج لبنية تحتية تأخذ باعتبار المتطلبات الحديثة للاستثمارات أو النمو الديموغرافي وتنافسية المناطق الحرة والصناعية والبنى التحتية وإمكانية تمديدها للتواصل مع بنى دول الجوار. ويمكنها الاستفادة من موقعها الجغرافي وتحويل نقاط ضعفها إلى قوة بما فيها كثافة العمالة الوافدة (400 ألف سنوياً في سن العمل).
لذا تحتاج سورية إلى وقف بعثرة الجهود وبدء التوجه إلى مشروع أو مشاريع قومية ضخمة مديدة وقادرة على تحريض قطاعات مختلفة وقابلة للتفاعل مع البلدان المجاورة وقادرة على خلق أجواء استثمارية جديدة وفرص عمل كثيفة.
وحول مزايا المشروع المقترح أشار د. درغام في نهاية محاضرته إلى أنها عديدة، و منها:
تمديد الخط الأفقي وخط حديدي مناسب حتى الخليج العربي يتكامل مع قناة السويس في النقل مع المتوسط.
تمديد الخط العمودي وصولاً إلى مكة سيمهد لسياحة عادية ودينية مختلفة.
سيسمح تكامل بنية المواصلات مع المدن والمنافذ الحدودية بإنعاش زراعي وصناعي وخدمي لمختلف المناطق السورية.
سيسمح استملاك نطاق /10 ـ 20/كم حول الخط المذكور (بالأخص في مناطق البادية) وإنجاز البنية بتطور عمراني على أسس جديدة بمخططات استباقية، وليست علاجية، وبعيداً عن تكريس هيمنة المدن الكبيرة على الصغيرة، ويضمن التخطيط الإستباقي للمدن اختيار الأفضل (مياه، بيئة،....)، وسيمهد ذلك لتوزيع أفضل للكثافة السكانية بين المدن لمصلحة الجميع.
لا يكفي توافر المزايا الضريبية، والجمركية، والموقع، والمناخ، لجذب الاستثمار، ولكن يجب تبسيط الإجراءات، ووضع الحقوق والواجبات، وإنجاز المراحل الأولى من البنية المذكورة لتسهيل إقناع وجذب الكثير من الاستثمارات الخارجية الحقيقية.
ساهم الاستثمار في رفع اسعار الأراضي والعقارات بالمدن وجوارها، وكبديل يمكن منح مواقع منخفضة القيمة أو مجانية على خطوط النية المذكورة مقابل تمويلهم لجزء منها حتى موقعهم، ومع كل استثمار جديد تمديد الخطوط إلى مسافات أبعد، والمترافق مع انتعاش الاقتصاد.
يوفر المشروع الكثير من فرص العمل والاستثمار غير المباشر.
تسهم بنية ترانزيت بعيداً عن التجمعات السكنية بتسريع عمليات النقل، وتخفيف تكاليف الحوادث وغيرها