الزراعة السورية تتسول على أبواب البنك الدولي
إنه أول الغيث على طريق الاستغاثة، البنك الدولي يقدم مساعداته لدعم قطاع الزراعة السوري، والتي يراها وزير الاقتصاد والتجارة د. عامر لطفي، الطريق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة وتطوير الشق الحيواني، ومع ذلك يرى أن إعانة البنك الدولي توفر فيضاً مالياً بديلاً عن الاستثمارات الصغيرة الماضية في القطاع الزراعي.
البنك الدولي يقدم أمواله الكثيرة وأفكاره المريرة، للدول والحكومات الراغبة في الخضوع له، والركوع تحت صليل سيفه الملطخ بجوع الفقراء والمعوزين والمعدمين على امتداد العالم.
تتلخص فلسفة هذا البنك بإعطاء قروض طويلة الأمد، بفائدة غير قليلة، ترهق الاقتصاد الناشئ، وتجعله لعبةً بيد عملاق الارتهان الدولي. ولكن الأهم هي شروط الإقراض، التي تكرّس السياسات الليبرالية الاقتصادية والسياسية، والمتمثلة بالتوجه نحو اقتصاد السوق وتحرير التجارة الخارجية والمدفوعات الدولية.
وزارة الزراعة وإجراءاتها، كانت وما تزال سبباً لإفشال القطاع الزراعي، لأن الزراعة مشت خطوات عديدة على طريق الاكتفاء الذاتي، لكن السعي الحثيث نحو اللبرلة، قضى على هذه الخطوات، من خلال المعوقات الكبيرة التي وضعت في وجه المزارع وزراعته، برفع كل أشكال الدعم، المباشر وغير المباشر عنه، يضاف لها المستوى المتدني الدائم لأسعار المواد الزراعية، والسياسات الحكومية العاجزة عن تصريف الإنتاج الزراعي حيناً، والساعية أحياناً لإغراق الأسواق السورية بالمنتجات الزراعية المستوردة، وعدم توفير الأدوية اللازمة، وتقاعس الإرشادات الزراعية عن أداء واجبها، إذ ساهمت تلك الأسباب مجتمعة في إبعاد صاحب الأرض عن الزراعة ومعاناتها المكلفة والمتعبة.
لقد شعر المزارع السوري أن الحكومة ووزارة الزراعة، تمارس الانتقام بإجراءاتها وقراراتها، فإذا كان الإنتاج وفيراً تقوم بإيقاف التصدير، أو بإفشال الاتفاقات الموقعة المعدة لتصريف فائض الإنتاج الزراعي، بحجة أن التصدير سيرفع أسعار المادة في السوق المحلية. أو تتذكر فجأة العلاقات الاقتصادية العربية، وتمتين وتفعيل اتفاقيات السوق العربية المشتركة على حساب إنتاج المزارع السوري وكرامته، وهذا يطابق ما حصل بإنتاج زيت الزيتون الوفير منذ سنتين، حيث ألغيت كل الاتفاقيات المحتملة لتصديره للدول الصديقة والجوار العربي، والأسوأ من ذلك أن الحكومة قامت باستيراد الزيوت التونسية الرخيصة بحجة الاتفاقات العربية المشتركة، لتكون بذلك رائدة بتطبيق المثل القائل «فوق الطراح أكل الهوى».
أما في الحالة المعاكسة إذا كان الإنتاج قليلاً، فإن الحكومة تدعي السعى لاستيراد النقص من أي مصدر خارجي لخفض الأسعار، ولكن النتيجة، الحفاظ النسبي على ارتفاع أسعار المواد الزراعية المستوردة، وتأمين الأرباحٍِ والاستفادة الفورية والمباشرة للمستوردين وعمالقة التجار، والمتضرر الوحيد في الحالتين هو المواطن السوري منتجاً كان أم مستهلكاً.
ونذكر وزير الزراعة وكل الحريصين على الإنتاج الزراعي، أن سورية شهدت في العام الماضي كارثة زراعية من العيار الثقيل، تمثلت بموجة الصقيع التي أتلفت عشرات الآلاف من الأطنان الزراعية، ودمرت 40% من البيوت البلاستيكية بمحافظة طرطوس بشكل رئيسي، وما زاد الطين بلة عدم قدرة المزارع السوري على الحصول على بضع لترات من المازوت لتدفئة إنتاجه الزراعي ومنع إتلافه الكامل، والوزارة اكتفت بمحاولتها البائسة لإحصاء الخسائر الناجمة عن الصقيع، دون السعي للمساعدة المسبقة لتفادي الخسائر، أو تعويض المزارع بعضاً من خسارته الكبيرة
ونقول لوزير الاقتصاد والتجارة الذي اعتبر أن البنك الدولي يوفر فائضاً مالياً يطور الزراعة والاقتصاد السوري، إن التجربة أكبر برهان، فهناك دول كثيرة سبقتنا على طريق الاقتراض من البنك الدولي، والنتيجة مأساة كبيرة لحقت بشعوبها واقتصادياتها، فمصر التي أكد البنك الدولي في تقريره لعام 2008 أنها احتلت المرتبة الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث الإصلاحات الاقتصادية، وذلك قياساً لما قامت به من تيسير أعباء الضريبة، وتقديم التسهيلات الكبيرة للمستثمرين، وتوفير وسائل حمايتهم، وتنشيط التجارة وتدعيم الملكية الخاصة، أكد تقرير للأمم المتحدة لعام 2007، أن عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصل إلى 14 مليون، وأن هناك 4،4 مليون مصري لا يحصلون على الغذاء بشكل يومي، مبيناً أن مصر تحتل مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر فقراً في العالم. حيث وصلت نسبة الفقر إلى 35% من مجموع الشعب المصري، وتبلغ نسبة البطالة بين شبابها أكثر من 60% من القوى الشابة الراغبة في الدخول إلى سوق العمل. وأظهر التقرير أن 1% من أعضاء الطبقة المصرية الغنية يمتلكون 50% من حجم الثروة الوطنية، في حين أن 99% الآخرون يتقاسمون 50% المتبقية..
وأمام كل هذه الوقائع والأرقام المخجلة المعيبة، من حق المواطن السوري أن يسأل الحكومة والوزارة: هل تهدف من وراء الاستدانة إلى إغراق الاقتصاد السوري في أعاصير الديون الخارجية؟ ولماذا تسعى وراء البنك الدولي رغم التجارب العربية والآسيوية الفاشلة التي أثبتتها تقارير المؤسسات الدولية الحليفة والداعمة لاقتصاد السوق وفلسفته؟؟!!
كما ونسأل الحكومة والوزارة اللتين استماتتا في توفير القوانين والبيئة الاستثمارية، وتقديم كل التسهيلات للمستثمر العربي والأجنبي، لماذا فشلت في جذب الاستثمارات للقطاع الزراعي رغم مرور سنوات طويلة على استصدار قانون الاستثمار رقم /10/ منذ عام 1991 وما تبعه من تسهيلات وقوانين مغرية وتنازلات مخيفة لا تصب إلا بمصلحة المستثمر وأمواله وأرباحه؟!