عناصر الطلب النهائي وأثرها على النمو الاقتصادي (2) القوى العاملة
(دراسة أنجزت في معهد التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دمشق بإشراف د.أنترانيك توماس ود.أديب كولو )
يستمد العامل البشري أهميته في عملية التنمية لا من كونه مصدراً للقوة المحركة فقط وإنما لما يتمتع به من صفات أساسية في مجالات المعرفة والخبرة والمهارة والتدريب, ومدى ملائمة هذه الصفات لعملية الإنتاج خدمةً لأي اقتصاد.
والقوة البشرية هي العامل الأساسي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحرك الأساسي لمفهوم إعادة الإنتاج وذلك انطلاقاً من دورها في الحركة الأساسية للاقتصاد الذي هو تكرار لعملية الإنتاج المتمثل في مراحله الثلاث: الإنتاج، إعادة التوزيع، الاستهلاك. وكون المحرك الأساسي للاقتصاد هو الاستهلاك كان لابد من حساب معدلات نمو حجم قوة العمل للفئة العمرية بين 15 – 65 كمحفز فاعل للعملية الاستهلاكية ولمعرفة دورها وأثرها في الاقتصاد السوري في فترة الدراسة 2000 – 2006 انطلاقاً من التركيب السكاني في المجتمع وهيكل القوى العاملة فيه.
وتضم قوة العمل عادة جميع الأفراد الذين يساهمون فعلاً بجهودهم الجسمانية أو الذهنية لأداء أي عمل يتصل بإنتاج السلع أو الخدمات وتقسم إلى:
- المشتغلون وهم الأفراد الذين يباشرون عملاً مثمراً لصالح أصحاب العمل, والأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص, والمستخدمين بأجر أولئك الذين يعملون دون أجر.
- المتعطلون: ينقسمون إلى قسمين متعطل سبق له العمل ومتعطل لم يسبق له العمل.
والمؤشرات الكمية للدراسة تشير إلى أن معدلات نمو حجم قوة العمل خلال فترة الدراسة 2000–2006 هو: (2.33 %) وبلغ معدل الزيادة في نمو حجم قوة العمل خلال الفترة نفسها (7.36 %). وبلغ معدل نمو المشتغلين (1.4 %) ومعدل الزيادة في نمو المشتغلين (7.56- %). الملاحظ هنا أن وتيرة نمو عدد المشتغلين أبطأ من وتيرة نمو حجم قوة العمل وهو مايزيد عدد العاطلين عن العمل، والذي يترك آثار سلبية على المستوى الاقتصادي والذي سيقود تفاقمه إلى تداعيات أكثر تعقيداً على المستويات الاجتماعية وغير الاجتماعية.
وأما نسب البطالة فقدرت في الدراسة بعد استثناء كل من طلاب الفئة الثانوية وما بعدها والمشتغلين في القطاع المنظم والمشتغلين في القطاع غير المنظم، وكانت لسنوات الدراسة 2006، 2005، 2004، 2003، 2002، 2001، 2000 على التوالي (26.82 %)، (24.29 %)، (24 %)، (31.17 %)، (34.26 %)، (29.23 %)، (28.78 %).
أما معدل نمو حركة القوى العاملة بين قطاعات الإنتاج بفرعيه المادي وغير المادي، فكانت خلال الفترة الدراسة 2002-2006 بالنسبة لقطاع الزراعة (11.48- %)، الصناعة (2.99 %)، قطاع البناء والتشييد (0.57- %). وبالتالي بلغ مجموع معدل نمو حركة القوى العاملة في قطاع الإنتاج المادي (4.66- %). أما قطاع الإنتاج غير المادي فكان: التجارة والفنادق والمطاعم (0.02 %)، وفي قطاع النقل والمواصلات (6.8 %)، وفي قطاع الخدمات الأخرى (7.28 %). وبالتالي بلغ مجموع معدل نمو حركة القوى العاملة في قطاع الإنتاج غير المادي (5.13 %).
نستطيع تلمس تأثر القوى العاملة بعناصر الطلب النهائي الفاعلة في الاقتصاد الوطني من خلال:
أ- تحول القوى العاملة: نجد تحولاً كبيراً في القوى العاملة من قطاع الإنتاج المادي وخاصة الزراعة وهذا القطاع المنتج لمواد أولية ضرورية لصناعات كثيرة تساهم في زيادة القيمة المضافة. حيث بلغ معدل نمو العمالة في قطاع الزراعة الحيوي (11.48- %) للفترة 2002- 2006 أما معدل نمو العمالة في قطاع الإنتاج المادي بلغ (4.66- %), ووصل معدل نمو العمالة في قطاع الإنتاج غير المادي إلى (5.13 %) وكان لقطاع الخدمات الأخرى الحصة الأكبر من تحول القوى العاملة حيث بلغ معدل النمو (7.28 %). كان لهذا التحول في القوى العاملة من قطاع الإنتاج المادي إلى قطاع الإنتاج غير المادي اثر كبير على ضعف العملية الإنتاجية وتحول المجتمع في سورية إلى مجتمع استهلاكي لتغطية الحاجة المتزايدة من الطلب على المواد الاستهلاكية والتي لم يكن تأمينها اعتماداً على تطور الإنتاج بل كان اعتماداً على الاستيراد الذي ارتفعت نسبته في فترة الدراسة.
ب- البطالة المرتفعة: يشير نمو الفجوة بين معدل نمو قوة العمل ومعدل نمو المشتغلين سنوياً خلال الفترة المدروسة إلى أن معدلات البطالة ستأخذ منحى متزايداً باطراد في الفترة المستقبلية القريبة وذلك بناءً على معدلات البطالة الوسطية خلال فترة الدراسة والتي بلغت (28.36 %) ومما سيؤدي إلى تراكم جديد في عدد القادمين السنوي إلى سوق العمل الذي سيفاقم مشكلة البطالة وهذا ما يظهره كل من:
معدل النمو المشتغلين خلال الفترة المدروسة والذي بلغ (8.35- %).
معدل النمو الإجمالي لحجم قوة العمل خلال الفترة المدروسة والذي بلغ (5.61 %).
معدل نمو الوافدين إلى سوق العمل من حجم القوة العاملة خلال الفترة المدروسة (7.36 %) .
معدل نمو الزيادة بعدد المشتغلين خلال الفترة المدروسة (7.56- %).
إن ارتفاع معدلات البطالة إلى هذا المستوى (28.36 %) يؤدي إلى خلل في التركيبة الاجتماعية ناتجة عن شبه انعدام لفرص العمل لفئات واسعة من الشباب المنتج الذي يظهر أثره على أرض الواقع في اتجاهين.. الأول: ازدياد معدلات الهجرة الداخلية والخارجية وما له من تأثير سلبي على الاقتصاد والمجتمع، أما الثاني فيتمثل بارتفاع معدلات الجريمة التي بدأنا نتلمسها كأفراد على المستوى الشخصي في معظم تحركاتنا وكمجتمع بدأ يتخوف من سرعة ارتفاع معدلاتها.
أي أن كل عاطل عن العمل هو تفويت لفرصة إنتاجية هي ليست إلا خسارة لجزء هام من الحجم الكلي لناتج المحلي الإجمالي الذي سينعكس على باقي المنظومات.
ج - التركيب الهيكلي للعمالة: أدى غياب المردود المادي الملموس لدى العمالة في قطاعي الزراعة والصناعة وغيرها من قطاعات الإنتاج المادي إلى انتقال أعداد كبيرة من هؤلاء إلى القطاعات الإنتاج غير المادي مما أدى بدوره إلى تغير في التركيبة الهيكلية للعمالة السورية وتوزعها النسبي بين القطاعات. وماساهم في ذلك غياب الاستثمار الفعلي في القطاعات المنتجة. ففي الفترة المدروسة بلغت معدل نمو المشتغلين في قطاع الزراعة (11.48- %) والصناعة (2.99 %) وفي قطاع الإنتاج المادي بلغ معدل نمو المشتغلين (4.66- %)، وهذا ما يعتبر خسارة من حصة قطاع الإنتاج المادي (زراعة، صناعة..) كسبها قطاع الإنتاج غير المادي (الخدمات الأخرى) وبلغت معدل نمو حصته هذا القطاع من المشتغلين (5.13 %) بلغت حصة الخدمات الأخرى من إجمالي قطاع الإنتاج غير المادي من المشتغلين (7.28 %).
وبما أن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي والتي وصلت إلى (6.75 %) لم تترافق مع امتصاص للعمالة، فهذا يؤكد ضعف العلاقة بينهما الذي يعكس بالتالي اقتصاداً طبيعته استهلاكية في الفترة المدروسة، واستمراره في الفترة المنظورة القريبة ضمن الإطار الاقتصادي السائد في سورية.