التمويل ليس عائقاً بوجه التحول نحو الطاقة النظيفة..
5.5 ل.س تكلفة إنتاج كيلو الكهرباء بالطاقة النظيفة.. وكذلك بالتقليدية
«أمن الطاقة» مفهوم لم يعتد السوريون الحديث عنه، لاطمئنانهم لجانب امتلاكهم الكثير من مقوماته حتى لو لم تكن مستثمرة حتى الآن، إلا أن المؤشرات الحالية لا تبشر بالخير الكبير في هذا المجال، فالنفط كعنوان للطاقة عالمياً طوال قرن بدأ نجمه بالأفول، لذلك فأمن الطاقة يصب في النهاية بخانة الأمن الاقتصادي- الاجتماعي، كما أن الفشل في الوصول إلى مفهوم «طاقة آمنة» سيهدد الاستقرار السياسي دون شك..
ضرورة مستقبلية
الحصول على الطاقة الرخيصة يخدم «أمن الطاقة» في سورية، وارتفاع أسعار هذه الطاقة محلياً سيحرم الكثيرين من إمكانية استخدامها، أو أنه سيرشد ويقلل استخدامهم لها قسرياً، وهذا سيهدد أمن الطاقة على المستوى الفردي، وهو يستدعي بالتالي الحديث عن مخاطر حقيقية تهدد هذا الأمن الضروري لعمل الاقتصاد السوري بالشكل الأساسي؟! خصوصاً وأنَّ أسعار الطاقة في سورية ليست بالرخيصة، كما أن السوريين يعانون دائماً من نقص في جزء غير قليل من هذه الطاقة، والتي لا تكفي للاستهلاك المحلي (الكهرباء مثلاً) في أغلب الأحيان!! والسؤال الأساسي: ألا يتوجب نشر تكنولوجيا الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والشمس) على اعتبارها المخرج الأساس لأمن الطاقة في سورية؟! وما هي التحديات والعقبات التي تقف في وجه التوجه لتطبيقات أوسع في مجال الطاقة البديلة المالية منها والإدارية؟! وما هو حجم التمويل المطلوب لتبني التحول لمشاريع الطاقة البديلة بما يكفي احتياجات القطر؟!
تقاعس و«نص»!
الطاقة البديلة التي لم تحظ حتى اليوم بفرصة وبرغبة الاستثمار فيها كغيرها من مجالات الاستثمارات الأخرى في سورية تعتبر عنوان الاستقرار المستقبلي في مجال الطاقة، حيث يفضل المستثمرون والقطاع الخاص التوجه نحو القطاعات التي تدر أرباحاً كبيرة غير مكترثين لمتطلبات التنمية الاقتصادية التي تحتاجها سورية، والتي تعد هذه المشاريع إحدى ركائزها..
فأهمية الطاقات المتجددة تكمن في انعدام التأثيرات البيئية لها، بفضل الانبعاث المنخفض للغازات الدفيئة، كما أنها ذات مردود عال، هذا بالإضافة لقدرتها على تشغيل يد عاملة كبيرة ففي مجال الطاقة البديلة التي تغطي 10% من احتياجات ألمانيا يعمل بها 250 ألف عامل مثلاً..
فدول العالم سبقتنا أشواطاً في مجال استخدامات الطاقة المتجددة، حيث إن نحو 90% من احتياجات الماء الساخن على مدار العام في بلدان البحر الأبيض المتوسط تتم عبر أنظمة تسخين الماء بالطاقة الشمسية، كما أن أكثر من 30 مليون أسرة صينية تمتلك أنظمة شمسية، على الرغم من أن السوية الإشعاعية لشمسية لهذه الدول تعد أقل مما هي عليه لدينا.
وماذا عن الطاقة الرخيصة؟!
مشاريع الطاقة المتجددة لم تلقَ طريقها بعد إلى التنفيذ في سورية رغم أننا من الدول الغنية بالإشعاع الشمسي، وعلى الرغم من الحديث الدائم في الأوساط الإدارة الاقتصادية عن عدد من المشروعات التي ما تزال حتى الآن «حبراً على ورق»، كإعلان مجموعة المشكاة العقارية الكويتية عزمها بناء مصنع للطاقة الشمسية في سورية بتكلفة تصل إلى 3.5 مليار ليرة سورية، أو توقيع سورية مذكرة تفاهم مع شركة فرنسية لتنفيذ محطة توليد كهربائية على الطاقة الشمسية، كما وقعت اتفاقا آخر مع شركة ألمانية لإنشاء مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في حمص بكلفة 315 مليار ليرة، وعزم سورية تأسيس شركة للألواح الشمسية بالتعاون مع أوكرانيا.
فالدراسات تؤكد أن القيمة المتوسطة للطاقة الشمسية الساقطة على السطح الأفقي في سورية تبلغ نحو 5 Kwh/m2 في اليوم، وهذه القيمة عالية جداً مقارنةً مع مناطق أخرى في العالم حيث تبلغ مثلاً في ألمانيا نصف القيمة السابقة؛ أما بالنسبة لعدد الساعات المشمسة سنوياً فهي تتراوح مابين 2800 و3200 ساعة سنوياً، بينما يقدر عدد الأيام الغائمة سنوياً حوالي 40 يوماً؛ كما أن الطاقة الشمسية المتاحة لكل 1 متر مربع في سورية خلال عام واحد تعادل طاقة احتراق برميل من النفط، وهذه المؤشرات تبشر بضرورة استغلال الطاقة الشمسية لدينا، وعلى الرغم من ذلك فإن الاعتماد على الطاقات البديلة لا تتعدى 2% من إجمالي الطاقات المنتجة والمستخدمة حتى الآن.
الطاقة المتجددة بالأرقام
الكثير من الاختصاصيين تحدثوا في وقت مضى عن الطاقة المتجددة والإمكانات الكبيرة التي تمتلكها سورية في هذا المجال، فمتوسط الإشعاع الشمسي السنوي في سورية يقدر بنحو 1825 كيلو وات ساعي بالمتر المربع الواحد، وهو أعلى بكثير من المتوسط الموجود في ألمانيا (1200 ك.و.س/م2 ) المنتج الأول في العالم للطاقة الشمسية الموصولة بالشبكة.
وفي السياق ذاته، يتبيّن أن سورية تعدّ من أغنى دول العالم في مجال تنوع مصادر الطاقة المتجددة لديها، حيث توجد في سورية مساحة 56000 كيلو متر مربع تصلح مصدراً للطاقة الشمسية، وقد تصل فيها شدة السطوع الشمسي إلى 4 كيلو واط/ متر مربع، كما إن عدد أيام السطوع الشمسي يصل إلى 312 يوماً، أمّا المساحة التي تصلح مصدراً للطاقة الريحية، فتقدّر في سورية بحوالي 54000 كيلو متر مربع، وذلك حسبما أشار الدكتور عبد الحكيم بنود، رئيس قسم الهندسة البيئية في كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب في لقاء مع الصحافة المحلية في وقت سابق..
وأظهرت إحدى الدراسات أن الطاقة المتاح إنتاجها من الرياح والشمس في سورية تصل إلى100 ألف ميغا واط ساعي أي 14 ضعفاً من إجمالي ما ينتج من كل محطات الطاقة المقامة حالياً في سورية، وهذا يكفي حاجة سورية لأكثر من 100 عام دون الحاجة إلى أي نوع من الوقود..
تساؤل؟!
سورية تمتلك كل هذه الإمكانات الشمسية والربحية التي ُتحسد عليها، ولا تزال حتى الآن غير مستثمرة، وهذا يدفعنا للتساؤل عن سبب ضعف اهتمام مخططي السياسات الاقتصادية عموماً و وزارة الكهرباء خصوصاً بهذه النقلة التي يجب أن تخطوها سورية باتجاه الطاقة البديلة، فهل ضعف الإمكانات المادية للدولة هي السبب؟! وإذا كان كذلك، فلا بد من التساؤل، لماذا لا يتم تخصيص جزء من استثمارات الخطط الخمسية السابقة، خصوصاً وأن الخطة الخمسية الحادية عشرة خصصت 385 مليار ليرة كاستثمارات في مجال القطاع الكهربائي، في الوقت الذي يتوقع فيه أن يصل الطلب على الطاقة الكهربائية إلى 70 ألف ميغاواط ساعي في عام 2020!!
وحول تكلفة هذه الطاقة البديلة، يبّن العريضي أن تكلفة الكيلو وات ساعي الشمسي يتراوح ما بين 12 و18 سنتاً للمجمّعات الشمسية الكبيرة (باستطاعة 10-500 م.و)، وما بين 20 إلى 80 سنتاً للمحطات الصغيرة ( استطاعة 2-5 ك.و)..
فإذا ما أخذنا هذه الأرقام العالمية نجد أن تكلفة الكيلو وات ساعي الشمسي يتدرج بيين 5.5 ليرة سورية، و8.5 ليرة سورية، و9.5 ليرة سورية، وهذه الأرقام للتكلفة العالمية لعر الكيلو واط الساعي لا تختلف كثيراً عن أسعار تكلفة الكهرباء لدينا بالطاقة التقليدية، حيث تصل تكلفة الكيلو واط الساعي حسب الأرقام الأخيرة التي أصدرتها وزارة الكهرباء 5.5 ليرة سورية، أي أن الانتقال إلى الطاقة البديلة بجزء منه لن يكون مكلفاً من الناحية المبدئية للمواطن السوري، وإذا ما تحدث البعض عن التكلفة الأولية لعملية الانتقال التي نتحدث عنها يمكن أن نقول له، يمكن أن تتم من خلال تحويل جزء من الموازنة الاستثمارية للقطاع الكهرباء خلال الخطط الخمسية (8 مليار دولار) إلى التحول للطاقة المتجددة في هذا القطاع وغيره من القطاعات الأخرى.. فالمشكلة المادية ليست بالمعقدة ويبقى أن تحسم الإدارة الاقتصادية قرارها بتوجيه سورية نحو الطاقة النظيفة لا أكثر!!..