هل ستتعلم سورية من التجربة المصرية؟
أممت مصر قناة السويس في صيف عام 1956، في رد قوي على (الشروط الاستعمارية) للبنك الدولي لبناء السد العالي، وكان بناء السوفييت للسد في حينه، واحداً من تعبيرات ميزان القوى الدولي المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، والذي انعكس في اصطفاف قوة إقليمية هامة هي مصر..
في السبعينيات حصل السادات على قرض من صندوق النقد الدولي، وبدأ على إثره سياسة الانفتاح الاقتصادي، لتتجلى في مصر معالم ترسخ أدوات الاستعمار الحديث بواحدة من أهم أدواتها وهي سياسة الإقراض. جرى ترسيخ النموذج الرأسمالي التابع الذي انتقل من الانفتاح الاقتصادي إلى النيوليبرالية في مصر مع مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، ومع كل توغل في الانفتاح والارتباط بمنظومة الاقتصاد العالمي، كانت عملية تحلل دور جهاز الدولة الاقتصادي في مصر تتوسع، لتزداد هيمنة القوى الاقتصادية المرتبطة بالغرب والتي يسميها سمير أمين المفكر المصري (برأسمالية المحاسيب أو الكومبرادور)، وتتعمق بالمقابل الأزمة في الاقتصاد المصري منتقلة إلى أزمة اجتماعية وسياسية، انفجرت في عام 2011، في إشارة إلى بدء الشعب المصري لإعادة التوازن وحل الأزمة في بلاد الـ 91 مليون نسمة، والتي يمتلك أغنى 10 أشخاص فيها أكثر من 23 مليار دولار، وهو أكثر من 3 أضعاف ما يحصل عليه سنوياً قرابة 18 مليون مصري من أفقر الشرائح.
جولة للصندوق والصراع مستمر
اليوم، نجحت قوى رأس المال التابع في مصر بالتصعيد في مواجهة المصريين، وفرضت قرضاً جديداً من صندوق النقد الدولي، سيضاف إلى ديون مصر، التي أصبحت تتطلب أكثر من 98% من ناتجها المحلي الإجمالي ليتم سدادها!
والأهم أنها ستترافق مع حملة نيوليبرالية شعواء من الإجراءات الاقتصادية، ستلغي الدعم عن الوقود والكهرباء وتفرض ضرائب على المستهلكين، وتترك العملة المصرية للسوق، وتبيع شركات عامة في البورصة، وهي قد تؤدي سريعاً إلى انهيارات في العملة المصرية، وارتفاع كبير في المستوى العام للأسعار وانتقال كبير من الأجور للأرباح، وستنقل بذلك الأزمة الاجتماعية والسياسية في مصر إلى مستوى أعمق، تحت خطر الفشل الاقتصادي للدولة المصرية..
فإذا ما افترضنا أن لدى أصحاب القرار في مصر أوهام أو وعود ضيقة بالدولارات القادمة، فإن لصندوق النقد الدولي، أهداف واضحة في ظرف أزمة اقتصادية عالمية، تهدد بتفكيك الاتحاد الأوروبي، وتجبر أعلى الاقتصاديات العالمية نمواً على تخفيض توقعات وخطط نموها كما في الصين، وتخفض التجارة والنمو العالميين، وبالتالي لا يمكن أن تحقق لمصر إلا انتقالاً حاداً للتأثيرات السلبية، ستبدد أوهام النمو المنتظر كلها من دولارات الخارج..
«دفاع شرس»
تستمر المؤسسات الدولية المتشكلة على إيقاع الانتصار الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية في أداء دور المدافع عن المنظومة، وهي تدفع مصر إلى هاوية اقتصادية لا قرار لها، إن لم يتمكن المصريون من خوض معركتهم الديمقراطية الحقيقية، في مواجهة استعادة بلادهم من نير أتباع النيوليبرالية ممن يرهنونها للفوضى ويرهنونهم للجوع..
تنعكس الأزمة العالمية، بأحد جوانبها، في سرعة تشكل إطارات نجاة للغارقين الإقليمين الذين وتحت ضغط الوقائع يتجهون بسرعة أكبر للاصطفاف في بر الأمان بعيداً عن الغرب، وقريباً من الأبواب المفتوحة في الشرق، وفي بريكس..
فهل يكون قرض الصندوق لمصر والتصعيد الاقتصادي الذي يهدد الدولة والمجتمع المصري، فاتحة لتصعيد اجتماعي سياسي ينقلب على قوى الهيمنة؟!
وهل لدى سورية والقوى الاقتصادية المهيمنة والمستفيدة من الجوع والحرب، والمرتهنة والملتزمة بسياسات النيوليبرالية في قلب الكارثة الإنسانية السورية ما تتعلمه من تجربة مصر؟!
وذكّر..
سورية لم تقبل حلول صندوق النقد الدولي في الثمانينيات، بعد أن راقبت تجربة السادات الاقتصادية منذ منتصف السبعينيات، إلا أنها انجرت لاحقاً للانفتاح الاقتصادي مع توسع وزن قوى الفساد، وتوسع هيمنة النموذج الرأسمالي الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.. إلا أن سورية تراقب تجربة مصر اليوم في عالم متغير، قد يدفع مصر إلى الخروج من الحلقة المفرغة من الارتهان التي تدور فيها منذ السبعينيات، حتى لو مرت بأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة..
حتى اليوم لم ترضخ قوى الهيمنة السورية للوقائع التي تقول بأن أداءها الاقتصادي يساهم المساهمة الفعالة في تدهور الاقتصاد السوري، حيث لا يزال لديها الكثير من الأوهام عن نموذج اقتصادي ليبرالي في ظل أزمة عالمية، تهز قوى النهب العالمي في عقر دارها، ولا تترك للأطراف فرصة التقاط أنفاسهم، بل توظفهم للقيام باستكمال عملية التدمير الاقتصادي المباشر، في محاولة منها (لحرق الأرض) التي تخرج منها مرغمة..