تحويل الصناعيين السوريين إلى تجار وسماسرة
الاقتصاد السوري بوضعه الراهن وبمشكلاته التي أصبحت واضحة، يحتاج للجميع من أجل النهوض، والنهوض يحتاج إلى برامج تنفيذية عملية تخرجنا من دائرة الجمود والركود والتردد إلى دائرة العمل الفعلي.
الاقتصاد السوري يتعرض لمشكلات أصبحت مستعصية بسبب عدم التصدي لها بواقعية ومصداقية وبسبب ازدواجية الخطاب الاقتصادي الحكومي.
والسؤال: لماذا لا تبدأ الحكومة بإعادة توزيع الدخل قبل البدء برفع الدعم أو توزيعه؟؟
الخطير في الأمر أن تكرار الخطاب الحكومي في هذا الموضوع، أدى فيما أدى إلى فقدان الغاز والمازوت، وإلى اختناقات كبيرة مع الصعوبات المعيشية الكبيرة والتي تتزايد يوماً عن آخر، وترخي بثقلها على أصحاب الدخول المحدودة، حتى وصلت إلى مراحل خطيرة مع التدهور الكبير في مستوى الخدمات العامة وفي مقدمتها الكهرباء والماء والنقل والصحة والسكن والتعليم، وهو الذي يترافق مع تصاعد وتزايد الضغوطات الخارجية على سورية بأشكال مختلفة.
نعتقد أن رفع أسعار حوامل الطاقة سيحول ذوي الدخول المحدودة إلى مستويات أدنى تحت خط الفقر نتيجة الارتفاعات المتلاحقة في أسعار السلع الرئيسية، وسوف يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي. إذ يساهم بشكل كبير في الحد من قدرة الصناعة الوطنية على المنافسة وتحويل الصناعيين السوريين إلى سماسرة وتجار، كما سيؤدي بدوره إلى رفع كلف الإنتاج الزراعي الذي سيؤثر بدوره، وبشكل مباشرة على الفلاح والإنتاج الزراعي بكافة حلقاته.
الشارع السوري يعيش حالة قلق وترقب بانتظار ما تخطط له هذه الحكومة التي لم يعد أحد يثق بقراراتها أو توجهاتها والتي تنذر بكارثة وطنية اقتصادية واجتماعية.
النغمة المستمرة منذ أشهر للفريق الاقتصادي هي ضرورة تأمين موارد جديدة للموازنة..
وهنا نقول: القطاع العام قام بدور اقتصادي ـ سياسي ـ اجتماعي هام خلال أربعة عقود، وحقق إنتاجاً صناعياً هاماً، وأسهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. صحيح هناك فساد وأخطاء، ولكن حل مشاكل القطاع العام ليست مستعصية، ولكن هناك نوايا بعضها ظاهر في العلن وبشكل واضح، وبعضها يعمل بالخفاء لتصفية هذا القطاع، إنما بطرق أخرى لا تشابه ما جرى في مصر أو في بلدان الاشتراكية سابقاً، لإنهاء مرحلة كاملة من تاريخ سورية تحت شعارات الإصلاح والتطوير والتحديث، ومن ثم ضرب القطاع الخاص الوطني المنتج، وهو عملياً يتعرض الآن إلى محاصرة وإلى تضييق، وإلى أزمات أدت إلى إغلاق عشرات المؤسسات الإنتاجية، لتحويل سورية في المحصلة إلى بلد خدمات.
لماذا بقي مشروع إصلاح القطاع العام في الأدراج لأكثر من عامين؟
لقد حدد المشروع شركات خاسرة وشركات رابحة وشركات حدية، ويبدو أن القانون لن يظهر إلا بعد أن تصل الشركات كافة إلى شركات خاسرة، وبموجب مشروع القانون سوف تطرح للبيع وللتصفية وينتهي شيء اسمه القطاع العام، وتحت يافطة التطوير والتحديث تقدم أهم المرافق الاستراتيجية إلى شركات أجنبية كمرفأي طرطوس واللاذقية، والأخطر أن مرفأ اللاذقية أحضر مؤخراً آليات وأجهزة لتطوير عمله بمبلغ مليارين ونصف، هل نقدمها للمستثمر؟
ما المشكلة؟ هل فقدت سورية الإدارات الوطنية؟
الفساد يتفاقم ويستشري في المواقع كافة في غياب المحاسبة والمساءلة، ولم يعد يتمثل في الرشوة أو الغش أو سمسرات الشركات في العقود والمناقصات، ، بل هناك نهب للمواطن في كل مكان، في الاستيلاء على أراضي الدولة، في اقتحام المحميات التي صرفت عليها الدولة المليارات وتم تجييرها لحفنة من أصحاب النفوذ، في قانون ضابطة البناء الذي أفسد من لم يكن فاسداً، في الأعلاف التي تهيمن عليها مافيا تبيعها في السوق السوداء، في الجمارك، في الوكالات الحصرية للسيارات..إلخ.
كل ما تعيشه وتمر به سورية بحاجة لوقفة صريحة وشجاعة لردع السياسة الليبرالية التي يقودها وينفذها البعض، وهي تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي، وهي انعكاس لما تريده الولايات المتحدة من سورية.
ومن خلال تجارب الشعوب يتأكد أن منهج الليبرالية الاقتصادية لا يتفق مع المصالح الوطنية، والإصلاح، بل يجب تدعيم دولة التعاون والدستور وتفعيل دور مجلس الشعب والنقابات والمنظمات والأحزاب في مواجهة مافيا الفساد..