أمن الطاقة يصب في خانة الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. الوصول إلى نقطة توازن الطلب والإنتاج أولوية.. ثم الاتجاه نحو الطاقة المتجددة
حديث الطاقة المتجددة تمتزج فيه الإمكانات المتوفرة والمتاحة بالحاجات بالمستقبلية، فالطاقة النظيفة ضرورة بيئية ومستقبلية، ولكن الإمكانات المادية الاستثمارية تقف عائقاً في وجه نشر هذا النوع من الطاقة على المدى المنظور، فعصر الطاقة الرخيصة قد ولى منذ زمن، لأن أسعار كل حوامل الطاقة وخصوصاً الأحفوري منها إلى ارتفاع، فنحن لا نعاني الآن من نقص في الطاقة الكهربائية، ولدينا فائض ويتم تصديره، وفي حال مرور ظروف مناخية مشابهة للسنين الماضية قد يكون هناك عجز في الطاقة، ولكن طوال السنين الماضية حافظ مستوى الطاقة على استقراره، وكان مريحاً.
ارتباط وثيق
لا يختلف الخبراء العاملون في مجال الطاقة على أن أمن الطاقة يصب في خانة الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ويؤثر على البطالة وكل مجالات الحياة، وما دام يؤثر على الأمن الاقتصادي والاجتماعي فإنه يؤثر على الأمن السياسي بالضرورة، فكل قضايانا الاقتصادية والاجتماعية تتأثر بالطاقة، ومن الطبيعي أن تؤثر بالمحصلة في الاستقرار السياسي، فلا يمكن نكران الارتباط الوثيق بين أمن الطاقة والأمن الاقتصادي بشكل مباشر، ولا يمكن الفصل بينهما..
أسعار الطاقة في سورية ليست بالرخيصة، وأسعارها بالمطلق وبالمقارنة مع دول الجوار رخيصة، باستثناء مصر، أما المقارنة بسوية الدخول فهذه قضية أخرى.
الطاقة المتجددة ليست بديلاً وإنما داعماً
يعتبر البعض أن نشر تكنولوجيا الطاقة ضرورة، وهذا صحيح نظرياً، ولكن الطاقة المتجددة عملياً لا يمكن في المرحلة الحالية، وعلى هذا المستوى من التطور التكنولوجي أن تكون بديلاً للطاقة التقليدية، ولسبب بسيط هو أن عدد الساعات المتاحة لتوليد طاقة الرياح سنوياً، كما أن سرعات الرياح المناسبة لتوليد الطاقة الكهربائية لا تتجاوز 25% من مجمل الساعات السنوية، والبالغة 8760 ساعة، وبالنسبة للمتاح من الطاقة الشمسية فإنها لا تتجاوز 25% من هذه الساعات أيضاً.. ولكن في المقابل نجد أن الطاقة التقليدية يمكن أن تكون متاحة من 80 ـ 90% من عدد ساعات العمل سنوياً، أي أنه مقابل واحدة الطاقة التي ستنتج من الطاقة التقليدية يجب أن يكون لديك 4 ـ 5 وحدات من الطاقة المتجددة، وسعر كلفة الاستطاعة المركبة من الطاقة المتجددة والتي تعد الرياح ارخصها تبلغ 140 ـ 150% من تكلفة الانشائية الاستثمارية للطاقة التقليدية، أما بالطاقة الشمسية فيصل إلى 4 أضعاف وسطياً، فإذا كانت طاقة ضوئية كهروشمسية فتكون من 3 ـ 4 أضعاف التكلفة الاستثمارية، أما إذا كانت تعتمد على الطاقة الشمسية المركزة فيصل الرقم إلى 6 ـ 7 أضعاف، فالمشكلة تتعلق بترتيب الاولويات، والتي تتجسد بتلبية الطلب على الطاقة، والوصول إلى نقطة التوازن، والسير ما أمكن بطريق الطاقة المتجددة لأنها توفر استهلاك الوقود، ولكن لن تكون بديلاً كاملاً بل بشكل متدرج وحسب الامكانيات لأن اولويات الاستثمارات حالياً هو لتأمين الكفاية، والتوازن بين الطلب والانتاج، فهذه النوعية تكون داعمة فقط وليست مصدراً أساسياً.
تكلفة مرتفعة
يرى بعض الخبراء أن الأولوية تتطلب تحقيق التوازن بين الطلب والإنتاج من الطاقة، ومن ثم السعي لإدخال طاقات متجددة ما أمكن لتخفيف استهلاك الوقود الاحفوري (فحم، غاز، فيول، مازوت)، فصحيح أن لدينا أراضي واسعة، وإشعاع شمسي عالي من أعلى مستويات الاشعاع الشمسي عالمياً، لكن الطاقة المتجددة ليست حلاً قريباً، وخصوصاً في بلدنا مثل بلدنا غير قادر على تلبية الطلب من الطاقة حالياً، ولديه توازن حرج بين الطلب والانتاج، كما يجب تطوير طبائع الاستهلاك لدينا، وتوجيهها نحو الترشيد.. وأهم مصدر لتلبية الطلب على الطاقة هو تعزيز وتحسين كفاءة إنتاج، ونقل، وتوزيع، واستهلاك الطاقة الكهربائية، وباقي المصادر مكلفة جداً، فـ 1 كيلو واط مركب من التقنيات المتقدمة التي تعمل على مبدأ الدورة المركبة يكلف نحو ألف يورو لكل كيلو واط ساعي، وهذه تعمل 8760 ساعة سنوياً، أما بالنسبة للرياح التي لا تعمل سوى 25% من هذه الساعات، وكلفة الكيلو واط الساعي 1300 يورو، وإذا انتقلنا إلى الطاقة الشمسية فإنه سيكلف الكيلو واط الساعي 3.7 ألف يورو للكيلو واط الساعي الواحد.
وسائل لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة
يعتبر تشجيع المواطنين على نشر السخان الشمسي، وإنتاج الطاقة الكهربائية من خلاله، وضخها في الشبكة وفق تعرفة عالية، هو أحد الوسائل لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة، وهكذا فعلت ألمانيا، كما يجب إدخال التعرفة التشجيعية التي تقوم بها الدولة عبر شراء الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقات المتجددة.
فألمانيا التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في تبني الانتقال إلى الطاقة المتجددة، إلا أنه لا يمكن مقارنة سورية بها، فهي سوف تستغني عن محطات نووية جديدة، وفي العام 2020 سوف توقف كامل المحطات النووية العاملة لديها، وهي تدعم سعر الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقة الشمسية بما يصل لـ /0.5/ يورو للكيلوواط الواحد، فهل بإمكاننا أن ندعم طاقتنا بهذا الحجم من المال؟!.
وحول مستقبل الطاقة المتجددة في بلادنا، يمكن الحديث عن وجود إحدى الخطط المستقبلية المنظورة لدى مخططي السياسة الاقتصادية في سورية، والتي تتمثل بإضافة نحو 2000 ميغا واط تعمل على الطاقة الشمسية بأنواعها المختلفة، وما يقارب 2000 من طاقة الرياح حتى العام 2030، وهذا يحتاج وسطياً لـ 10 مليار يورو (700 مليار ليرة سورية)، وهذا على مستوى التخطيط..
أما بالنسبة لدور القطاع الخاص في نشر هذه التكنولوجيا، فيجب ترغيب هذا القطاع على إنتاج طاقة متجددة، وضخها في الشبكة سواءً عبر الإنتاج المنزلي أو الإنتاج الصناعي المتوسط والصغير، والدولة قد تستطيع في مرحلة متقدمة تقديم الدعم اللازم لشراء الطاقة الكهربائية المتجددة من هذه المصادر، والمصادر المائية كطاقة متجددة تعد محدودة ومستنفذة.