منير الحمش منير الحمش

الواقعية (المتهافتة) في السياسة الاقتصادية للفريق الاقتصادي

يدعو الفريق الاقتصادي وعلى رأسه السيد الدردري، إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي (مهما كانت الكلفة) كما قال في مؤتمر (التركيز على سورية) الذي عقد في لندن بدعوة من الجمعية البريطانية - السورية، مطلع شهر تشرين الثاني الماضي.

أما مبررات ذلك، فيقدمها السيد الدردري أمام أكثر من 200 شخصية من عالم المال والأعمال والاستثمار وممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات البريطانية (المعنية بسورية)، فهي كما جاء في وقائع هذا المؤتمر المنشورة في مجلة الاقتصادية السورية بتاريخ 11/11/2007:

- الوضع (الاقتصادي أم السياسي لم يوضح ذلك) لا يمكن أن يستمر.

- إنتاج النفط في تراجع مستمر.

- البنية التحتية للإدارة السورية والمؤسسات التي تتبع لها والقوانين التي تنظم عملها وكذلك الإنتاج والإنتاجية، جميع هذه العوامل (باتت لا تتلاءم مع تحديات ومطالب العولمة).

- هناك تغيير يجب أن يتحقق (لم يوضح تغيير ماذا ومَنْ وكيف).

ولم يبين السيد الدردري، كيف أن الاندماج في الاقتصاد العالمي يحقق (التغيير) الذي سيتحقق، وما هي (كلفة) ذلك وتلك الكلفة التي (تبرع) بدفعها مهما بلغت؟!...
ويقول السيد الدردري إن الدول التي تسعى إلى الإصلاح، تقدم لها دول (شقيقة) المؤازرة (لكننا في سورية مَنْ يؤازرنا؟).
ويدعو (المجتمع الدولي) إلى اقتناص الفرصة «ليكون شريكاً مؤازراً لأكبر وأكثر برنامج إصلاح تحدياً يقام في العالم العربي اليوم وفي السنوات القليلة المقبلة» هل بعد ذلك من أسلوب (أرخص) في استجداء عطف الآخرين؟
ويستعرض الدردري برنامج الإصلاح، الذي يبدأ بالإصلاح المالي مشيراً إلى تخفيض الضرائب على أرباح القطاع الخاص، والعمل على تبسيط النظام الضريبي وإدخال الضريبة على القيمة المضافة.
 «استمروا بالضغط علينا»
ثم ينتقل إلى الحديث عن تحرير التجارة الخارجية الذي تتطلبه عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي. وأن هذا التحرير يأتي رغم أن سورية تواجه الكثير من التحديات السياسية، وأن شراكتها مع الاتحاد الأوربي تم تعليقها لأسباب حتى الآن «لا نفهمها» (كيف لا يفهمها وهو على رأس الفريق الاقتصادي؟) ثم يستعرض (إنجازات) تحرير التجارة الخارجية على الميزان التجاري، كما يشير في خطابه إلى نتائج هذه السياسة، وهي نتائج بعيدة عن الواقع و أقرب إلى التمنيات:

- زيادة الحصيلة الضريبية.

- زيادة معدلات النمو.

- تراجع البطالة.

- نسبة الفقر لا تنمو.

- تنافسية الاقتصاد السوري باتت تتحسن.

- زيادة في الاستثمارات العربية والأجنبية.

وكأنه في عالم آخر....
ويشير الدردري إلى تحديات الإصلاح في عام 2008، وأهم هذه التحديات العجز في الموازنة العامة للدولة مرجعاً هذا العجز إلى «سياسة الدعم المتبعة» ولم يوضح كيف أن زيادة أسعار الطاقة هي من العناصر الإيجابية في جذب المستثمرين؟!!.
أما عن القطاع العام، يقول الدردري:

- الحكومة السورية لا يمكن أن تستمر في دعم قطاع عام خاسر.

- هناك مشروع قانون، لمعالجة وضع القطاع العام ومن بين الحلول الموجودة في هذا القانون «إمكانية تصفية القطاع العام (الخاسر) أو دمجه مع القطاع الخاص أو طرحه للاكتتاب العام» ويقول «وهذا تحول كبير في العقلية السورية وفي الاقتصاد السوري...» لكن هل تتجه (العقلية السورية) فعلاً إلى تصفية القطاع العام؟
وفي الملاحظات البارزة التي أوردتها (الاقتصادية) عما جرى في المؤتمر،  «أن القطاع العام يشكل حاجزاً للتطور»، وفي عام 2006 كان القطاع العام غير فعال يستهلك الكثير من الدعم الحكومي وبلا إنتاجية وكان يحتكر قطاعات ويعرقل تطور الاقتصاد، وعام 2007 لم يحصل أي تغيير.
أما عن قطاع الخدمات المدنية، قال الدردري «نحن لدينا 1.4 مليون موظف في الدولة، إنتاجهم وإنتاجيتهم ضعيفة جداً...».
وركز أيضاً على أهمية «إعادة توجيه المناهج (التعليمية) باتجاه الاقتصاد المفتوح لتتلاءم مع متطلبات سوق العمل في النظام الجديد..» فليبشر طلاب العلم.
وذكر أن سورية «تحتاج سنوياً إلى 3 إلى 4 مليارات دولار من الاستثمارات لتحقق أهدافها في التنمية ولتخفيض البطالة».
ولاستقطاب هذه الاستثمارات «نحن بحاجة إلى بيئة ملائمة للمستثمرين وهذا ما قمنا به عام 2007 وعلينا أن نقوم بالمزيد في العام القادم».
ويبلغنا الدردري بعد ذلك عن الجهة التي ترسم السياسة الاقتصادية في البلاد عندما يتوجه إلى المستثمرين الأجانب الذين «يجب أن يستمروا بالضغط علينا ويقولوا لنا: أين الصواب وأين الخطأ؟ عليكم تحسين ذلك أو ذاك فالمسألة تفاعلية بيننا وبين المستثمرين...»، ويحق لمجلس الشعب وللمنظمات الشعبية أن تتساءل هنا، عن هؤلاء المستثمرين الأجانب الذين يضغطون على الحكومة ويفرضون شروطهم وبرامجهم عليها وعلى البلاد.
ويختم الدردري خطابه الذي يرسم ملامح الاقتصاد السوري بالقول:
«إن سورية لن تتراجع عن قرارها بالانفتاح، وإن قرار الانتقال إلى اقتصاد السوق (وليس اقتصاد السوق الاجتماعي) لا عودة عنه».
 
انتحال صفة؟

إن هذا الخطاب الذي قدمه السيد الدردري – رئيس الفريق الاقتصادي، حرّيٌ به أن يصدر عن القيادة السياسية، فهو يتضمن برنامجاً كاملاً يُعبر عن حقيقة التوجه في السياسة الاقتصادية السورية التي يمارسها الفريق الاقتصادي في الحكومة، ففيه طبعاً مضامين اقتصادية ليبرالية، إلا أنه لا يخلو من التوجهات السياسية تنفيذاً لمقولة الواقعية (المتهافتة) التي تدفع بالاقتصاد السوري للارتماء والانخراط في (أحضان) المستثمرين الأجانب، وفي إجراء تحويل في الاقتصاد السوري وفقاً لبرنامج (توافق واشنطن) الذي يقود إلى الالتحاق بقطار العولمة قبل فوات الأوان!! بحجة الواقعية، وأن لا سبيل آخر!!
والسيد الدردري بهذا الخطاب، لا يمارس صلاحيته كرئيس للفريق الاقتصادي فحسب، وإنما يأخذ أيضاً دور السلطات السياسية والتشريعية، برسمه لإطار إصلاح يتجاوز ما أقرته القيادة السياسية، فضلاً عن أنه يحتاج لتشريعات لمخالفته لدستور البلاد.
ومما لا شك فيه، فإن السيد الدردري يطرح مشروعاً للإصلاح، تمت صياغته على نحو دقيق ومحكم، ويجيب على التساؤلات التي تطرح حول حقيقة برنامج الفريق الاقتصادي لكنني هنا سوف أناقش القضايا التالية:
أولاً: مسألة (واقعية) الاندماج بالاقتصاد العالمي والالتحاق بقطار العولمة وتحرير التجارة الخارجية.
ثانياً: السياسة المالية للفريق الاقتصادي، بما فيها مسألة الدعم.

ثالثاً: مسألة إصلاح القطاع العام.

رابعاً: مسألة الاستثمار الأجنبي.

وقبل ذلك لا بد لي من إيراد بعض التساؤلات من خلال النقاط التالية:
1 - النقطة الأولى: هي التساؤل فيما إذا كان يحق لمسؤول اقتصادي، حتى وإن كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء، هل يحق له أن يحدد مسار الاقتصاد السوري، بما يخالف الدستور وتوجهات القيادة السياسية؟!
2 - النقطة الثانية: إذا كان الهدف من عقد المؤتمر، ومن الكلمة التي أدلى بها المسؤول الاقتصادي، دعوة المستثمرين الأجانب وجذبهم للاستثمار في سورية، فهل ما طرحه هذا المسؤول يؤدي الغرض؟ وهل الحديث عن ضعف إنتاج وإنتاجية الاقتصاد السوري، والبطالة والفساد وضعف العائد على رأس المال وغير ذلك من سلبيات، جاذب لرأس المال الأجنبي أم طارد له؟
3 - النقطة الثالثة: هل يحق لمسؤول اقتصادي أن يطلب من الجهات الأجنبية (المجتمع الدولي) تقديم المساعدة من أجل أن يكون (شريكاً مؤازراً) «لأكبر وأكثر برنامج إصلاح تحدياً يقام في العالم العربي اليوم وفي السنوات المقبلة» والمقصود برنامجه للإصلاح الاقتصادي؟!
4 - وآخر هذه التساؤلات، حول جدوى هذه المؤتمرات التي تعقد في الداخل والخارج، يحضرها أشخاص ومؤسسات محلية وعربية وأجنبية، تتكرر أسماؤها في كل مرة، وهل قادت هذه المؤتمرات إلى النتائج المرجوة، أم اكتفى الحاضرون بتبادل الابتسامات والمجاملات وتكرار العبارات الجوفاء في أروقة الفنادق الفخمة؟ وهل هذه المؤتمرات تعقد كمنابر، لأشخاص معينين تملأ صدورهم الأحقاد (للتنفيس) ولإلقاء التُهم على المسيرة السورية منذ ستينات القرن الماضي، وللدعوة للعولمة والارتماء في أحضان الرأسمالية العالمية والانجرار خلف مشاريع وبرامج لا تريد الخير لهذا البلد ولا لشعب هذا البلد؟
 
تحرير تجارة أم نسف اقتصاد؟

لقد بقيت سورية، صامدة أمام الضغوط (والإغراءات الفارغة) وستبقى حصناً منيعاً على كل من يحاول صرفها عن مسيرتها الوطنية والقومية. فاليوم، بعد أن أفلس بوش، وبعد أن تعرض مشروعه الأميريكي - الصهيوني للهزيمة والممانعة من قبل الشعوب العربية كافة، وبعد أن سقط مشروعه الوهمي حول الديمقراطية، فإنه يسعى لأن يستخدم (المدخل الاقتصادي) للنفاذ إلى تحقيق غاياته وأهدافه، مستخدماً آلته الإعلامية الجبارة، والمؤسسات الدولية والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية، ضاغطاً ومحاصراً ورافعاً عصاه الغليظة. والهدف، الآن، هو «التركيز على سورية» الذي يأتي (اقتصادياً) من أجل وضعها على المسار الليبرالي الاقتصادي الجديد، وبعد أن صرف بوش النظر عن المدخل الديمقراطي. وهو أساساً لا يؤمن بالديمقراطية ولا يهدف إليها، بل كان يعتبرها شعاراً يستخدمه لترويض شعوب المنطقة العربية (وحكامها)، مستعيناً (بنخبة) منتقاة من (فئران) العولمة مكونة من أصحاب الياقات المنشاة والكلمات المنمقة، ومن (نخبة) من رجال الأعمال الجدد.
نستعرض الآن القضايا المثارة، من خلال (المقولات) والسياسات التي أطلقها رئيس الفريق الاقتصادي في مؤتمر (التركيز على سورية):
أولاً: مسألة تحرير التجارة الخارجية والاندماج بالاقتصاد العالمي والالتحاق بقطار العولمة:
بحجة الواقعية، وأن لا سبيل آخر، يدعونا الفريق الاقتصادي إلى الاندماج بالاقتصاد العالمي، والالتحاق بقطار العولمة قبل فوات الأوان. والسبيل إلى ذلك هو تحرير التجارة الخارجية، التي يعتبرها الفريق الاقتصادية قاطرة النمو.
فالبلد الصغير (سورية) لا يستطيع العيش منعزلاً، أو معزولاً عن العالم، لهذا فمن الواقعية أن (تهرول) باتجاه العالم، عساه يقبل باندماجها به، ويترك لها مقعداً، ولو في آخر الممر في قطار العولمة.
إن الواقعية السليمة، هي التي تنطلق من مصالح البلد الوطنية، وتتعامل مع العالم الخارجي، وفقاً لهذه المصالح الوطنية، وليس وفقاً لبرنامج الدول المتقدمة المسيطرة على الاقتصاد العالمي، أو انطلاقاً من مصالح الشركات متعدية الجنسية، ووفقاً لبرامج (الإصلاح) الذي تروج له المؤسسات الدولية (وبالتحديد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) استناداً إلى ما يدعى (توافق واشنطن).
إن تحرير التجارة الخارجية التي يروج له دعاة اقتصاد السوق والمروجين لثقافة العولمة، قبل أن يتمكن الاقتصاد الوطني ويقوى ويستطيع الوقوف في مواجهة التحديات، سوف يلحق بالاقتصاد الوطني أفدح الأضرار، وسوف يكون عاملاً معوقاً لتحقيق التنمية المنشودة.
ليس من الواقعية بشيء، أن تحرر التجارة الخارجية، في سورية وغيرها من البلدان النامية، قبل أن تحقق تطوير هياكلها الاقتصادية وبنيتها المؤسسية بما يجعلها قادرة على إنتاج المنتجات الصناعية والزراعية التي تستطيع الصمود في وجه المنتجات الأجنبية في الأسواق الداخلية والخارجية.
ولا مجال هنا لمنافسة المنتجات التي تصدرها الدول الصناعية المتقدمة، وهي التي استطاعت الاستحواذ على ناصية العلم والتكنولوجيا، فالتحرير هنا يعني عدم إعطاء فرصة حقيقية للتنافس المتكافئ بين المنتجات المحلية والمنتجات المستوردة، بل إن تحرير التجارة المتسرع على النحو الذي قامت به الإدارة الاقتصادية في سورية أدخل الصناعات المحلية في سباق غير متكافئ سوف يؤدي إلى دمارها وخرابها.
والتحرير التجاري على هذا النحو يتناقض جذرياً مع حقنا (والدول النامية كافة) في فرصة متكافئة مع ما حققته الدول المتقدمة من فرص أتاحت لها فرص التقدم وبناء مزايا تنافسية هامة لمنتجاتها.
إن التحرير التجاري الذي تطالب به الدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وهو الذي يتضمنه اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي، ويلتقي مع (توافق واشنطن)، إن هذا التحرير الذي تقوم به الإدارة الاقتصادية السورية، سوف لن يقتصر على مجرد فتح اقتصادنا أمام المنتجات الأجنبية، (بتخفيض الحواجز التعريفية وغير التعريفية على الواردات، أو إلغائها وإزالة الحماية الجمركية للمنتج الوطني) إن هذا التحرير (المفروض علينا) يمتد إلى الإقلاع عن تقديم أي دعم للصناعات المحلية يمكن أن يساعدها على الصمود في وجه منافسة المنتجات الأجنبية في أسواقنا الوطنية أو في الأسواق الخارجية.
 
حقائق التاريخ

إن حقائق التاريخ الاقتصادي لأوربا وأمريكا، تشير إلى أن ما تحقق من تقدم لم يتحقق باتباع سياسات الانفتاح وبالسياسات التي توصي الآن أوربا وأمريكا ومؤسساتهما للبلدان النامية، إنما تحقق تقدم أوربا وأمريكا وراء أسوار الحماية، وهي تطالبنا الآن بفتح أسواقنا أمام منتجاتها بعد أن تحقق لها النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وبعد أن أصبحت قدرتها التنافسية في المستوى الذي لا يسهل تحديه، علماً أنها (أي الدول المتقدمة) لا تزال تستخدم أنواعاً مختلفة لحماية اقتصادها ومنتجاتها، ولا تزال تستخدم وسائل شتى تعرقل بموجبها دخول منتجات البلدان النامية التي تتمتع ببعض المزايا التنافسية إلى أسواقها، لاسيما المنتجات الزراعية والمنسوجات والألبسة الجاهزة.
إن الواقعية السليمة تفرض علينا أن نستفيد من دروس التاريخ، التي لا تؤيد (الواقعية المتهافتة) في تحرير التجارة وإلغاء الحماية والدعم الذي يتجه نحو مساعدة المنتجات الوطنية على كسب القدرة التي تمكنها من مواجهة منافسة المنتجات الأجنبية سواء في الأسواق الوطنية أو في الأسواق الخارجية.
وهنا أجد من المهم، أن نستعين ببعض تقارير مؤسسات منظمة الأمم المتحدة، (البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالاشتراك مع عدد من الهيئات الأخرى). فقد جاء في تقرير (جعل التجارة العالمية تعمل لصالح الناس) الصادر عام 2003، (ولا أدري إذا كان قد اطلع عليه الفريق الاقتصادي) جاء في هذا التقرير، ما يرد موضوعياً (وبواقعية) على تحرير التجارة الخارجية، والدعوة إلى الاندماج بالاقتصاد العالمي على النحو التالي:
-1 العلاقة المتيقن منها هي أن الدول تقوم بإلغاء الحواجز وتحرير تجارتها كلما ازدادت ثراءً وتقدماً، وليس قبل ذلك، وهذا يعني أن النمو هو ما يؤدي إلى تحرير التجارة، وليس ما يقول به الفريق الاقتصادي السوري من أن تحرير التجارة هو قاطرة النمو.
-2 يعتبر الاندماج في الاقتصاد العالمي نتيجة للنمو والتنمية الناجحين، وليس شرطاً مسبقاً لهما.
وهذا يعني أن ما ينادي به الفريق الاقتصادي (بالهرولة) نحو الاندماج بالاقتصاد العالمي، والالتحاق بقطار العولمة، قبل إحراز مستوى معقول من النمو والتنمية والتقدم أمرٌ مرفوض لأنه سوف يحول دون تحقيق ما يطمح إليه شعبنا من نمو وتنمية وتقدم لأنه لا يحقق سوى التبعية، واستمرار حالة التخلف.
-3 ليس من المنطقي (والواقعي) تطبيق قواعد تجارية موحدة على مختلف الدول بغض النظر عن مستوى التطور الذي أجرته كل منها.
-4 ثمة حاجة للتحول من تركيز النظام التجاري العالمي على الترويج للتجارة والنفاذ إلى الأسواق، إلى تزويد الدول بحيز أوسع لرسم السياسات الوطنية.
وهذا يعني التخفيف من القواعد والمعايير والالتزامات التي تُطالب بها الدول النامية والمفروضة من الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية، فهذه المعايير والقواعد والالتزامات تفرض مصالح الأطراف الأقوى في النظام التجاري العالمي، ومن الهام (والواقعي) أن يفسح المجال أمام الدول النامية (ومنها سورية) لتغليب المصلحة الوطنية عند وضع السياسات التجارية وغيرها من السياسات الاقتصادية.
 
الحماية لاتعني الانعزال

إن الدروس المستفادة من تجارب الإصلاح الاقتصادي في البلدان النامية، تفيد أن الأداء الأفضل في برامج الإصلاح هو عندما يتم تحرير التجارة على نحو تدريجي وانتقائي وفي إطار سياسة صناعية طويلة المدى (تتضمن نوعاً من الحماية للمنتجات الوطنية) وعلى أن يتم ذلك بعد الوصول إلى مستوى معتبر من التصنيع والتنمية.
وعندما نقول بحماية صناعتنا الوطنية، وتمكين اقتصادنا قبل تحرير التجارة الخارجية، لا نعني الانعزال والانكفاء، فسورية لم تكن منعزلة في يوم من الأيام، وشعب سورية لم يكن في يوم من الأيام معزولاً عما يجري في الخارج، لكن ذلك شيء والاندماج بالاقتصاد العالمي شيء آخر، إنهم يريدون سلب حريتنا وثقافتنا، كما يريدون القضاء على استقلالنا، يريدوننا تابعين متماهين بأسواقهم وثقافتهم، يريدوننا عبيداً لا أحراراً، وهذا ما لانرضاه ولا نقبله....               

■■

ملاحظة:
المادة المنشورة أعلاه هي جزء من دراسة متكاملة، وهذه الدراسة منشورة كاملة على موقع «قاسيون» الإلكتروني..