استصلاح الأراضي.. من التعثر إلى الإهمال
استصلاح الأراضي يشمل الري، والصرف، وتسوية الأراضي للتخلص من الملوحة ومن ارتفاع منسوب المياه السطحية، وهو من المشاريع المهمة للفلاحين والاقتصاد الوطني.
ورغم الخطوات الايجابية التي قطعتها المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي في عملها خلال السنوات السابقة فإنها لم تكمل ما هو مخطط، وما أنجز منه لم يحقق الهدف بسبب كثيرٍ من الإهمال وسوء التنفيذ، وباتت أغلب الأعمال بحاجةٍ إلى إصلاح.. ناهيك عن التأخر الذي يبرز في كلّ القطاعات.
فالقطاع السابع على الضفة اليمنى من نهر الفرات في منطقة البوكمال أنجز بطريقةٍ باتت تعتبر الآن متخلفةً من حيث طريقة إنشاء السواقي وطريقة توزيع المياه، ويضاف لها سوء التنفيذ فيها وفي طريقة الصرف للمياه الزائدة والسطحية، مما جعل الفروقات عن الوضع السابق تبدو قليلة، والأهم أنّ تسوية الأراضي وإعادة توزيعها بعد إخراج مساحات السواقي والطرقات لم تتم، وهو ما ولد مشكلات اجتماعية بين الفلاحين في المنطقة!؟
وفي القطاع الخامس بمنطقة الميادين الأمر لا يقل سوءاً عن نظيره السابع، وسبق أن نوهنا إلى ذلك في قاسيون، ولدينا عشرات الصور التي تبين اهتراء السواقي وبوابات التوزيع، ويضاف إلى ذلك سوء التوزيع في كميات المياه ودخول المحسوبيات لبعض المسؤولين المتنفذين على الخط لمد سواقي إلى أراضيهم غير المدرجة في الخطة أو إلى أراضي الدولة التي يحاول البعض بما يملكون من نفوذ الامتداد إليها على حساب ما أنجز، مما يؤثر على نسبة تدفق المياه وتتحملها مديرية الصيانة والتشغيل.
أما القطاع الثالث في ناحية موحسن، فقد أنجزت سواقي الري والطرقات بطريقةٍ متقدمة وأحدث من السابق، لكن القسم الثاني من الاستصلاح وهو الصرف عبر خنادق مكشوفة وآبار سحب المياه، لم يكن موافقاً وبمستوى القسم الأول، وخاصةً في بعض المناطق ذات النفوذية القليلة في التربة، فجرى تطبيق طريقة الصرف المغطى التي أعدتها شركة جيرسارسيت الفرنسية، لكن تلاعباً حصل في الدراسات التي أعدت، ومنها مثلاً أنّ المسافة بين خطوط الصرف المفلتر كانت ثلاثين متراً، فأصبحت 100 متر، وأن منسوب الميول في الخطوط لم ينفذ بشكل صحيح رغم أنه جرت محاولة لتفعيلها بضخ مياه فيها، لكن لم تغير في الأمر شيئاً، وهذا يطرح مسألة تنفيذ الفلاتر التي لم تتم بطريقة صحيحة مما جعل نسبة التصريف إلى آبار التجميع قليلة جداً، ولا تساوي في أحسن الأحوال سوى أقل من 20% فقط مما هو مقرر، ويضاف إلى ذلك الفوضى التي حدثت نتيجة هروب المتعهد الأول والتي وقعت فيها شركة المشاريع المائية المنفذة الحالية فرع الرقة، والهدر في المواد التي نقلت إلى مستودعات مديرية الصيانة والتشغيل المشرفة على المشروع.
ومن المستغرب استلام المشروع استلاماً أولياً دون دراسة مدى الفعالية العملية التي يثبت الواقع الحالي وبالعين المجردة سوء التفيذ، ويلحق ذلك عدم تسوية الأرض.. كل ذلك يتطلب المعالجة والمحاسبة الفورية، فقد كلف ذلك الدولة أموالاً كبيرة ذهبت هدراً أو إلى جيوب الفاسدين نتيجة الإهمال، كما سيترتب على المواطنين سداد أجور ري واستصلاح لم تكن بالمستوى المطلوب!؟
وفي المشروع السادس على الضفة اليسرى من نهر الفرات- منطثة البوكمال، يبرز التعثر في التنفيذ وسوء العمل والتأخير، وهذا ما دفع الكثير من الخبرات من مهندسين وفنيين لترك العمل إما إلى خارج البلاد وإما إلى القطاع الخاص..
فأين الجهات الإشرافية المحلية أو المركزية من كل ذلك؟ ولماذا هذا السكوت وعدم محاسبة المسؤولين، رغم الشكاوى العديدة المقدمة إلى المديرية العامة لاستصلاح الأراضي التي تتجاهل الأمور كأنما عن عمد، وكذلك الشكاوى المرفوعة لوزارة الري والتي لا يجري متابعتها بجديةٍ واهتمام رغم أنه كتب عن ذلك الكثير!؟
إنّ إنجاز مشاريع الاستصلاح ليست قضية هامشية أو ثانوية، بل هي قضية تتعلق بأمن الوطن الغذائي والاقتصادي، لذلك لا يجب التهاون في إنجازها.