رداً على ادعاءات الدردري العائد من الهند الوجه الآخر «للمعجزتين» الصينية والهندية

لم يتوان نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عن تجاهل منظر عشرات الفقراء الهنود أفراداً وعائلات الذين كان بمقدوره، من شرفة جناحه أو غرفته الوثيرة، رؤيتهم يفترشون أرض الشارع المقابل للفندق الفخم الذي خصصته الحكومة الهندية لاستضافته مع الوفد المرافق خلال زيارته الأخيرة للهند، وقال خلال تأبين الراحل عصام الزعيم إن الهند استطاعت رفع الفقر عن 300 مليون نسمة من فقرائها من خلال النمط الاقتصادي الذي تتبناه، متجاهلاً كذلك المنظر الروتيني للملايين الأخرى من فقراء الهند داخل كبرى المدن الهندية بما فيها نيودلهي ومومباي الذين تراهم يستحمون بما يتاح لهم من مياه في الشوارع ذاتها التي يقضون حاجتهم على قارعاتها. فإما أن «رأس» الفريق الاقتصادي السوري لم ير ذلك بحكم تعوده عدم رؤية مواطننا السوري من خلف الزجاج الداكن لسيارته المرسيدس أو أنه تعمد تجاهل ما يراه أي زائر أو سائح في الهند فـ«عَرِفَ وحَرَفَ» عامداً متعمداً.

المادة التالية بقلم إيريك توسان،  رئيس لجنة إلغاء ديون العالم الثالث، تفند بطريقتها وأرقامها النماذج التي يجري ترويجها في العالم تحت مسميات مختلفة لتخفي خلفها الطابع الرأسمالي الصرف مع انعكاساته الاجتماعية بالنسبة للشرائح الأوسع والأفقر في المجتمع، مع الإشارة إلى ضرورة الأخذ بالحسبان أن إدارة دول ضخمة السكان مترامية الأطراف كالصين والهند والحفاظ على وحدتها الجغرافية وتنوعها الحضاري والسكاني هو مهمة أصعب بكثير من نظيرتها في بلدان أصغر حجماً وسكاناً كدولة مثل سورية من أجل الركون إلى قبول الترويج لاستنساخ تجارب الآخرين كما هي، وفيما يلي نقدم رؤية توسان

الصين، بلد رأسمالي رائج اليوم

يجري تقديم الصين في ضوء نجاحها الاقتصادي من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات. ومن الواضح أنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي هائل. لكن الصين اختارت في الحقيقة نموذج تنمية رأسمالياً يتضمن استغلالاً متزايداً للعمال الصينيين، وتسريحات بالجملة، وخصخصة العديد من الشركات العامة، وتخفيضاً جذرياً في نفقات الدولة في مجال التعليم والصحة والأمن الاجتماعي، مع نزعة إنتاجيةً جامحة لا تحترم الطبيعة ولا الصحة العامة على الإطلاق. انخفضت حصة الأجور في الناتج المحلي الإجمالي بشدة في السنوات العشر الماضية، من 53 بالمائة في العام 1998 إلى 41 بالمائة في العام 2005 [1]. صحيحٌ أنّ الصين دائنة صافية للولايات المتحدة، لكنها راكمت ديناً داخلياً هائلاً. والأهم أنّ تزايد التفاوتات الاجتماعية قد بلغ إيقاعاً مرعباً. تشير دراسات مختلفة إلى أنّ شروط حياة الـ10 بالمائة من السكان الأكثر فقراً قد تدهورت بشدة في حين انفجرت مداخيل وثروات الـ10 بالمائة الأكثر ثراءً. ارتفع عدد أصحاب المليارات بالدولار من الصينيين من ثلاثة في العام 2004 إلى 106 في العام 2007 [2]. وعلى صعيد الصحة الاقتصادية، ربما لا تعاني الصين بقسوة من صدمة التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة لأنّ صادراتها إلى أوروبا تفوق صادراتها إلى أمريكا الشمالية. لكنّ التناقضات الاقتصادية الداخلية في الصين، بالترافق مع صدمة خارجية مثل التباطؤ الشديد في الولايات المتحدة ربما تؤدي إلى مشكلات كبرى. هنالك عدة عوامل يمكن أن تؤدي آجلاً أو عاجلاً إلى أزمة اقتصادية، هي تزايد الدين الداخلي على مستوى السلطات العامة والشركات، وتراكم الديون المريبة في حصيلة المصارف، وتشكل فقاعة مضاربة في العقارات وفقاعة بورصة. ناهيك عن القوى الاجتماعية المتناقضة. وإذا ما تجاوزنا إمكانية حدوث أزمة، فإنّ النموذج المطبق عرضةٌ تماماً للانتقاد [3].

أسطورة المعجزة الاقتصادية في الهند

الهند بلدٌ آخر يجري تقديمه بوصفه نموذجاً ناجحاً، إذ يتجاوز النمو الاقتصادي 9 بالمائة، وتشهد بورصة مومباي تقدماً مذهلاً، وتستثمر شركات هندية في البلدان الأكثر تصنيعاً وفي البلدان النامية على حدٍّ سواء. عدا بعض الاستثناءات، لا تقدم وسائل الإعلام صورةً عن تطور شروط حياة معظم الهنود. لكنّ صحيفة هندوستان تايمز اليومية الهندية، في عددها الصادر يوم 14 تشرين الأول 2007، تكشف أنّه وفق دراسةٍ أجرتها مؤسسة حكومية، يعيش 77 بالمائة من السكان، أي 836 مليون هندي، بأقل من 20 روبية في اليوم (أي أقل من نصف دولار). يختلف هذا الرقم كثيراً عن تأكيدات البنك الدولي التي تقول إنّ 300 مليون هندي يعيشون بأقل من دولار يومياً [4]. في الهند عدد مرتفع جداً من الفقراء العاملين. وقد كشفت المفوضية الهندية الوطنية لشركات القطاع غير الرسمي أنّ 320 مليون عامل يعيشون بأقل من 20 روبية في اليوم [5]. في المقال نفسه، تقدم الصحيفة نتائج دراسة حول الجوع في العالم، أجراها المعهد الدولي لأبحاث سياسة الغذاء (IFPRI)، تفيد أنّه على المستوى العالمي، يعيش في الهند 40 بالمائة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات ويعانون من نقص الوزن. تأتي الهند خلف بلدان آسيوية أخرى مثل باكستان والصين في مجال مكافحة الجوع. وفق تصنيفٍ ضمّ 118 بلداً، تأتي كوبا وليبيا في المراتب الأولى في حين تحتل الصين المرتبة السابعة والأربعين، وباكستان المرتبة الثامنة والثمانين، والهند المرتبة الرابعة والتسعين. يشير التقرير إلى أنّ الوضع قد تدهور بشدة على مستوى الفلاحين الهنود. وفق مصادر أخرى، انتحر أكثر من 100 ألف فلاح صغير بين العامين 1996 و2003، معظمهم بسبب إثقالهم بالديون. هذا يعني انتحاراً كل 45 دقيقة. أما الصحيفة اليومية الهندية DNA، فقد نشرت في 17 أيلول 2007 دراسةً حكومية، تضمنت أنّ 46 بالمائة من الأطفال الهنود يعانون نقص الوزن. في مومباي، المدينة التي يعيش فيها أكثر من 14 مليون نسمة وبلغت البورصة فيها قمماً في العام 2007، يعاني 40 بالمائة من الأطفال من نقص الوزن.

وفق صحيفة DNA، لم يتراجع الجوع إلا بنسبة 1 بالمائة في الهند على الرغم من تسع سنوات من النمو الاقتصادي المستمر. إنه مثالٌ ممتاز على الانحدار، أي على تأثير الجريان المزعوم الذي يتضمن انعكاسات إيجابية تلقائية على الفقراء لإثراء الأغنياء.... 

الحواشي

[1] نيوزويك، 12 تشرين الثاني 2007

[2] نفس المصدر

[3] من أجل عرضٍ نقدي للنموذج الصيني، انظر مارتان هارت لاندسبرغ وبول بوركيت، الصين بين الاشتراكية الواقعية والرأسمالية، إديتوريال سيم، كاراكاس، 2007.

[4] ينبغي القول إنه للتوصل إلى هذا الرقم، يحتسب البنك الدولي مكافئ القدرة الشرائية، ما يسمح له بتجميل الوضع.

■ ترجمة قاسيون

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 18:05