حميدي العبد الله لـ«قاسيون»: لا حلول جذرية لأزمة الإمبريالية العالمية..

 الارتفاعات الأخيرة في سعر الذهب والتي وصلت في آخر الأسبوع الحالي إلى 760 دولار للأونصة، وهو في تصاعد مستمر بشكل غير مسبوق في وتيرته منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كذلك فإن اليورو والدولار قطعا كل الحواجز التاريخية بينهما، أما النفط فوصل سعر البرميل منه إلى /90/ دولار، ومدير البنك الدولي يتوقع هبوطاً قاسياً للدولار.. نتيجة للوحة القاتمة للاقتصاد العالمي حالياً، التقت قاسيون الباحث المعروف الأستاذ حميدي العبد الله للوقوف على ماهية وضع هذا الاقتصاد في الفترة الراهنة والمستقبلية...

 الأستاذ حميدي، أين جذور العملية الجارية في الاقتصاد العالمي وعلاقتها بالعقارات وأزمتها في الولايات المتحدة؟

حميدي: أولاً لدينا ثلاثة مظاهر من مظاهر الأزمة تستدعي الانتباه والاهتمام أولها ما يسمى بفقاعة قطاع العقارات، وثانيها انخفاض أسعار الدولار، وثالثها ارتفاع أسعار النفط، وإذا دققنا النظر وأمعنا فيها، يتبين لنا بأن مظاهر الأزمة واحدة، فارتفاع أسعار العقارات أدى إلى انهيار شامل، لذلك الوضع أوصل إلى إفلاسات بالجملة لأهم المؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية. إذاً هناك ثلاثة مظاهر للأزمة، والأزمة بالأساس تكمن بالاقتصاد الكلي وليس بالفروع التي تحدثنا عنها، فأزمة العقارات بدأت بالولايات المتحدة الأمريكية، والآن انتقلت إلى أوروبا وجذورها تمتد بالتحديد منذ عام /2000/ عندما ضرب الركود الاقتصاد الأمريكي والذي اعتبر آنذاك أقوى اقتصاد في العالم بعد خروجه من مرحلة الحرب الباردة.

وسائل العلاج التقليدية لأزمة الركود بالمعايير الرأسمالية بغض النظر عن مسببات الأزمة الاقتصادية، والتي عادة لا تقف أمام المسببات البنيوية، تتبع طريقتين دائماً:

الأولى، بتخفيض الضرائب لتشجيع المستثمرين على الاستثمار، والثانية برفع الفوائد لتشجيع المستهلكين أيضاً على الاستهلاك، وهذا ما نسميه باللغة الطبية معالجة العوارض بدلاً من معالجة المرض.

هذه الوسائل تكون صحيحة إذا كانت جذور الاقتصاد وبنيته غير عليلة، أما إذا كان الاقتصاد مريضاً أصلاً، فهذه الوسائل تؤدي إلى زيادة الأزمة.

إذاً لا توجد حلول عملية جدية أمام الاقتصاد الأمريكي؟

بكل تأكيد الجواب هو لا، لأن الوسائل التقليدية التي اعتمد عليها الرأسماليون لا تصلح، فالاستثمار ليس بإمكانه إيجاد فرص لتصريف البضائع، وأيضاً خفض الضرائب أخذ مداه، وإذا رجعنا إلى مستوى الضرائب، نجد أنه لم تعد هناك إمكانية لخفض إضافي، وإذا لجؤوا أيضاً إلى خفض الفوائد فستحصل مشكلة جديدة للدولار، فالفريق الاقتصادي مع جورج بوش أصبح مشلول الأيدي إزاء الأزمة.

هل القصد أن الفريق الذي أصبح مكتوف الأيدي يبحث عن حلول سياسية وعسكرية للمشكلة الاقتصادية؟ أو بمعنى آخر أليست السيطرة على منابع النفط حلاً آخر محتملاً؟

لا شك أن إدارة بوش تفكر بهذا الاتجاه، لكن المشكلة هي تلك التي حذر منها /جورج سورس) في /2004/ وهو اقتصادي رأسمالي أمريكي معروف ومضارب، إذ قال: «إن المصيبة التي فعلها بنا جورج بوش أنه أخذنا إلى حرب ليس لها أي مبرر، حيث أنه كان من الممكن تفاديها»، أي أن أمريكا فقدت أسلحتها في الخروج من الأزمة ليس على المستوى الاقتصادي فقط، بل على الصعيدين السياسي والعسكري أيضاً، وتضاءلت قدرة هذه الوسائل على إيجاد مخرج من الأزمة، وبات من المؤكد أنه في حال اللجوء إلى أي خيار من هذه الخيارات ستتفاقم الأزمة أكثر بدلاً من حلها، ولكن هذا لا يعني أنهم لن يغامروا عسكرياً.

أي أن الخيار العسكري سيزيد الطين بلة؟

بالضبط، ولن يشكل مخرجاً للأزمة إطلاقاً.

وما علاقة ارتفاع أسعار النفط بذلك؟

ارتفاع أسعار النفط بفترة من الفترات، كان يرجع لاضطراب الأوضاع السياسية، والبعض فسره بأنه طبيعي كما حصل بعام /1973/، وسينزل أوتوماتيكياً، والواضح حتى هذه اللحظة بأن هذه التوقعات لم تكن مطابقة لآراء الخبراء، لأننا إذا أخذنا الحالة على مستوى التوتر السياسي وبؤره خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نجد أنه لم تنشأ بؤر جديدة تؤثر نوعياً على الحالة، بمعنى أن محيط بحر قزوين هو نفسه، وكذلك الحال في العراق، فمعدل الإنتاج هو نفسه، وكذلك الحال في نيجيريا وفنزويلا، ومع ذلك قفز النفط من /60/ إلى /90/، وبعض الخبراء الأمريكيين يتوقعون وصوله إلى /100/ دولار، والسؤال لماذا هذا الارتفاع؟؟ هناك رؤية جرى التعبير عنها في كتاب صدر عام /2004/ باسم «نهاية عصر النفط» والذي أعدته مجموعة من المختصين في شؤون النفط وعملوا فيه، وبينهم خبراء ألمان وأمريكان استخلصوا أن ذروة الإنتاج هي عملياً حصلت بين أعوام /2000 ـ 2007/ ونحن الآن بعد الذروة دخلنا مرحلة الانحسار، بسبب زيادة الطلب وقلة العرض بشكل سريع. فالصين والهند تعملان على تقوية آلتهما الاقتصادية بالإضافة إلى تركيا ودول جنوب آسيا، وجزء من أفريقيا، بالرغم من أن الأوبك لا تتدخل بالسوق حالياً، لأن روسيا والسعودية تنتجان أكثر من /11/ مليون برميل باليوم، أي أن الإجمالي المنتج يومياً يصل الآن إلى /83/ مليون برميل، ومع هذا مازال الطلب أقوى من العرض. بهذا المعنى يمكننا القول إن أسعار الدولار لن تتراجع إلى الوراء، إلا أنه يجب عدم التوقع بأن أسعار الدولار ستعود إلى ما كانت عليه سابقاً، أو يتوقف النفط عن الصعود.

يبين الكتاب إن الاكتشافات والاحتياطات لم تعد كما كانت، فكل المناطق التي وجدت فيها منابع للنفط جرى مسح لها، وليس هناك أي دلائل باكتشافات ذات حجم كبير، بالمقابل الآبار الغزيرة التي كانت تزود السوق بدأت بالنضوب والتراجع، وارتفاع أسعار النفط ساهم بخلق الأزمة، بسبب استيراد بعض الدول بسعر أغلى وبكلفة أعلى مما أثر على الاقتصاد العالمي.

هنا توجد لدينا ظاهرة، وهي الارتهان للخارج، ومن هنا نتوقع العودة إلى الصراع على الموارد كما كانت الحال في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لأن كل الدراسات التي أجريت حتى الآن على الطاقة البديلة أثبتت أنها مكلفة جداً..

 ولكن الولايات المتحدة كمصدر للدولار الورقي ومنذ فترة لا بأس بها تصدر الدولار من دون حساب أو رصيد، برأيك طبع هذه الكميات الكبيرة ألا تخرجها من أزمة ارتفاع أسعار النفط؟

ليست هناك إمكانية لذلك، لأن هذا لا ينعكس إيجاباً بل الذي سيستفيد منه هم الأوروبيون، لأنه كلما انخفض سعر الدولار وبقي الدولار كتسعيرة للنفط يبقي أوروبا هي الرابحة أي أنها تأخذ بكمية أقل من اليورو كمية أكبر من النفط، وهذا سيكون على حساب الاقتصاد الأمريكي.

 هنا يظهر لدينا مأزق آخر وهو التوازن بين اليورو والدولار والوزن الأمريكي من الإنتاج العالمي، هل هي عملية ذات اتجاه واحد بالأفق المنظور والمتوسط والبعيد المدى، أم بإمكان الأمريكان إيجاد حل لذلك؟

كان بعض الخبراء يتوقعون أن ارتفاع سعر اليورو وانخفاض سعر الدولار سينعكس على الميزان التجاري لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وعلى حساب أوروبا، ولكن على المستوى الواقعي لم يتحقق هذا التوقع، والسبب أن هناك مراكز إنتاج، كيفما انخفض سعر الدولار ومدخلات الإنتاج الأمريكي هي قادرة على إنتاج سلع أرخص من السلع الأمريكية، لذلك فالمشكلة ليست فقط في الاقتصاد الأوربي، لأنهم أصبحوا متخصصين بسلع معينة ونوعية محددة، والجزء الآخر من الشركات الأوربية فتح فروعاً له بمناطق ذات مدخلات رخيصة، أي أصبح هناك تصدير لسلع رخيصة إلى السوق الأمريكية بسعر العملة الصينية والهندية والبرازيلية مثلاً، فصناعة السيارات الفرنسية والألمانية تجري في البرازيل أو تركيا أو في الصين.

فالسلع المصدرة لأمريكا ليست مصنعة أوروبياً، لأنها لو كانت كذلك لقلنا إن ارتفاع سعر اليورو سينعكس سلباً على الميزان التجاري، فالدولار كان يهبط والميزان التجاري يختل بين الولايات المتحدة والخارج، فهذه الظاهرة لم تحقق النتائج المطلوبة. لهذا السبب بدأ بعض الاقتصاديين في الولايات المتحدة يدق ناقوس الخطر لأن هذه الحسابات لم تكن صحيحة، وهي غير دقيقة، وسطحية، ولم تأخذ بالعوامل والمتغيرات التي شهدها الاقتصاد العالمي بعين الاعتبار، وهم الآن يعيدون تفسير قراءة العلاقات الدولية بشكل مختلف عن القرن التاسع عشر والعشرين. إن هناك ثلاثة متغيرات أساسية في هذا الإطار: الأول هو انتقال ثقل التجارة الدولية مرة أخرى من أوربا وأمريكا إلى بلدان الشرق. والثاني هو انتقال الشركات بالدول المتقدمة إلى الدول النامية، وبالتالي لم تعد الشركات العاملة في الصين تعرف بأصولها الأمريكية مثل شركة جنرال موتورز التي أصبح رأسمالها وعمالها كلهم صينيين، والعملة المتداول بها هي عملة صينية وليست أمريكية. والعامل الثالث هو التغير الذي حصل في بنية نظام العولمة. الآن توقفت مثلاً عملية تحرير التجارة منذ مؤتمر الدوحة بسبب تخليها عن منظمة الغات التي كانت ذراعاً للنظام الرأسمالي، لكن عندما غيروا الغات بمنظمة التجارة الدولية والتي هي أشبه بمنظمة الأمم المتحدة على المستوى التجاري، دخلت فيها دول بما فيها الهند والصين وتشكلت مجموعة الـ(77)، وسابقاً التحرير كان انسيابياً، أي أنهم حرروا القطاعات الاقتصادية التي تمتلك فيها الاقتصاد المتقدم الدول الغربية الميزة التنافسية، أما الدولة النامية التي اعتمدت على الزراعة في الميزة التنافسية فمنعوا تحريرها، ولكن الآن صيحات الحماية تأتي من الغرب وليس من الشرق، وانقلب السحر على الساحر، وأصبح بوش وساركوزي الآن هم ضد العولمة، فانقلبت الآية رأسا على عقب!!

 إذا استثنينا روسيا، كيف سيجري الصراع على الاقتصاد العالمي بين الصين والولايات المتحدة على الأساس الاقتصادي من حيث التشابك والصراع؟؟

هناك صراع على أسواق أفريقيا، وصراع على أسواق أمريكا اللاتينية وعلى الطاقة والموارد الطبيعية. هناك صراع، لكن بالمقابل هناك جزء من الشركات الصينية هي أمريكية وهذا ما يخلق وضعاً جديداً، وروسيا الوحيدة وضعها مختلف عن كل هذا، لأن اقتصادها ينمو بخط مواز ومنافس، وإن كان اقتصادها يعتمد على صناعة الأسلحة والنفط والغاز، والمواد الخام حتى الآن.

 إذاً من هم المتضررون الأساسيون، ومن هم المستفيدون الأساسيون مما يجري؟؟

المتضرر الأول الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني أوروبا، لأن ظاهرة انتقال المصانع من الدول المتقدمة إلى الدول المتخلفة للحفاظ على اللياقة التنافسية تترك نتائج سلبية، فمستوى المعيشة بالولايات المتحدة زاد نظرياً برؤية إجمالي ناتجها القومي، لكن مستوى دخل الفرد الأمريكي انخفض مقارنة بالسبعينات، وهذا ينطبق على أوروبا أيضاً، الآن زادت المعدلات الإجمالية المطلقة للناتج الإجمالي، لكن مستوى دخل الفرد انخفض، بمعنى أن الشركات التي تعمل في الخارج تزيد من أرباحها نتيجة الحركة التجارية وفائض القيمة الذي ازداد، لكن الذي يدفع الثمن هو شعوب هذه البلدان، وهذا ما يفسر عودة النقابات من جديد في الولايات المتحدة وأوروبا معاً. ولو أنها تعود تدريجياً..

 إذاً من المستفيد من كل هذه العملية؟

الصين والهند!!

 وأين هي روسيا من كل هذه العملية؟

روسيا مستفيدة ولكن بشكل آخر مختلف، فهي استفادت من ارتفاع أسعار النفط، لأن معدل النمو المرتفع والفائض الذي حققه الروس لم يكن ليتحقق لولا ارتفاع أسعار النفط، أي لا دخل للعملية الإصلاحية البنيوية الداخلية في روسيا بذلك، رغم أنها حققت نتائج إيجابية، ولكن حتى هذه اللحظة، إذا لم تعمل روسيا على تجاوز حدود صناعة الأسلحة والطاقة بالاتجاه نحو التصنيع الشامل كما فعلت الصين، لا تستطيع أن تعتبر أن لديها صناعة متكاملة أو صناعة النمور، وهي أشبه بقدرات السعودية ولا تشبه الصين، والسؤال المطروح هل روسيا مهيأة أم لا؟ الحقيقة أن روسيا مهيئة نتيجة النهضة الصناعية، وأصبح لديها الرأسمال الكافي ولديها الخبرات العلمية الموجودة، ورغم التشوهات التي حصلت في التسعينات نتيجة سياسات الرئيس يلتسين، مازال عندها كل مقومات النهوض الصناعي لتكون أقوى من الصين ذاتها.

 لكن هناك حديث ووجهة نظر بأن الصناعات الصينية تتجه باتجاه الصناعة الخفيفة وليست لديها صناعات ثقيلة وعميقة؟؟

هذا كان في الفترة الأولى أما الآن فهي تنتج الآلات والأسلحة والطائرات والسيارات، أي أن أي نمط من أنماط الإنتاج الموجودة في الغرب موجود في الصين، حتى الهند سنة /2005/ سجل الميزان التجاري بـ/التقنيات المتطورة/ فائض ما يقارب /9/ مليار دولار على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها أصبحت دولة مصدرة لأمريكا.

 الدول أو البلدان التي كانت تسمى بالمتحررة حديثاً في العالم الثالث، بين المتضرر والمستفيد أين هي؟

أصبحت دولا ضائعة لأن التنمية بحاجة إلى إرادة واستقلال، فليس هناك دولة تابعة باستطاعتها خلق تنمية، وبالأصل ليس مسموح لها، وحتى الصين تطورت صناعياً نتيجة فتح الأسواق الأمريكية لها للوقوف ضد الاتحاد السوفييتي آنذاك، وبهذه الفترة نما الاقتصاد الصيني وتمرد الآن على الاقتصاد الأمريكي ذاته.

مع أن الدول الكبرى ليس من مصلحتها نشوء دول وقوى منافسة لها وخاصة في هذه المنطقة على تخوم وحدود أوروبا، نحن، من وجهة نظرهم، علينا أن نبقى سوقاً للمواد الأولية لا أكثر ولا أقل، لأن المنطقة العربية أو منطقة التحرر العربية سابقاً بما فيها أفريقيا مناطق لصناعات منافسة، على الأقل على مستوى سوقها الداخلية وفيما بينها، فأين ستعمل أوروبا وكيف ستحافظ على نفوذها!؟؟

 إذا كانت كل المؤشرات تؤكد بأن لديهم أزمة، فكيف ستكون النهاية؟ هل سيستعيدون أنفاسهم، أم هناك إعادة ترتيب للسوق الدولية ولتوازنات الاقتصاد الدولي، وهناك ملامح لنشوء عالم جديد مختلف عن العالم والخريطة الذي أراده القطب الواحد والذي عملياً اصطدم بحائط مسدود؟؟

إذا جاز التعبير هذا هو السؤال الذي مازال جوابه مشروعاً بسبب إفلاس الرأسمالية، ففي التسعينات نشرت جريدة «وول ستريت جورنال» مقالة تحدثت عن مفارقة أنه في اللحظة التي ينهار فيها الاتحاد السوفييتي تنتصر أفكار كارل ماركس من حيث المبدأ، وفي كتابه مستقبل الرأسمالية يقول تابو في تحليله، وهو من كبار المحللين في الاقتصاد الأمريكي بصفته رأسمالياً وهو ليس اشتراكياً بتاتاً، يقول عن التناقضات الرأسمالية: إن مستقبل الرأسمالية قاتم ولكن لم يستطع تحديد البديل، والمشكلة أن الاشتراكية التي تحدث عنها ماركس لا يوجد من يدافع عنها، لأن المجموعات التي تدافع عنها مجموعات محدودة، وبرأيي يجب ألا نتشاءم كثيراً، لأن من العادة عندما تحصل الانهيارات تخلق البدائل. الشيوعية كفكرة وبرامج لم يقدمها ماركس، بل اقترحها عمال عاديون جداً، رداً على أزمة الرأسمالية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والآن توجد الإرهاصات نفسها التي كانت موجودة آنذاك، لهذا السبب ليس لدي وجهة نظر، ولا أستطيع القول بأن أي تفسير من تفسيرات الماركسية يستوعب القوى الاقتصادية الجديدة ويقدم الحل، ولكن ملامح الانهيار واضحة، وهي نفسها ستحدد معالم البديل حتى إن لم يوجد وصفات نظرية، لأن الوصفات النظرية للشيوعية جاءت لاحقاً للوصفة العملية التي جاءت من القوى الفعلية المنخرطة في الصراع عندما حصلت أزمة في النظام الرأسمالي، وهذه المرة ستكون الأزمة مختلفة عن القرنين الماضيين حسب اعتقادي.

 ولماذا الاختلاف؟

لأنه عندما توقع ماركس العولمة بمعنى التفاوت المختلف في أنحاء مختلفة من العالم كان هناك مسارب تفسح للرأسمالية لتهريب وتصدير أزماتها، هذه المرة بسبب العولمة ستكون الأزمة شاملة لكل الدول لأن القوى التي تصنع حركة الاقتصاد العالمي عند حدوث الانهيار هذه المرة سيكون انهيارها شاملاً والحل يجب أن يكون شاملاً لا قطرياً ولا قومياً ونحن سنكون أمام مرحلة نوعية جديدة.