جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

مجلس الوزراء يبحث تخفيض سعر صرف الليرة.. أهكذا ستواجه الحكومة السورية الأزمة الاقتصادية العالمية؟

تتوالى الإجراءات والقرارات والمقترحات الحكومية التي لم تقدم للمواطن سوى المزيد من الإرهاق والشعور بالغبن والقلق، ولم تؤدّ إلا لزيادة أعبائه الحياتية وتراجع مستوى معيشته، ويبدو أن القائمين على هذه السياسات من الفريق الاقتصادي وأعوانه داخل جهاز الدولة وخارجه، مستمرون في مسيرتهم النيوليبرالية التي أنهكت الاقتصاد والمجتمع دون توقف، حيث يقوم مجلس الوزراء حالياً بدراسة مقترح مقدم من وزارة الصناعة يدعو إلى تخفيض سعر صرف الليرة، والذريعة المعلنة لهذا الاقتراح هو «دعم الصادرات الصناعية السورية وإكسابها قدرة تنافسية في الأسواق العالمية».. وهذا المقترح الذي يضاف لجملة قرارات وإجراءت سبقته، فيما لو تم الأخذ به، ستكون له نتائج وخيمة على البلاد اقتصادياً واجتماعياً..
وللإضاءة على هذا الموضوع، التقت قاسيون بعض الاختصاصيين، وكانت الحوارات التالية:

د. إلياس نجمة: يجب أن نكون حذرين جداً في كل قرار نأخذه..
• رفعت وزارة الصناعة مقترحاً يدرس حالياً في مجلس الوزراء يطالب بتخفيض سعر صرف الليرة السورية.. ما هي الانعكاسات المحتملة لهذا التخفيض في حال إقراره، على الاقتصاد الوطني وعلى مجمل  الأوضاع الاجتماعية للمواطنين السوريين؟
من يطالبون ويسعون لتخفيض سعر صرف الليرة يعتقدون أنه هذا الإجراء يمكن أن يشجع الصادرات، ويمكن أن يشغل المعامل التي تعتمد في تصريف إنتاجها على التصدير، ولكن هناك تجارب عالمية في هذا الإطار يجب قراءتها ودراستها للوقوف على نتائجها قبل الشروع بالتخفيض، فأمريكا حين خفضت الدولار لم تستطع زيادة صادراتها لأنها لم تكن  تملك فوائض للتصدير، أي ليس لديها طاقة تصديرية إضافية مرتبطة لتستفيد من سعر الصرف.. إن المسألة برأيي أعقد من ذلك. ثم إن تخفيض سعر صرف الليرة سيساعد في زيادة أسعار المستوردات وذلك وفقاً لتقديرهم هم أنفسهم أيضاً، وهو إن كان سيعطي تنافسية للمنتجات المحلية في السوق الداخلي، وهذا صحيح، لكن من طرف آخر كل المواد الأولية المستوردة من الخارج سترتفع أسعارها أيضاً إذا انخفض سعر صرف الليرة السورية، وبالتالي فإن هذه المسألة حساسة، ويجب أن تدرس بعمق وروية، ولا أعتقد أن وزارة الصناعة وغيرها مؤهلة لتبحث بهذه القضايا الاقتصادية والنقدية بمعزل عن إسقاطات مثل هذا القرار على كل القطاعات الاقتصادية.
• بالعموم، ما هي الآثار التضخمية التي يمكن أن تنتج عن هذا القرار إذا ما صدر؟
حسب النظرية التقليدية، فإن كل تخفيض لسعر النقد سيؤدي إلى زيادة سعر المستوردات وزيادة كلف إنتاج ما هو معتمد على المستورد، وبالتالي كل الدول تخشى من تخفيض أسعار النقد. وأرى أننا الآن في أزمة كبيرة، ويجب أن نكون حذرين جداً في كل قرار نأخذه.
• في ظل الأزمة الرأسمالية المتصاعدة والمتفاقمة، هل اللجوء لمثل هذه القرارات صحيح علمياً واقتصادياً؟
برأيي أن هناك تسرعاً واضطراباً، وبما أن واقع الأزمة العالمية ليس واضحاً في سورية، فإنه يجب أولاً أن نوصف الأزمة وإسقاطاتها على بلدنا، وفي ضوء ذلك يمكن أخذ القرارات المناسبة للتعامل معها، وحسب علمي فإن المسؤولين الاقتصاديين في سورية لم يتفقوا حتى الآن على تصور موحد لحجم الأزمة، وما أرجوه من الحكومة هو أن يوصفوا الأزمة ويحللوا آثارها وإسقاطاتها على سورية، وأن يبلوروا تقديرهم وتوصيفهم لتأثيرها على اقتصادنا. ولذا فمن غير الممكن الآن التعامل مع الأزمة واتخاذ إجراءات كفيلة بدرء آثارها على الاقتصاد السوري قبل القيام بما أشرنا إليه.
إننا نعيش الآن أزمة مضاعفة، وقد بدأت الأزمة في سورية عملياً في 1 أيار 2008، وبالتالي فإن آثار الأزمة العالمية جاءت إضافة لآثار الأزمة التي افتعلناها نحن في أيار الماضي حين رفعنا أسعار المشتقات النفطية، فهي التي أضرت بالصادرات الصناعية السورية نظراً لتراجع تنافسيتها بسبب تزايد الكلفة الناجمة عن زيادة أسعار المشتقات النفطية، والتي أدت إلى زيادة تكلفة الإنتاج الوطني، فقد زاد ذلك من التضخم بعد زيادة الأجور، وارتفعت عناصر التكلفة كلها من مواد أولية ويد عاملة.. الخ، وبهذا أصبحت تنافسية المنتجات السورية أقل بسبب زيادة الكلفة.
إن ما قمنا به من إجراءات أصاب الاقتصاد السوري بالركود أكثر بكثير من إسقاطات الأزمة العالمية وتداعياتها.
••
 إبراهيم اللوزة:القرار سيكون له تأثيرات شديدة السلبية على مستوى معيشة السوريين
• ما مدى صوابية تخفيض سعر صرف الليرة السورية في هذه المرحلة التي تشكل أبرز ملامحها الأزمة الكبرى التي تعصف بالرأسمالية؟
إن هذا القرار سيكون له تأثيرات مباشرة شديدة السلبية على مستوى معيشة كل مواطن سوري، وعلى الصناعة الوطنية بالقطاعين الخاص والعام، ولن يستفيد منه إلا الذين هرّبوا الأموال المنهوبة من سورية ثم حولوها إلى دولارات، فهذا التخفيض سيعطي هؤلاء أرباحاً إضافية هائلة على الأموال التي نهبوها، كما إن قسماً كبيراً من فروق سعر الصرف ستذهب إلى جيوب بعض التجار على حساب الشعب والوطن، فعندما يرتفع الدولار على حساب الليرة السورية سترتفع أسعار جميع المواد المستوردة والمصنعة داخل البلد، لذلك على الحكومة التفكير الجدي بتخفيض التكلفة الصناعية قبل التفكير برفع أسعار الدولار، وهذا الموضوع مهم جداً ويجب مشاركة الاتحاد العام لنقابات العمال بنقاشاته لأن العمال هم أول من يتأثروا بهذه الإجراءات، وكذلك اتحاد الفلاحين لأن أضراراً كبيرة ستلحق بالزراعة والمزارعين، وباعتبار أن القرار خطير للغاية، يجب التحضير لحملة واسعة لمواجهته، فالحكومة ليست لديها ولا تملك المعلومات والبيانات الكافية لاتخاذ قرار كهذا، وكان عليها الأخذ بآراء كافة الاقتصاديين الوطنيين الذين تهمهم حياة الوطن والمواطن قبل التفكير بإجراء كهذا..
• اقتراح كهذا.. هل هو أولوية للاقتصاد والمجتمع؟
الأولوية في هذه الظروف تكمن في تأمين الحياة الكريمة لأبناء الوطن، حتى تتكامل المواقف الداخلية مع المواقف الخارجية المشرفة، وبالتالي فالمطلوب هو حل مشكلة البطالة ومحاربة ومكافحة الفساد ومحاسبة كل مسيء والعمل على تطوير الصناعة الوطنية، عبر تخفيض التكلفة الإنتاجية وليس على أساس رفع الدولار، لذا فإن التريث في اتخاذ قرار كهذا أفضل بكثير من السرعة في تبنيه، لكن الحكومة أصبحت وكأنها مؤسسة اقتصادية تابعة للبنك الدولي، فكل ما يأتيها من أوامر تنفذها فوراً!! على الحكومة ترك وصفات البنك الدولي وصندوق النقد، والاعتماد على الكوادر الوطنية الاقتصادية الذي تهمها المسألة الوطنية والموقف الوطني، وفي هذه المناسبة أدعو إلى عقد مؤتمر للاقتصاديين الوطنيين لتصويب الاعوجاجات الخطيرة في السياسة الاقتصادية السورية لتواكب الصمود الوطني الحاسم والقوي في جميع المحافل.
• ما هي انعكاسات اقتراح تخفيض سعر صرف الليرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الطبقة العاملة بشكل خاص؟
الاقتراح خطير جداً، وسيكون له تأثيرات سلبية كبيرة على حياة الشعب السوري بأكمله، فالصناعة الوطنية بحاجة إلى دعم. العمال في المعامل بحاجة إلى الاستمرار في الوجبة الغذائية والطبابة المجانية، ويجب الإبقاء على الحوافز وزيادتها خاصة وأن البعض يحاول إلغاءها.. على نقابات العمال مناقشة الموضوع بشكل جيد لأنه يمس بمكتسبات العمال، ورفض كل ما من شأنه الإساءة للعمال ولحياتهم وحياة أبنائهم.
إن هذه الحكومة فقدت مصداقيتها لدى الشعب السوري ولدى العمال على وجه الخصوص، ولم تعد سياساتها وإجراءاتها مقبولة، فقد أصبحت توجهات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كسيف مسلط على أعناق العمال.
على الحكومة مراجعة نفسها على كل الإجراءات والقرارات التي أصدرتها اقتصادياً واجتماعياً، وإلا فيجب محاسبتها على كل ما فعلته وتفعله لأنه لم يفد الشعب بشيء، بل أنزل به وبالاقتصاد الوطني وبالوطن عموماً خسائر كبيرة، وعلى الجميع أحزاباً وطنية وهيئات ومنظمات وأفراد الوقوف ضد هذه السياسات، وهذا يشمل أحزاب الجبهة فعلى ممثليها في اللجان الاقتصادية المختلفة المساهمة في هذه المواجهة، وإني أرى أن على القيادة القطرية أيضاً التدخل لإيقاف الحكومة عند حدها..
وأؤكد أخيراً أن صوت العمال وصوت الاتحاد العام لنقابات العمال سيبقى مرتفعاً ضد كل قرار لا يصب في صالح الطبقة العاملة، وأقول للحكومة: عليك بمراجعة صادقة مع نفسك حتى يصالحك الشعب، وإلا فالحساب آتٍ.
••

د. نبيل مرزوق: يجب أن ننتهي من إصدار القرارات في الغرف المظلمة!
د. نبيل مرزوق أكد لقاسيون أن تخفيض سعر صرف العملة، هو إجراء متبع في أغلب الدول لكسب قدرة تنافسية في السوق العالمية، ولكنه بالتأكيد ليس أولوية في سورية، خاصة وأن صادراتنا الصناعية محدودة جداً.. مبيناً أنه في المرحلة الحالية ليس هناك مشكلة بسعر الصرف بقدر وجود مشكلة بالقيمة الإجمالية والآلية المتبعة.. أما البحث فيما إذا كان سعر الصرف متناسباً أو غير متناسب فهذا  بحاجة إلى دراسة معمقة خصوصاً أنه ليس هناك من يتحدث في هذا الاتجاه سوى أصوات البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين يدعوان إلى تخفيض سعر صرف الليرة..
ورأى د. مرزوق أن ما يجب البحث عنه هو مكونات عنصر التكاليف فيما يتعلق بالطاقة وإنتاجية العمالة وغيرها من الوسائل التي تؤدي إلى نقص في التكلفة وإمكانية زيادة تطوير التنافسية في الصناعة المحلية. وأكد أن خفض سعر الصرف سيؤدي دوراً بارزاً في زيادة التضخم، وفي تخفيض القدرة الشرائية لليرة، وهذا ما سيزيد الأعباء المعيشية على المواطن السوري، مشدداً على وجوب القيام بنوعين من الدراسات قبل التخفيض، الأولى لتحديد القيمة الشرائية لليرة في السوق المحلية، ومن ثم مقارنتها بسلة من العملات من حيث قيمتها الشرائية، حيث أن الليرة السورية تعرضت إلى تخفيضات كبيرة عبر السنوات السابقة، وجزء كبير منها غير صادر عن أسباب اقتصادية، بل من المضاربات وحمى جمع القطع الأجنبي وتهريب الأموال إلى الخارج، والدراسة الثانية يجب أن تبحث في نتائج تخفيض العملة على الأسعار والأجور، فعندما يكون هناك عجز في الميزان التجاري أي دين خارجي بالقطع الأجنبي، يدفع إلى زيادة التصدير السلعي للخارج لتعويض نقص القطع الأجنبي وهذا يسبب بشكل طبيعي انخفاض سعر الصرف.
وحول توقيت بروز مثل هذه الاقتراحات في ظل تفاقم الأزمة الرأسمالية الحالية، وهل يمكن اعتبارها  إحدى سبل مواجهتها، أكد مرزوق أن مقترحات كهذه لا يمكن أن تعد قرارات ذات جدوى في مواجهة الأزمة، وإذا ما كانت بعض الدول الرأسمالية الغارقة بالأزمة تحاول بمثل هذه الطرق الخروج منها، فإنني أؤكد أن الأزمة أزمة بنيوية ولا يمكن تجاوزها بإجراءات مالية، فالمشكلة ليست بالسيولة وأسعار الفائدة، بل لها علاقة بالتطور في قطاعات الإنتاج وفائض القيمة وتوزعه..
وحول الآثار السلبية لهذا القرار فيما لو تم اتخاذه على النشاط الاقتصادي الاجتماعي السوري. قال: طبعاً هذا مرتبط بالدرجة بالأسعار، فالزيادة في الأسعار يعني زيادة في التضخم وهذا ينعكس على السوق وعلى مستوى القوة الشرائية للمواطنين..
وعن إصدار قرار كهذا هل هو من صلاحيات مجلس الوزراء وحده، أم يجب الأخذ برأي جهات فاعلة أخرى كالأحزاب والنقابات والأخصائيين، وأهمية دراسته والتعمق فيه قبل إصداره، أكد د. مرزوق آسفاً أن الكثير من القرارات المصيرية في بلدنا ما تزال تُتخذ ويُتفق عليها ضمن الغرف المغلقة، دون أن تشارك في اتخاذها الفعاليات المجتمعية أو الاختصاصين.. وهذا غير صحيح إطلاقاً..