اندفاع إلى حيث النهاية
فجأة أصبح فؤاد السنيورة «رجل دولة من طراز نادر».. هذا ما ورد نصاً في مقال طويل بمساحة تقترب من نصف صفحة بجريدة الأهرام عدد 2 شباط الجاري لأحد كبار الصحفيين المصريين، تحت عنوان «لماذا تدعم القاهرة والرياض حكومة السنيورة؟».
الغريب في هذا المقال ليس ما ورد به من أسباب وأسانيد موقف القاهرة والرياض- قطبي معسكر الاعتدال العربي- من الأزمة اللبنانية والتي تنحصر كلها حسب الكاتب في رفض سورية الضغط على حلفائها اللبنانيين. إذا أن مواقفهما معروفة وواضحة منذ أول لحظة للعدوان الصهيوني على لبنان في يوليو 2006 والذي انتهى بهزيمة فاجعة لحقت بالعدو واعترف بها علناً.
لكن الغريب هو ما أورده المقال من أن السنيورة قد أفضى إلى الكاتب في جلسة مطولة بما هو مناقض تماماً لمواقفه المعلنة والعملية والتي نراها على شاشات التلفزة وفي كل وسائل الإعلام اللبنانية وغير اللبنانية، بدايةً من هجومه وفريقه على المقاومة وحزب الله وكل القوى الوطنية اللبنانية إلى القبلات على وجه رايس حتى وهي تحرض العدو الصهيوني على الاستمرار في العدوان، إلى الإبلاغ عن تحركات المقاومة وقادتها في عمليات تجسس صريحة وخيانة عظمى إلى كيل الاتهامات لسورية قبل وأثناء وبعد الحرب وحتى الآن، كما أنه وكل فريقه من الغلمان والمدمنين والمجرمين والجواسيس والعملاء العلنيين للعدو الصهيوني يزايدون يومياً وعلانيةً بأنهم جزء من المشروع الأمريكي ويأتمرون دون حياء بأوامر موظفي السفارة الأمريكية ويطالبون بإلحاح بتشديد تدخل الأعداء في كل صغيرة وكبيرة في الشأن اللبناني في حين أنهم وبـ«بجاحة» شديدة يتهمون سورية بالتدخل في لبنان وتعيق جهود الخروج من أزمته. رغم كل هذا يقول الكاتب أن السنيورة أبلغه أنه حريص على العلاقات الطيبة مع سورية وحريص على تسوية كل الأمور معها(!) ولم يتطرق المقال الطويل إلى أية مسؤولية للعدو الصهيوأمريكي عما يحدث في لبنان والمنطقة، وكأن هذا العدو وعملاءه المحليين هم نبع الشرف والوطنية الحريصين على سلامة أوطاننا وشعوبنا وعلى ازدهارها وتقدمها وعزتها.. وهكذا استهدف المقال تقديم السنيورة بصورة مناقضة تماماً لحقيقته وحقيقة مواقفه المعادية لشعبه ووطنه.
إن هذا المقال هو مجرد نموذج لما تلقيه جوقة من الإعلاميين والسياسيين من أوحال في كل لحظة، تصاعدت إلى حد كبير وتيرة نشاطها وارتفعت أصواتها بصورة هستيرية، حيث يصيبها موقف الشعب المصري ضد العدو وعملائه في كل مكان، وكذا الضعف والهزائم التي تحيق به كل يوم، وصلابة واتساع المقاومة بكل صورها، يصيبها ذلك بالهلع والسعار الشديد وفقدان التوازن. وتعتقد هذه الجوقة أن بإمكانها تضليل الجماهير وتزييف وعيها.
بالتزامن مع حالة الهياج الهستيري بشأن لبنان، تمتد هذه الحالة المزرية إلى فلسطين بشأن موضوع المعابر، حيث تنشط هذه الجوقة بدرجة هائلة في محاولة لطمس جريمة الحصار والوحشية الصهيونية ضد أشقائنا من جهة، وطمس موضوع فتح المعابر (أيا كان الأسلوب، أو الأخطاء التي يتم تضخيمها) من ناحية أخرى. وتركيز هذه القوى الهائجة على السيادة الوطنية والأمن القومي المصري (وهي قوى غير مهتمة وغير حريصة إطلاقاً على السيادة الوطنية والأمن القومي).
ولا تتفوه هذه القوى بكلمة عن مواقف محمود عباس الرافضة لأية تسوية داخلية تتجاوز المطالب الصهيونية خاصةً نزع سلاح المقاومة والاستسلام الكامل للعدو في كل مفردات القضية؛ بل لم ينتقد هؤلاء الهائجون تصريحات عباس التي أدلى بها في مؤتمر صحفي عقب لقائه مع رئيس الجمهورية حيث لم يتراجع عن أي من مواقفه المعروفة. ولا تعبأ هذه القوى بما يمكن أن تسفر عنه التطورات الجارية من نتائج؛ بل تعمل على إشعال النار في كل شيء.
يتجاهل هؤلاء الصارخون النائحون ما هو حادث على الأرض بالفعل ويلتزمون بشكل مفضوح بما يمليه الأعداء. فالأغلبية اللبنانية في البرلمان المطعون بها قانونياً يتم تثبيتها والاعتراف بها ومساندتها كأمر واقع ويتم رفض مطلب انتخابات مبكرة تسفر عن تمثيل شعب حقيقي، في حين أن الأغلبية الفلسطينية، التي أتت بانتخابات شفافة لم يتم الطعن فيها بأي وجه، لا يعتد بها، ويتم دعم المدعو عباس وزمرته لإجراء انتخابات مبكرة. ويتجلى التواطؤ بشكل واضح مع الشرعية المطعون بها وضد الشرعية السليمة من كل عوار.
رئيس جمهورية لبنان العماد إميل لحود (بكل تراثه الوطني والعروبي المشرف) يتم سلب سلطاته طوال ثلاث سنوات بمباركة عربية، لكن شرعية عباس مصونة لا تمس رغم ماضيه وحاضره المشينين.
إلام يشير هذا الأمر؟
إنه يشير إلى أن الخيار الوحيد أمام هذه القوى المزيفة والمضللة هو تعميق خط التبعية الذي صاغه العدو الصهيوأمريكي، وبالتالي فقد تم استبدال العدو بعدو آخر شقيق أو صديق، أي تم استبدال العدو الحقيقي بكل من سورية وإيران وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين وفي كل مكان، وبما يؤكد الانعزال الكامل عن الشعب ومواقفه المعلنة، وبالتالي إلى التضاد معه سواء بالنسبة إلى السياسات القومية والخارجية أو الوطنية المحلية في مختلف المجالات، وهي كلها منظومة واحدة.
ويشير إلى الوصول إلى حد الإفلاس الكامل والضعف الذي لا يمكن أن يخفيه علو الصوت وتهافت وتفاهة وانحطاط الخطاب السياسي والإعلامي مهما غلفه الزيف.
لكن الأهم من كل ذلك هو أن هذه القوى تدرك أن وجودها ومصيرها معلق وبشكل مطلق بأمل انتصار واستمرار هيمنة العدو الصهيوأمريكي على المنطقة العربية وعلى بلدانها كلها.
إنه العمى المطلق بصرا وبصيرة الذي يحول دون اكتشاف الهوة السحيقة التي يندفع إليها هؤلاء اندفاع اليائس والخائف إلى حد الهلع إلى حيث تكون النهاية.