د.الياس نجمة: في حوار حول موازنة 2008 سياسة الإيرادات تحابي أصحاب الدخول الكبيرة على حساب الفقراء! ماذا يفيد النمو إذا زاد غنى الأغنياء وفقر الفقراء؟

جاءت موازنة هذا العام 2008، مليئة بالأرقام والنسب والتوقعات المستقبلية التي يعتقد الفريق الاقتصادي في الحكومة أنها ستوفر له الذرائع للمضي في اقتراحاته العقيمة، وستؤمّن له المناخات للاستمرار في نهجه الليبرالي وسياساته المجحفة بحق الغالبية العظمى من المواطنين والاقتصاد الوطني.. وحرصاً من «قاسيون» على توضيح بعض الجوانب الاختصاصية في هذه الموازنة، ومرتكزات أرقامها ونسبها، التقينا د.الياس نجمة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة دمشق وكان الحوار التالي:

• قاسيون: ما هي نسبة العجز بالموازنة هذا العام بالنسبة للأعوام السابقة؟
د.الياس: إن البعض يحاول التمويه إلى حد ما في حقيقة عجز الموازنة، لأن الموازنات العامة في كل الدول تقيس العجز لديها، نسبةً إلى الموازنة نفسها.
ففي العام 2007 ومن خلال قراءتي لرقمين صادرين عن وزير المالية، يقول: إن الإيرادات النفطية المقدرة بموازنة 2007 بـ/246/ مليار ل.س. وفي وثيقته الثانية يقول إنها /127/ مليار، وبالتالي، أصبح لدينا عجز مطلق عن تقدير العجز الحقيقي، فالموازنة الحالية، رغم  عدم زيادتها عن موازنة 2007 إلا بنسبة 2%، إلا أننا نجد أن العجز قد ازداد، وفي موازنة 2006 التي بلغت /495/ مليار ل.س. كان العجز 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما في  موازنة 2007 التي بلغت /588/ مليار ل.س. فقد وصل العجز إلى 4.5%، أي أنه تضاعف في العامين السابقين، وفي موازنة 2008 المقدرة بـ/600/ مليار، يقدر العجز بـ10.2%، من الناتج المحلي الإجمالي، فماذا سيكون العجز إذاً لعام 2009؟! إن العجز المقدر بـ10.2% لا ينطبق على أية دولة في الشرق الأوسط، باستثناء العراق، الذي لا أعلم كيفية دراسة نسب الموازنة فيه؟
فالأردن ولبنان ومصر مثلاً، لا يوجد فيها مثل هذا العجز، الذي سببه في سورية تراجع الإيرادات، وخاصةً النفطية، أو على الأقل عدم تقدمها وزيادتها بالشكل المطلوب. فالإيرادات المحلية عام 2003 بلغت /230/ مليار ل.س. وتقدر في عام 2008 بحدود /300/ مليار، أي أنها ازدادت بمقدار 20%، أي أن الزيادة بالسنة 4% فقط، وهو أدنى من زيادة الناتج المحلي بالأسعار الجارية. كما أن القوة الشرائية لـ/600 مليار ل.س. لعام 2008، هي أقل بكثير من القوة الشرائية لـ/588/ مليار ل.س. لعام 2007، وهي قطعاً أقل من القوة الشرائية لـ/495/ مليار لعام 2006. وهنا نتساءل: لماذا لا تزداد موارد الإيرادات الضريبية في هذه الفترة بالنسب المعقولة؟.

• لنتحدث عن علاقة الموازنة بتطور الدخل الوطني.
هناك زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، وبالرغم من ذلك لم تزدد الإيرادات المحلية، والسبب هو أن سياسة الإيرادات المعتمدة غير متبصرة، فمنذ عام 2003، قامت على الاعتقاد بأن محاباة واسترضاء أصحاب الدخول الكبيرة يدفعهم إلى الاستثمار، طبعاً هذا لم تثبت صحته، لأن الاستثمار له شروط، منها الإدارة ومستوى الربحية، وكلفة الطاقة وأسعارها، وعوامل عديدة يعرفها أهل الاختصاص.
أي أن عامل الإعفاء الضريبي ليس حاسماً في قرار الاستثمار، والمسألة الأخرى هي عدم فعالية النظام الضريبي، فقد قيل إنه ثمة إجراءات في قضية الإصلاح الضريبي، ولكن عند مراجعتي لهذه الإصلاحات، وجدتها إصلاحات تجميلية وجزئية، ومازال النظام الضريبي في بنيته الحالية، كما كانت بنيته في الخمسينات فالضرائب على الدخل تقوم على نظام ضرائب الدخل النوعي، في حين أن كل دول العالم تخلت عن هذا النظام الموروث عن الحرب العالمية الثانية، لصالح نظام آخر هو نظام ضريبة الإيراد العام، لأنه بدون ضريبة الإيراد العام لا يمكن تحقيق تصاعد حقيقي، ثانياً: التوسع بضريبة الدخل المقطوع، والتي قامت في الأساس من أجل تكليف الأشخاص والفئات التي لا تستطيع مسك الدفاتر، في حين نجدها شملت فئات عديدة تستطيع أن تقدم حسابات دقيقة لوزارة المالية، والأسوأ من ذلك، أنه حتى المشافي الخاصة دخلت نظام ضريبة الدخل المقطوع. بالإضافة إلى التهرب الضريبي الواسع والذي قدره السيد وزير المالية منذ ثلاث سنوات بـ 200 مليار ليرة سنوباً، والذي بتقديرنا ما يزال في مستويات عالية جداً ولم يتراجع، وبالتالي فإن هذا النظام الضريبي مازال نظاماً قاصراً وغير عصري.

• أحد المسؤولين في الفريق الاقتصادي قال حرفياً: «منذ سنوات، كانت ضريبة الأرباح في القطاع الخاص 93%، أما اليوم فلا تتجاوز 22%»، وخلافاً لحديثك، هناك زيادة ملحوظة في التحصيل الضريبي، إذا ارتفعت الحصيلة في سنوات قليلة من /1/ مليار إلى /6/ مليار دولار.
إن القول في تخفيض المعدلات الضريبية يؤدي إلى زيادة في الحصيلة، كلامٌ عام، وفي أغلب الأحيان قريب من السذاجة، فالذي يؤدي إلى حصيلة جيدة بالضرائب عاملان: فعالية النظام وصرامته، وعدالته، فالنظام عندنا، غير عادل فهو يحابي أصحاب الدخول المرتفعة، على حساب أصحاب الدخول المنخفضة والضعفاء اقتصادياً، فالشركات المساهمة تدفع 14%، في حين أن موظف في شركة مساهمة إذا كان دخله أكثر من /20/ ألف ل.س بالشهر تصل ضريبته إلى 20%، فكيف تكون الضريبة على الدخل الناتج عن العمل، أكبر من الضريبة على الدخل الناتج عن الرأسمال؟ والقول بأن مستوى ضريبة الدخل كان 93% منذ عدة سنوات فهذا بحاجة إلى تدقيق، فعندما كنت عضواً في مجلس الشعب ببداية التسعينات خفضناه إلى 60% وبعدها انخفضت أكثر، ولكن ما فائدة الـ60% أو 90% إذا كانت هذه المعدلات لا تطبق بالأساس؟! وهناك نص جزائي بالقانون الذي صدر عام 2004، ولكنه لم يطبق حتى الآن، والسيد وزير المالية تعهد أمام التجّار في غرفة تجارة دمشق، أنه لن يُطبَّق طالما هو موجود.
لا نستطيع أن نقول إن هناك زيادة فعلية في التحصيل الضريبي تتناسب مع مستويات التضخم التي حدثت، أي بالأسعار الثابتة، على الأقل بين أعوام 2003 ـ 2008 وهي قطعاً معدومة، وإذا أخذناها قياساً على الزيادة في الأسعار الجارية بالناتج المحلي الإجمالي فهي أيضاً ضئيلة! من هنا يجب القول إن التخفيضات أتت لصالح الفئات الغنية، واستفاد هؤلاء لتجميع ثروات كبيرة ظهرت بالقصور الفخمة، أكثر من  الاستثمارات. لذلك فالحديث عن الزيادات ليس له أي سند، وسيقولون إن عام 2006 زاد تحصيله /46/ مليار عن عام 2005، لكن في الحقيقة لا يمكن لأي اقتصادي جدّي أن يأخذ سنة واحدة بالحسبان بل علينا أخذ خمس سنوات، فبالنظر للزيادات بين أعوام 2003 ـ 2008، نجد أن معدل هذه الزيادات سنوياً هو 4% فقط، رغم حصولنا على زيادة /46/ مليار ل.س في عام 2006. جراء الزيادة في أسعار البترول إثر الضريبة على الشركات البترولية.
في عام 2003 وفي إحدى محاضراتي قلت: إن موارد الخزينة العامة للدولة ثلاثة، الضرائب وأشباه الضرائب، فوائض القطاع العام، والإيرادات النفطية، التي يجب النظر إليها بحذر شديد لأنها غير مستقرة وناضبة، أما فوائض القطاع العام فيجب أن نبقيها فيه من أجل إعادة هيكلته وتقويته حتى يستطيع الوقوف على قدميه، وهذا يعني الرجوع إلى الإيرادات الضريبية، والاهتمام بها كعامل أساسي، ولكن للأسف بعد مرور أكثر من خمس سنوات فإن هذه الإيرادات لم تستطع أن تسد النقص في الإيرادات النفطية.
في سورية كانت الإيرادات الضريبية في الستينات بين 90 ـ95%، وهذا يدل أن السياسة الضريبية الحالية لم تكن مجدية أو متبصرة، فالعجز الموجود الآن لا يمكن تصديقه، وله آثار تضخمية هائلة، وسوف يؤدي إلى المزيد من البطالة والركود التضخمي.

• وماذا بخصوص النفقات؟
لا نستطيع أن ندخل بتفاصيل البنود، بل نعطي مؤشرات عامة، فعندما تتراجع النفقات العامة، تتراجع وتنحسر الخدمات العامة، وهذه الموازنة متراجعة، وبالتالي يجب أن نتوقع الانحسار والتراجع في كل الخدمات العامة وعلى كل الصعد، فما يخصص للتربية والتعليم هو11% من الموازنة العامة للدولة، في حين أن كل الدول تكرس أكثر من20%، والجميع يرى أنها غير كافية لسد كل النفقات والنهوض بالتعليم، والحجة الدائمة أننا حسب الموارد المتاحة لدينا ننفق، وأنا أرى أن التعليم يجب أن يحظى بالنسبة الكبرى من الميزانية.
أما الإنفاق العام وعدم زيادة الموازنة إلا بمقدار2% فقط لهذا العام، يتجاهل مسألة خطيرة، بمعزل عن الإنفاق الاستثماري، فالجميع يعلم أن الأسعار زادت بشكل فاحش  في العامين الأخيرين، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية لكل الرواتب والأجور التي تمنحها الدولة، وحتى القطاع الخاص بحاجة إلى إعادة النظر بأجورها ورواتبها. فماذا لو ارتفعت الأسعار بنسب كبيرة في 2008؟ هذا يعني أن القوة الشرائية للرواتب والأجور تتراجع، لأن التضخم هو ضريبة يدفعها الفقراء للأغنياء، لأنه يأكل القيمة الشرائية لكل الدخول النقدية، خصوصاً الرواتب والأجور وكل الدخول التي لا تستطيع التكيف مع التضخم، في حين أنه يحابي الفئات الغنية، من خلال زيادة القيم العينية لممتلكاتها.

• ولكن تبدو الأمور غير مترابطة نظامياً، بل متشابكة مع بعضها بعضاً.
كنت أتمنى من الإدارة الاقتصادية أن تكون أكثر دقة في تصوير الواقع الاقتصادي، فالحصيلة الضريبية زادت بالأرقام التي نأخذها من وثائق الدولة، ولم تزدد بالأسعار الثابتة، والدليل أن الموازنة زادت 2% فقط، رغم التضخم الذي تجاوز 25% على الأقل حسب الاقتصاديين.

• ولكن الفريق الاقتصادي يصرح بأن هناك نمواً، وهذا بالضبط ما أثار النقابيين في مؤتمر اتحاد نقابات العمال، قبل أيام.
ما يدعونه من ازدهار ونمو وتقدم واستثمارات كبيرة، هو لإعطاء صورة إيجابية عن تطوير الوضع الاقتصادي، ولنفرض أن ما يقولونه صحيح، ولكن عليهم أن يقولوا لنا من الذي استفاد من ثمرة النمو؟ هناك نمو5%، قد يكونون صادقين، لكن الذين استفادوا هم 5% من الناس فقط، يعني أن 95% لم يستفيدوا شيئاً، وهذا غير مقبول، نحن نفهم النمو على أنه زيادة في إنتاج السلع والخدمات التي تستفيد منها كل الفئات الاجتماعية.

• ماذا بخصوص مشكلة تفاقم توزيع الدخل القومي؟
إن التجربة التاريخية أثبتت أن تفاقم توزيع الدخل القومي، ليس ضاراً اجتماعياً فقط، بل اقتصادياً أيضاً وبنسب عالية، لأن الفئات العريضة من المجتمع عندما تصبح ذات دخول متواضعة وضئيلة، لا تستطيع أن تمتص السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد القومي. ففي عام 1929 عندما قامت الأزمة الاقتصادية الكبرى ونتج عنها 40 مليون عاطل عن العمل في أوربا كانت كارثة كبرى، وتحليل كينز كان أن زيادة أرباح الشركات وكبار المستفيدين، أدى إلى تجفيف الدخول بأيدي الفئات الواسعة من المجتمع، وتراجع الطلب، وهنا قامت سياسته على زيادة الطلب، وسميت الوصفة الكينزية، التي التقت في بعض الأحيان مع ماركس وغيره، فهذه القمم الاقتصادية، على اختلاف اتجاهاتهم، لهم خيارات، ويعرفون الحقائق ولا يتجاهلونها، أما هذا التضخم الذي نحن فيه، والعجز الخطير بالموازنة، الذي لا أدري كيف سيتم تسديده، وقد سمعت أنه سيسدد عن طريق سندات الخزينة والمصارف الخاصة، فزيادة المديونية سوف تؤدي إلى المزيد من التضخم، وإلى المزيد من التفاقم في توزيع الدخل القومي، قد توصلنا إلى حالة ركود تضخمي، بدليل ما سمعناه مؤخراً، أن التنفيذ الفعلي للمشاريع المشملة كان ضئيلاً جداً في عامي 2006 ,2007، وإن الاستثمارات القادمة من الخارج تضاءلت، وأننا في ظل هذا الوضع الاقتصادي يخشى أن نواجه ضعفاً بالاستثمارات في السنوات القادمة، مما سيؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي،بالإضافة إلى التضخم.

• الفريق الاقتصادي يدّعي أن المشكلة في ذلك هي الدعم الحكومي، ويجب رفعه حتى نتمكن من إيجاد البديل.
يجب علينا إجراء حساب اقتصادي وليس دفتري، لأن ما رأيناه هو ألاعيب محاسبية بائسة، حول قضايا اقتصادية خطيرة.
فإذا أخذنا نفقات إنتاج النفط وأضفنا إليه تكاليف التكرير ونفقات الاستيراد الفعلية، ومن جانب آخر أخذنا إيراداتنا من تصدير المشتقات البترولية ومن تصدير الخام، بالإضافة إلى ما نأخذ من مبيعاتنا من تلك المشتقات في الداخل، لوجدنا أن الميزان النفطي رابح وفائض. أما الذي يحدث فإن الحكومة تأخذ الضرائب من الشركات وفوائضها وأتاوه الحكومة وتنزلهم بالموازنة، وقد بلغت 177 ملياراً عام 2006، و246 ملياراً عام2007، ويقال أنها ستكون فقط 100 مليار في 2008، وهذه المليارات لو تركت للقطاع البترولي لن يكون هناك أي عجز، وبالحساب الاقتصادي الكلي لا يوجد دعم، لذلك أقترح إنشاء هيئة عامة للبترول، تقوم بإنتاجه وتكريره وتصديره واستيراده، وبيعه بالداخل، وفي نهاية العام تعطينا مجموع نتائجها وسنرى إذا كانت فائضة أو عاجزة.

• لو طبقنا سيناريو رفع الدعم الذي اقترحه الفريق الاقتصادي فماذا سيحصل؟
في الحقيقة قضية رفع أسعار البترول، ليست لرفع الدعم بل لتأمين إيرادات جديدة للموازنة، وطالما عجزنا عن فرض ضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة، فالحل السهل هو برفع أسعار المشتقات البترولية، لأن الدولة تتحكم بها، وبزيادتها تشكل موارد إضافية للدولة، والحكومة أرادت ذلك ليس من أجل الدعم، وإيصال الدعم لمستحقيه أو غير مستحقيه، لأنهم يعلمون أن الطاقة الرخيصة هي التي تجلب الاستثمارات، وتؤدي إلى النمو الاقتصادي، وأن هناك دولاً عديدةً مازالت تمارس سياسة الطاقة الرخيصة، مثل الجزائر ومصر.

• استناداً لهذه اللوحة هل يمكن القول إنك تدق جرس الإنذار، في حال استمرار هذه السياسات على الليرة السورية؟ وعلى التوازنات الاقتصادية العامة المحافظة على الاستقرار النسبي للاقتصاد؟.
الليرة السورية يجب ألا نقيدها ونقزّمها من خلال سعر الصرف فقط، لأن تحويلات المغتربين بالسنوات الماضية، وبالحجم الكبير، بالإضافة لتدفقات رؤوس الأموال العربية بسبب ارتفاع أسعار النفط،خصوصاً اعتباراً من عام 2006 أدى إلى تدفق كميات كبيرة من القطع الأجنبي، إلى السوق السورية، وساعدت مساعدة كبيرة على استقرار سعر صرف الليرة السورية، أما ربط سعر الليرة السورية بحقوق السحب الخاصة، ومقولة ربطها بسلة عملات غير صحيحة، لأنهم ربطوها بحقوق السحب الخاصة، التي لا تعبر في الحقيقة عن بنية التجارة الخارجية السورية، بل تعبر عن بنية التجارة العالمية، وكنت دائماً أطالب بسلة عملات تعبر عن بنية التجارة الخارجية السورية، لأن ثقافة الناس في سورية اقتصادياً، هي دولارية، ولا أخشى كثيراً من سعر الصرف، فلدينا احتياطي نقدي محترم، وهناك تدفقات، ومع ذلك لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، وعلى الصعيد الداخلي، فالليرة تتعرض لمجموعة من المخاطر والضربات الموجعة، لأن قوتها الشرائية خلال السنتين الأخيرتين تضاءلت 40 ـ 50%، وهذا ما يهم المواطن، ويجب على المسؤولين في الفريق الاقتصادي أن يعلموا أن النقد داخل الوطن هو قوة شرائية، وخارج الدولة هو سلعة تتعرض للعرض والطلب، والربط بينهما يتم من خلال انخفاض قوة النقد بالداخل الذي يسبب ارتفاع الأسعار، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة التكلفة على الصادرات، وهذا يؤثر على سعر الصرف.
استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطي والوصول إلى خط الخطر والمشكلة أن العناصر الاقتصادية لوحدها، لا تفسر الظاهرة الاقتصادية، فهناك عناصر غير اقتصادية تدخل في الحساب، وتؤدي أحياناً إلى نجاح التجربة الاقتصادية أو فشلها، وفي حياة الشعوب تأتي بالمقام الأول. وكما قال أحد الاقتصاديين البرازيليين: ماذا يفيد النمو إذا زاد غنى الأغنياء وفقر الفقراء؟!