د. منير الحمش د. منير الحمش

الواقعية (المتهافتة) في سياسة الفريق الاقتصادي.. ج(2)

إن الدعوة إلى الاندماج بالاقتصاد العالمي، والالتحاق بالعولمة، دعوة باطلة لأنها، بالمحصلة، تقوم على تغليب مصالح الخارج على المصالح الوطنية. إن هذه النظرة هي الواقعية السليمة، وكل ما عدا ذلك، واقعية متهافتة ورديئة. وعلى هذا، فالرهان على الاندماج بالاقتصاد العالمي وتحرير التجارة الخارجية على أن ذلك يجلب لنا الخير ويحقق لنا النمو والتنمية، هو رهان فاشل.

ثانياً:السياسة المالية ومسألة الدعم:

تندرج السياسة المالية للفريق الاقتصادي، بما في ذلك موضوع إزالة الدعم، تحت عناوين الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وهي جزء أساسي من برنامج (توافق واشنطن)، ولا يخلو أي تقرير للبنك الدولي أو للصندوق الدولي من دعوة الحكومة السورية إلى انتهاج هذه السياسة، وكل ما يعلنه الفريق الاقتصادي من نفي لخلفية توجهاته في سياسته المالية هو مخالف للحقيقة. وكلما صدر تصريح من أحد أفراد الفريق الاقتصادي بأن سياستهم لا تأخذ (بالوصفات الجاهزة) يعني في حقيقة الأمر الاعتراف بأن سياستهم تطبيق حرفي لتوجهات تلك الوصفات الجاهزة التي طالما جلبت الخراب والكوارث للبلدان التي (اضطرتها ظروفها) إلى انتهاجها، في حين أن سورية ليست مضطرة إلى الرضوخ لهذه الوصفات.

وكما تراهن السياسة الاقتصادية على الخارج (بدعوتها الاندماج بالاقتصاد العالمي وتحرير التجارة)، تراهن في الداخل على فئة معينة من المواطنين، فتمنحهم الإعفاءات والمزايا، وتخفض الضرائب عنهم، في حين تبقيها مرتفعة على المواطنين متوسطي الدخل ومحدودي الدخل والفقراء.

إن السياسة المالية الضريبية إذ تتجه إلى محاباة الفئات الغنية، على أمل أن تزيد من الحصيلة الضريبية وبالتالي تزيد من الإيرادات عن طريق الإقلال من التهرب الضريبي، إن هذه السياسة سوف تؤدي إلى تخفيض الإيرادات، ولن تلغي التهرب الضريبي.

إن الهدف غير المعلن لهذه السياسة، هو بند رئيسي من بنود برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أقره (توافق واشنطن)،ويقوم هذا البند على تشجيع تراكم رأس المال، فعن هذا الطريق تخلق الأجواء المناسبة للنظام الرأسمالي حيث يزداد غنى الأغنياء ويزداد فقر الفقراء.

وتقرير صندوق النقد الدولي المقدم إلى الحكومة السورية مؤخراً، يُشيد باستجابة الحكومة إلى نصائح ومشورة الصندوق في السياسة المالية، ويقول إن هناك بندين أساسيين يجب تنفيذهما، وهما:

آ- إزالة الدعم، تحت عنوان إعادة هيكلته، وقد بدأ بزيادة أسعار البنزين.

ب- ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يُعلن عن تطبيقها في العام القادم.

وإلى جانب السياسة الضريبية المحابية للأغنياء، هناك في الجانب الآخر تقليص النفقات الجارية والاستثمارية، (وبالأخص الاستثمارية) من خلال مقولة انسحاب الحكومة من الشأن الاقتصادي والاجتماعي، توصلاً لأحد أهم بنود (توافق واشنطن)، ألا وهو (حكومة الحد الأدنى)، وهذا يمثل جوهر اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية الجديدة.

ولكن لماذا الربط بين (اقتصاد السوق) و(حكومة الحد الأدنى)؟

الجواب هو أن افتراضات العولمة والليبرالية الاقتصادية الجديدة، تقوم على ذلك الافتراض المزدوج أي (اقتصاد السوق) و(حكومة الحد الأدنى)، فيعتمد على السوق في تخصيص الموارد، وفي تحديد مسارات النمو، وفي حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتجري من جهة ثانية عملية (تصغير) حجم الحكومة، وذلك بقصر أدوارها على الحد الأدنى من المسؤوليات والواجبات، التي تنحصر في كفالة الحماية لحقوق الملكية الخاصة وتهيئة ظروف أو مناخ مؤاتٍ لتراكم رأس المال الخاص المحلي والأجنبي.

ويرتبط بهذا التوجه الأخير إطلاق الحرية الكاملة للقطاع الخاص وخصخصة القطاع العام والتحرير المالي وتحرير الأسعار وإلغاء الدعم أو تقليصه إلى أدنى الحدود.

هكذا فإن على السياسة المالية، أن تخدم هذه التوجهات، وأن تساعد رأس المال الخاص على التراكم، مما يتطلب العمل على تخفيض التزامات الفئات الغنية من الضرائب والرسوم، وتخفيض الإنفاق العام (الجاري والاستثماري) إلى الحدود الدنيا.

وإذا نظرنا إلى السياسة المالية كما أُعلن عنها، وكما هي مطبقة فعلاً، نجدها تلتزم بهذه التوجهات وتقدم السياسة المالية (إعلامياً) كمكاسب للقطاع الخاص، وللفئات الميسورة، وللمستثمرين الأجانب، كوسيلة إغراء، لكي يقوموا باتخاذ قرارهم بالتوجه للاستثمار في سورية.

ويبرر الفريق الاقتصادي تخفيض الضرائب والرسوم، على أنه وسيلة لتوسيع قاعدة التحصيل الضريبي ومنع التهرب من دفع الضريبة. لكن الواقع الفعلي ينفي هذه النتيجة، ومن واقع بيانات الحكومة.

إن مجموع الضرائب والرسوم الفعلية (حسب قطع حسابات عام 2006) كان 222.697 مليار ل.س. لكن بعد سريان التخفيضات بموجب القوانين الأخيرة، نجد أن مشروع موازنة عام 2008 تضمن تقديرات الضرائب والرسوم بما مجموعه:

عام 2007: 202.627 مليار ل.س.

عام 2008: 219.268 مليار ل.س.

فإذا كان تبرير تخفيض معدلات الضرائب والرسوم من أجل زيادة الحصيلة الضريبية، فلماذا تخفض الحكومة إذن تقديراتها لعامي 2007 و2008؟

من الواضح أن مشروع موازنة عام 2008، يظهر حقيقة السياسة المالية للحكومة، ما تريد إعلانه، وما لا تريد الإفصاح عنه، تحقيقاً لهدف تضعه كأولويات لإحكام واستكمال سياستها المالية.

فالمطلوب هو:

تخفيض حجم الحكومة، في إطار سياسة الإصلاح المرسومة وفقاً لتوجهات الليبرالية الاقتصادية الجديدة. ويبرز ذلك في:

- تخفيض نسبة مجموع الموارد المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق من 27.56% عام 2007 إلى 20.85 عام 2008.

- تخفيض اعتمادات الاستثمار العام من 258 مليار ل.س عام 2007 إلى 230 مليار ل.س عام 2008.

- يظهر مشروع الموازنة لعام 2008 عجزاً مقداره 192.2 مليار ل.س بنسبة 9.12% من الناتج المحلي الاسمي المقدر حسب تقرير صندوق النقد الدولي بـ 2106.6 مليار ل.س لكن الإدارة الاقتصادية تضيف إلى العجز ما دعته (الخسائر التجارية) البالغة حوالي 289.8 مليار دولار ليصبح إجمالي العجوز حوالي (482 مليار ل.س). وهي تطالب، من أجل تخفيض هذه العجوز، بزيادة أسعار المشتقات النفطية، وتنذر باستخدام الاحتياطي، أو اللجوء إلى القروض، وهنا نجد أن الفريق الاقتصادي يلجأ دائماً للحلول الأسهل ولا يريد التراجع عن أخطائه.

المسألة المطروحة، بالغة الأهمية، لأنها تختصر الخلفية الاقتصادية التي تفكر بها الإدارة الاقتصادية، وتعكس السياسة الاقتصادية الحقيقية لهذه السياسة.

إن دعم أسعار المواد والسلع الاستراتيجية أو التي تتعلق بغذاء الشعب أو كسائه، مسألة تتعلق بتوجهات النظام السياسي والاقتصادي، والدعم المقدم من الدولة إلى المجتمع أو إلى الصناعة أو الزراعة، هو سياسة ثابتة لجميع دول العالم بغض النظر عن توجهات السياسة الاقتصادية، ولكن تختلف الأنظمة في تناولها لهذه المسألة وفقاً لظروفها.

إلا أن المهيمنين على النظام الاقتصادي العالمي، يفرضون برامج اقتصادية على الدول النامية بقصد إبقاء هذه الدول في إطار النظام الاقتصادي العالمي، مع المحافظة على التقسيم الجائر للعمل لصالح الدول الغنية. ومن مقتضيات هذه السياسة، إبقاء الدول النامية في حالة من التخلف، وإضعاف حكوماتها في علاقتها بالخارج والحيلولة دون تحقيق تنمية حقيقية.

وهذا يعني، توسيع دائرة الفقر والحرمان، وتخفيض حجم الحكومة وتحويلها إلى طرف هش، تَسهُل قيادته وتوجيهه لما فيه مصلحة الخارج، على حساب المصالح الوطنية.

وفي معرض تطبيق هذه السياسة في سورية، نجد أن حجم الحكومة، عندما كانت حكومة تنموية قوية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وصل إلى حوالي 50%، (وهي نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي)، وقد تناقصت هذه النسبة مع (انسحاب) الدولة من الشأن الاقتصادي إلى 27% (عام 2007).

ومع تخفيض الضرائب على أصحاب الفعاليات والطبقات الغنية (فضلاً عن التهرب الضريبي)، ومع اتساع رقعة الاقتصاد غير المنظم، تنخفض الإيرادات العامة، ويزداد العجز في الموازنة، وتظهر الحاجة إلى تخفيض الإنفاق العام (خاصة الاستثماري وفقاً لسياسة انسحاب الحكومة من الشأن الاقتصادي)، وتتعالى أصوات الفريق لاقتصادي منذرةً بالويل والثبور وعظائم الأمور، ما لم ترفع أسعار المشتقات النفطية.

وهي بالوقت ذاته تطالب المستثمرين الأجانب بالتوجه للاستثمار في سورية.

هنا تكمن إحدى مفارقات النظام الاقتصادي الذي يحاول الفريق الاقتصادي (فرضه). فمن جهة تتراجع خدمات الدولة، وتكاد تتوقف أعمال البناء في البنية التحتية، وترتفع الأسعار وتتصاعد معدلات التضخم وتنتشر البطالة، ويعم الفقر (وتتراجع القوة الشرائية في الأسواق) وينتشر الفساد، ومن جهة أخرى تطالب المستثمرين بالقدوم للاستثمار.

فأية سياسة هذه، ومَّنْ يحاسب ويناقش؟

يقولون دائماً، إنكم تعارضون، أين الحلول؟ ونقول ببساطة الحلول موجودة. فقط عليكم التصدي للفساد، ومنع الهدر، وتخفيض الإنفاق غير الضروري، مع إعادة النظر في السياسة الضريبية، عندها سوف ينخفض العجز، ويتحقق الفائض الضروري للتنمية. لكن هل يريد الفريق الاقتصادي التنمية؟ 

ثالثاً: إصلاح القطاع العام:

1 - القطاع العام في سورية ليس حديثاً، بل له تاريخ طويل ارتبط بتاريخ الاستقلال السياسي (إذ تم تأميم بعض المنشآت الأجنبية في المراحل الأولى للاستقلال) كما ارتبط بالاستقلال الاقتصادي (المتمثل في بداية الستينات بالتأميم، ثم بإقامة منشآت جديدة تابعة للقطاع العام).

2 - خضع القطاع العام، بجميع فروعه، المؤمم والمحدث، التجاري والصناعي والخدمي، لآليات الإدارات الحكومية. وطبقت عليه أنظمة المؤسسات التي يغلب عليها الطابع البيروقراطي، ودخل في الروتين الحكومي، فضلاً عن التدخلات من جهات متعددة في إدارته.

3 - كانت هناك تجارب مشرقة في مؤسسات القطاع العام، ولكن كان هناك أيضاً تجارب فاشلة، ولا ننسى أن العديد من معامل القطاع العام الصناعي التي أقيمت في السبعينات، خضعت لأساليب غير سليمة سواء في أسلوب إقامتها، أم في مواصفاتها الفنية، فكان العديد منها لا يرقى إلى المواصفات والشروط الفنية لا من حيث جودة المنتج ولا من حيث الطاقات الإنتاجية، هذا فضلاً عن التأخر في إنجازها.

لكن هذا شيء، والمحافظة على القطاع العام وتطويره وإصلاحه شيء آخر.

فالقطاع العام، قام بدور وطني – سياسي – اقتصادي – اجتماعي، هام في أوقات عصيبة مرَّت بها سورية.

واليوم وبعد أن (سلبت) مهمات عديدة من القطاع العام، لم يبق سوى القطاع العام الصناعي (التحويلي والاستخراجي) ومنشآت المياه والكهرباء وبعض المؤسسات الخدمية في مجال الصحة والتعليم.

ومن خلال طروحات وبرامج الإصلاح الاقتصادي وفق الوصفة الليبرالية الاقتصادية الجديدة، فإن النوايا تتجه إلى خصخصة ما تبقى من منشآت القطاع العام.

وجرى، ويجري، التمهيد لهذه العملية، بالإعلان من حين لآخر، وخاصة في المؤتمرات التي يقيمها الفريق الاقتصادي، عن خسائر القطاع العام، وفشله، وأصبحنا نسمع، وبأصوات عالية، من يروج لإلقاء التهم على أن القطاع العام هو سبب الخراب الاقتصادي، ومن ينادي (بروح ثأرية) بإعادة المنشآت المؤممة إلى (أصحابها)، ومن يقول بأنه حرام أن يصرف قرش واحد على إصلاح منشآت القطاع العام، ودعوها (تموت) لوحدها.

لذلك، فإننا لا نستغرب قول رئيس الفريق الاقتصادي، إن «القطاع العام يشكل حاجزاً للتطور» وهذه (التهمة) جديدة على القطاع العام، فقد اعتدنا سماع أن القطاع العام فاشل، أما أن يقال إنه «حاجز للتطور» فهذا أمرٌ جديد جدير بأن يتخذ ذريعة لقرار خصخصته.

ولا شك أن الحاجة ملحة لإصلاح القطاع العام، وقد كانت هناك محاولات منذ منتصف الثمانينات لإصلاحه، ولكن قوى عاتية كانت تقف دائماً دون ذلك، وتجد دائماً مبرراً للاندفاع نحو القطاع الخاص، فقد امتنعت الحكومات السابقة عن إصلاح المصارف العامة لتهيئ الأجواء لإقامة المصارف الخاصة، وأوصلت قوى السوق حالة السوق إلى أزمة فقدان للمواد الأساسية والاستراتيجية لتتلقف الإدارة الحكومية هذا الوضع فتنهي حصر استيراد هذه المواد وتوزيعها بالقطاع العام وتعطيه للقطاع الخاص، فتفرغ بذلك مؤسسات التجارة الخارجية الحكومية من مهماتها الأساسية.

وكان دائماً هناك ذرائع تكيل الاتهامات للقطاع العام، من أجل تسهيل إعادة بعض أفراد من القطاع الخاص إلى الواجهة، وليتولوا قيادته الاقتصاد الوطني، فقد كان أشد ما يزعج البعض في الداخل والخارج شعار «قيادة القطاع العام للاقتصاد الوطني».

والحال، فقد وقفت القوى المعادية (لوجود) القطاع العام في وجه إصلاحه، وامتنعت الإدارات الحكومية المتلاحقة عن إصلاحه، إما بسبب الجهل أو الخوف، أو الاستسلام لقوى السوق أو محاباة للمؤسسات الدولية.

والآن، هناك إصرار من القيادة السياسية على إصلاح القطاع العام، ولا بد لجميع المخلصين والموالين لاقتصاد وطني مستقل وقوى أن يتكاتفوا ويلتقوا من أجل النهوض بهذه المهمة الوطنية الخطيرة.

وهناك أكثر من مشروع لإصلاح القطاع العام، لكن الخطوط الأساسية لأي إصلاح لا بد أن يولي النقاط التالية الأهمية المطلوبة:

1 ـ القناعة التامة بأن إصلاح القطاع العام ضرورة وطنية، وأن هذه المهمة ليست مستحيلة.

2 ـ المسألة ليست تقنية بحتة، إنما هي قضية سياسية – اجتماعية – اقتصادية، لها أبعاد فنية وتقنية وتكنولوجية.

3 ـ الانطلاق في الإصلاح من بعدين:

الأول: إعطاء الإدارات صلاحية تامة، ومعاملة مؤسسات القطاع العام كوحدات اقتصادية مستقلة تدار على طريقة المحاسبة الاقتصادية.

والثاني: هو التجديد التكنولوجي لتجهيزات ومنشآت القطاع العام، وذلك عن طريق:

آ- إدخال بعض التحسينات (غير الجذرية) في التكنولوجيات المستخدمة بما يرفع من كفاءتها.

ب- إنشاء أقسام للبحث والتطوير في الشركات الكبيرة لزيادة القدرة التنافسية.

جـ- الشراء المباشر لتكنولوجيات جديدة واستيعابها في بعض المنشآت القائمة.

4 ـ إخضاع كل من منشآت القطاع العام والخاص للأساليب نفسها، وإعطاؤها التسهيلات ذاتها وإخضاعها للقيود نفسها ومنحها القدر ذاته من الحرية في الإدارة.

5 ـ المحاسبة والمساءلة – المكافأة والمجازاة..

6 ـ منح العمال نسبة من الأرباح، وتحويلهم إلى شركاء في الإدارة والإنتاج. 

رابعاً:الاستثمار الأجنبي:

يعول الفريق الاقتصادي كثيراً على الاستثمار الأجنبي، وهو يراهن على أنه قادر على جذبه للاستثمار في سورية، وقد خصص له حيزاً مهماً في الخطة الخمسية العاشرة، وعقد من أجل ذلك العديد من المؤتمرات والندوات في الداخل والخارج.

وبعد أن فشل الفريق الاقتصادي في إقناع السوريين في الخارج بالعودة إلى أرض الوطن والاستثمار فيها، اتجه إلى المستثمرين العرب في السنتين الأخيرتين، لكن استثماراتهم (المحدودة) اتجهت للاستثمار العقاري – السياحي، فخلقوا بذلك أزمة جديدة في السكن والمضاربة في بيوت السكن والأراضي، مما زاد في حدة المشكلة الاقتصادية في البلاد.

وبالاستعانة بالمؤسسات الدولية، وببعض الوسطاء في الخارج، يتجه الفريق الاقتصادي اليوم إلى الاستثمار الأجنبي عله يجد من (يقامر) فيقدم على تلبية دعوتهم، التي وصلت إلى حد (الاستجداء) عندما يقول رئيس الفريق الاقتصادي لمجموعة منهم في مؤتمر (التركيز على سورية) إن الحكومة مستعدة لسماع نصائحهم وملاحظاتهم وتصويبهم لسياساتها.

سعى، ويسعى، الفريق الاقتصادي إلى إيجاد (المناخ الاستثماري) الذي طالما طالبت به المؤسسات الدولية، وتصور هذا الفريق أن مجرد وجود تشريعات وأنظمة وإعفاءات وتسهيلات، كافٍ لجذب الاستثمار.

إن (المناخ الاستثماري) الذي يشترطه رأس المال الأجنبي، هو إلى جانب ذلك:

- الأمن والأمان.

- الشفافية وخلو البلد من الفساد.

- قضاء تام على البيروقراطية والروتين.

- تسهيلات كاملة في الدخول والخروج مع الأرباح.

والأمن والأمان يرتبطان بالوضع الأمني والسياسي في المنطقة العربية عموماً، وخصوصاً في منطقتنا. وكيف يمكن أن يتحقق ذلك مع وجود القوات الأميركية المحتلة في العراق، ومع احتلال الجولان والتهديدات المستمرة لسورية، ومع ما يجري في لبنان، وما يجري في فلسطين؟ كيف؟

لا يمكن لبلد، مثل سورية، أن تراهن على الاستثمار الأجنبي، ومهما قدم من التسهيلات والمزايا والإعفاءات، قرار التوجه للاستثمار في سورية مرهون بأوامر عليا هي التي تتحكم بتوجيه الاستثمارات. وهذه الأوامر العليا لم تصدر بعد، لأنها تتطلب أكثر من (الاستجداء) والكلام عن دعوة المستثمرين لتوجيه سياستنا الاقتصادية، وعن الكلام عن الاندماج بالاقتصاد العالمي مهما كانت الكلفة.

إن (الأوامر العليا) المنتظرة تتوقف على ما تردده الإدارة الأميركية والاتحاد الأوربي من أن «على سورية أن تغير سلوكها» والفريق الاقتصادي أيضاً يريد التغيير وهو يعد بذلك، ولكنه لا يملك اتخاذ مثل هذا القرار حتى وإن ادعى ذلك، ومهما أعطى من وعود..

لا بديل عن الإمكانات الوطنية، لا بديل عن حشد مواردنا الذاتية، ولا يمكن المراهنة على الاستثمار الأجنبي، الذي (مهما) أُعطي من مزايا وإعفاءات فإنه بالنهاية لا يمكن أن يساعد مساعدة عملية في تحقيق التنمية، إن همه الأول والأخير هو تحقيق أعلى الأرباح عن طريق المضاربة والاستثمار الجائر، فهل نعود إلى رشدنا؟!

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 22:02