«نزار عبد الله» في ندوة الثلاثاء الاقتصادي عن «اقتصاديات السياحة».. يجب حماية الوطن والفقراء الضعفاء من ويلات سياحة «المتعة»..
ختام ندوات جمعية العلوم الاقتصادية لهذا العام لم يكن كما يرتجى، فعلى الرغم من أهمية المحاضرة (اقتصاديات السياحة في سورية)، وعمق رؤية المحاضر، إلا أن المركز الثقافي العربي بالمزة، لم يضم إلا بضع عشرات من المتابعين والمهتمين.. وقد كسر هذا الواقع في ختام المحاضرة، الحوار الجماعي بين الحضور والمحاضر الدكتور نزار عبد الله، الذي أسهب في عرض الواقع السياحي السوري مبيناً زيف الأرقام الإحصائية للسياح الزائرين، وكاشفاً عمليات تهريب الآثار التي ما تزال جارية على قدم وساق، مقترحاً عدة نقاط لتطوير السياحة، منبهاً إلى خطورة سياحة المتعة التي أصبحت الواجهة السياحية عندنا..
السياحة.. والخطط الاستعمارية المعادية
يقول د. نزار عبد الله: لا يمكن لقطاع السياحة أن يكون قاطرة للتنمية في بلد نام كالقطر العربي السوري، بل كي نستفيد من السياحة اقتصادياً يجب أن نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل القطاعات السلعية: من زراعة وصناعة وتشييد، والخدمية من تطوير وتوسيع للبنية الفوقية من إدارات وتعليم وثقافة وتدريب مهني ...الخ.
بلغت زيادة القادمين العرب عام 2006 أكثر بـ112% عما كانت عليه عام 2000، وزادت أعداد المغتربين السوريين بنسبة 100% في الفترة الزمنية نفسها، أما أعداد القادمين من آسيا، فزادت بنسبة 80%، وبلغت زيادة العرب والمغتربين السوريين والقادمين من آسيا بنسبة 105%، أما القادمون من غرب أوروبا وأمريكا، فزادت النسبة بمعدل 16% فقط.
لن يتغير الوضع كثيراً في المستقبل المنظور، لأننا سنظل نتعرض للغزو والعدوان والتهديد بالحروب من الاستعمار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وسيظل «مشروع اسرائيل» أحد أدوات الغزو والعدوان العسكري الأطلسي. الولايات المتحدة الأمريكية تحاصرنا اقتصادياً، وتعد بمزيد من العقوبات الاقتصادية بعد إقرار قانون معاقبة سورية، وليس الاتحاد الأوروبي بعيداً عن كل ذلك... كلاهما يعتبر المقاومة الشرعية الباسلة للعدوان في كل من فلسطين ولبنان والعراق إرهاباً، متجاهلين الأعراف الدولية التي تعتبر المقاومة حقاً مشروعاً لكل الشعوب. لذلك ليس لنا أن نتوقع مزيداً يذكر من السواح القادمين من دولها..
إن متاحف الدول الغربية نهبت إبان فترة الاستعمار قسماً كبيراً جداً من آثارنا، ومتاحفهم اليوم تغص بهذه الآثار. إن عمليات سرقة وتهريب الآثار مستمرة بطرق شتى، وعلينا وقف هذه العمليات بكل السبل. إن ما نملكه نحن العرب يفوق قيمة ثرواتنا النفطية بأضعاف مضاعفة، ويجب أن يصبح التنقيب والترميم ودراسة اللقى والرقم حكراً علينا، فننشئ جامعات للآثار، ونخرّج الآلاف كل عام ، كي يتولوا هذه المهمة..
أنواع السياحات
هنالك أنماط عديدة من السياحة:
سياحة الاستجمام - سياحة الصحة والاستشفاء - سياحة المعاقين- السياحة البيئية - السياحة الثقافية والدينية، وسياحة المتعة..
فأي السياحات نختار؟ أو أية تشكيلة منها؟ علينا أن ندرس المنافع والأضرار لكل نمط من هذه السياحات على المدى القريب والبعيد.
سياحة المتعة.. الخطر الأكبر
هذا النوع من السياحة واسع الانتشار في العالم، لكنه أكثرها خطراً وضرراً على الإطلاق، لأنه مرتبط بالدعارة، وفي الآونة الأخيرة توسعت تجارة الدعارة مع الأطفال بشكل مرعب إلى جانب تجارة المخدرات وانتشار مافيات الإجرام وشتى الموبقات.
ذكرت منظمة (يونسيف) منظمة الطفولة العالمية عام 2004 أن عدد الأطفال الذي يجبرون على ممارسة الدعارة في العالم، قد وصل إلى مليون طفل. ويعمل 5000 طفل كرقيق جنسي في بريطانيا.
ويقدر دخل تجارة نقل الناس بمبلغ 5 مليارات يورو سنوياً، مما يجعلها ثاني أكبر صناعة بعد المخدرات في العالم.
تتصاعد السياحة الجنسية في دول العالم الثالث ويرتفع عدد النساء والأطفال الذين يجبرون على الدعارة، إلى جانب «دول للدعارة الجنسية» مثل تايلاند وكينيا والفلبين.
يتم استغلال الفقراء وإجبارهم بسبب الإملاق والفقر المدقع إلى احتراف الدعارة. في عام 1994 سافر من ألمانيا الاتحادية إلى تايلاند 100 ألف سائح لممارسة سياحة الدعارة، كما ذكرت وزيرة العائلة آنذاك «سوموت» في جريدة فرانكفورت الغيمايني عام 1996. هنالك أخطار جسيمة على الدول النامية من تلك السياحة، خاصة عندما تستفحل البطالة وتصل إلى قرابة 50% من القادرين على العمل كما هو الحال في بلدنا مثلاً.
كيف نستطيع حماية الفقراء الضعفاء؟
تتسع دائرة المشتغلين بالدعارة في قطرنا بسبب الإملاق والفاقة وبسبب الإغراء الذي يسببه المجتمع الاستهلاكي إلى غير ذلك من الأسباب، ومن أخطر نتائجها السريعة يأتي مرض نقص المناعة الذي يدمر المجتمع.
وذكرت شائعات من أن بعض الشركات السياحية وثيقة الصلة بالمجلس الأعلى للسياحة اشتكت من قلة عدد المومسات في بلدنا!!. علينا منع سياحة كهذه بكل السبل القانونية لأنها تحمل أخطاراً مدمرة لبنية المجتمع، وعلى سبيل المثال يمكن أن نمنع الفنادق التي تسمح بممارسة شتى أنواع الموبقات من مخدرات وقمار...الخ.
أما السياحة الداخلية (المحلية)، فيتراجع عدد السياح السوريين المقيمين بشكل مستمر، وكذلك عدد الليالي الفندقية التي يسجلونها، بسبب تراجع مستوى الأجور وارتفاع مستوى المعيشة.
وفي الأسباب الأخرى لهذا التراجع يأتي الاعتداء على المساحات الخضراء في مقدمتها، فقد قضي على قرابة 90% من الغوطة خلال عقود قليلة، وتراجعت حصة الغابات من 30% من إجمالي مساحة البلاد قبل قرن إلى 3% حالياً. كانت الغوطة رئة دمشق للسياحة الداخلية، ولم تعد هذه الرئة تعمل الآن. نحن نصحر بلادنا حيث المباني والمنشآت تأكل الأخضر واليابس. أصبح الهواء ملوثاً في مدننا الكبيرة التي تستأثر بمعظم السواح، وتصل إلى أكثر بكثير من المسموح به عالمياً. فكيف نكون بلداً سياحياً؟
تنوي السياحة وضع أكثر من 25 مليون م2 من الأراضي، تحت تصرف مستثمرين أجانب ل(من يدفع أكثر) من كل أصقاع المعمورة. هذا أحد أنواع الخصخصة شديدة الخطورة حيث يتم التأجير للموقع لمدد تصل إلى 99 عاماً، وأخرى غير محددة المدة. والغريب أن القرار رقم 19 لعام 2005 ينص على أن يكون الحد الأدنى للاستثمار في مجال السياحة 40 مليون دولار (ما يعادل أكثر من مليارين ل.س). وعلى المستثمر أن يدفع 5% لشركة ترويج دولية توافق عليها وزارة السياحة.
كيف تحدد رقم 40 مليون دولار؟ ولمصلحة من؟ قد تكون كلفة المشروع الاستثماري أقل من ذلك بكثير مثلاً ببناء مخيم سياحي؟ أو مقهى شعبي ضمن بستان؟ أو صالة تزلج؟ أو مسبح مدفأ على الطاقة الشمسية؟...الخ.
لقد أعلن العمادي وزير الاقتصاد في عام 1975 أن السياحة هي المشروع الاستثماري رقم 1، وهذا خطأ جسيم. وأعلن بيريز في كتابه: «الشرق الأوسط الجديد» أنه على العرب أن يتخلوا عن الزراعة والصناعة، وأن يتفرغوا للسياحة، فهل هذه صدفة؟؟
اقتراحات لتطوير السياحة
نحن بعيدون جداً عن أن نكون بلداً سياحياً متطوراً، على الرغم من المزايا المتوفرة، علينا فعل الكثير كي نصبح بلداَ سياحياً ونعظم منافعنا من السياحة ونقلل من أضرارها وأخطارها على المجتمع والاقتصاد.
علينا إعادة النظر بالسياسة السياحية، ووضع استراتيجية بعيدة المدى تأخذ في اعتبارها كل الأفكار المذكورة كي نعظم فوائدنا.. لن تتطور السياحة ككل قبل تطوير السياحة الداخلية كما في كل الدول المتطورة سياحياً. ففي هذه الدول ازدهرت أولاً السياحة الداخلية، فشدت لاحقاً إليها السواح من دول أخرى، فأضيفت استثمارات لتطوير الخدمات السياحية المقدمة لكل السياح... أولاد البلد أولاً.
مداخلات وحوار
في ختام المحاضرة، جرى نقاش ومداخلات ركز أغلبها على سرقات وتهريب الآثار، وغياب السياحة الداخلية كليا، والتشابكات والتداخلات بين وزارت الثقافة والسياحة والنفط، ومقارنة بسيطة بين الأسعار الخيالية للفنادق السورية وأهم الفنادق في العالم، والمعارك الدائمة مع هيئة التخطيط والإحصاء حول الأرقام المقدمة، وخاصة الرقم الأخير الذي يقدر عدد السياح الزائرين لسورية بستة ملايين زائر. كما تحدث البعض عن المليارات التي أنفقت في الموازنات المتعاقبة للحكومة، فيما لا يجد المواطن فسحة صغيرة لشم الهواء، وحتى الفنادق التابعة للنقابات والجمعيات بيعت واستغلت من بعض التجار. وفي النهاية أجمع الحضور على أن السياحة تأتي بعد النفط، لكن تخلف الشعارات والقرارات التي لم تنفذ، وصلت بالسياحة إلى درجة كبيرة من السوء، رغم وجود هذا الكم الهائل من مناطق الاصطياف والمواقع الأثرية التي تعد بالآلاف، لكنها مهملة إلى درجة كبيرة.
■ متابعة علي نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.