الطلاب.. أحد أبرز المتضررين من السياسات الليبرالية
طلاب الوطن، هذه الشريحة الحاملة لواء التقدم والتطور، بأحلامها وأمانيها التي تبعثرت عند أولى عتبات المستقبل، والغالبية منهم حملوا هموم وأعباء الحياة وهم ما يزالون في ريعان الصبا، كيف تراهم يشقون طريقهم في وعورة الحياة وضنك العيش؟! كيف أثرت السياسات الليبرالية وتداعياتها القريبة والبعيدة على طلاب الجامعات؟ وما حجم هذا التأثير؟
من خلال سؤال الطلبة عن مدى التأثير السلبي الذي أوقعه الغلاء الفاحش على حياتهم كطلاب جامعات، كانت معظم إجاباتهم متشابهة، وأن سياسة الحكومة كارثة حقيقية تهدد مستقبلهم الدراسي، كما تهدد مستقبل البلاد ووحدتها نتيجة العبث بالأمن الاقتصادي – الاجتماعي نتيجة تردي الحالة المعيشية اليومية للشريحة الأوسع من الناس...
رفع الدعم.. المحطة الأخطر
قبل رفع الدعم عن المحروقات كان مصروف معظم طلاب الجامعات اليومي الذي يتقاضونه من أهلهم يكفيهم حد الكفاف فيما يتعلق بأجور المواصلات وشراء المستلزمات الخاصة بالدراسة من محاضرات ومقررات.
لكن بعد رفع الدعم، أصبح أكثر من 90 % من الطلاب موسوماً بالكآبة في جميع الأوقات، وبإمكان من يظن في ذلك مبالغةً النظر في وجوه الطلاب..
هؤلاء الطلاب أمسوا في حالة دائمة من عدم الاسترخاء، وبات معظمهم لا يتجرأ على دخول المقصف وشرب كوب من الشاي بعد عناء يوم طويل من المحاضرات. البعض منهم كان لا يتجرأ على طلب نوع من «الصندويش» الهزيل الذي يباع بالمقصف لإسكات الجوع، فكيف اليوم بعد أن ارتفعت أجور المواصلات بمعدل 100 % في بعض الخطوط؟ وارتفعت أسعار المشروبات في المقاصف بحجة ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز وبعض السلع الغذائية، ليرتفع سعر كوب الشاي من 10 ليرات إلى 20 ليرة سورية في أحسن الحالات، وسعر «الصندويشة» البائسة من 25 إلى 35 ل.س.
ماذا عسى الطالب الجامعي أن يفعله، بعد هذا الارتفاع الخطير بالأسعار الذي تعدى مصروف غالبيتهم بشكل كبير؟!
شهادة قاسية
أنس، وهو طالب من خان الشيح، وفرد من أسرة تتكون من خمسة إخوة منهم اثنان بالجامعة، والباقي بالمدارس، بالإضافة للوالدين، والده يعمل محاسباً بإحدى الشركات الخاصة، ووالدته ربة بيت، يقول: «بحكم أنني طالب بكلية الطب ودراستي تحتاج إلى التزام شديد، فهذا يمنعني من العمل لأصرف على نفسي، ويجعل والدي مضطراً ليخصص لي جزءاً من راتبه الشهري كمصروف مواصلات ومحاضرات ومقررات دراسية. قبل ارتفاع الأسعار كان مصروفي اليومي بحدود 50 ليرة يومياً، وكانت تكفيني لأجرة المواصلات من خان الشيح إلى كلية الطب، والتي تبلغ 30 ليرة يومياً ذهاباً وإياباً، وما تبقى معي كان يكفيني ثمن كوب شاي وقطعة معجنات بالمقصف الجامعي، كون دوامنا طويلاً ونحتاج إلى قسط من الراحة، وعليه فقد كان مصروفي الشهري يصل إلى 1500 ليرة من راتب والدي المتواضع. أما اليوم بعد أن ارتفعت أجرة المواصلات إلى الضعف وأصبحت 60 ليرة سورية، دون مصروف الاستراحة لاستعادة النشاط، فكيف سأتدبر أمري؟؟
ويضيف أنس أن أخاه طالب في كلية الآداب قسم التاريخ، ويحتاج للمصروف نفسه بالنسبة للمواصلات، ما جعله يعمل إلى جانب دارسته، كونه طالب تاريخ، ودوامه غير إلزامي، لتخفيف العبء عن راتب والده الذي يذهب جزء كبير منه مصروفاً على دراستهم، وهذا ما أثر بشكل سلبي على دراسته. هذا عدا عن أسعار المحاضرات والمقررات الدراسية التي يحتاجها الطالب.
وعندما سألناه عن مدى تأثير هذا الارتفاع على وضع الأسرة أجاب: أسرتي تضررت كثيراً، ووقعنا في أزمات حقيقية، وأحياناً أفكر أن دراستي أصبحت عبئاً كبيراً على أسرتي، ومصروفي الذي تضاعف أصبح يؤثر على مستوى معيشتنا اليومية، والذي هو متدنٍّ أصلاً، ما دفعني للتفكير ببعض الأحيان أن أترك دراستي وأعمل لأساعد والدي على إعالة الأسرة ورفع مستواها المعيشي.
شهادات أقسى
أما حسام طالب السنة الثانية في طب الأسنان، فيقول: «أنا طالب من مدينة حمص أدرس في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، إنني من أسرة تتكون من ثلاثة إخوة أنا أكبرهم، والبقية تلامذة بالثانوية، والدي لديه محل تكييف وتبريد يدر علينا دخلاً يؤمن لنا الحد الأدنى من احتياجاتنا كأية أسرة متوسطة الدخل في النسيج الاجتماعي السوري، مصروفي الشهري من والدي كان يعادل أربعة ألاف ليرة شهرياً، تتضمن مصاريف النقل والطعام وأجرة السكن، بالإضافة إلى ما أحتاجه من محاضرات للدراسة، أما الآن وقد تضاعفت كل المصاريف، فيلزمني على الأقل ثمانية آلاف ليرة سورية شهرياً، وهذا رقم كارثي لا يمكن تأمينه، وقد أضطر لترك الدراسة، واللجوء إلى سوق العمل الحر، وقد تكون هذه الخطوة هي المقصودة من كل مخططات فريقنا الاقتصادي، اللاهث وراء فتات السوق المنفلتة حتى في مجال التعليم».
هذا كلام الطالب حسام الذي يعتبر نفسه من أسرة متوسطة الدخل، كون والده يمتلك محلاًً لورشته الخاصة، والذي لم يختلف كثيراً بمضمونه عن كلام أنس الذي يعمل والده محاسباً في شركة صغيرة، وله ابنان في الجامعة أحدهما يساعده بالمصروف. المعاناة متشابهة نوعاً ما، لكنها هل تشبه معاناة طالب أسرته مكونة من سبعة أشخاص والدهم متوفى؟!!
يجيبنا فراس وهو طالب سنة ثانية كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية، من سكان القابون، فيقول: «أنا فرد من أسرة مكونة من سبعة أشخاص، ثلاثة شباب وثلاث بنات ووالدتنا. والدنا متوفى، نعمل أنا وأخي الكبير لإعالة أخواتي اللاتي ما زلن تلامذة مدارس، أخي الكبير الذي لم يكمل دراسته يعمل في ورشة للنجارة ويصرف على العائلة، وأنا أعمل دهاناً لكي أستطيع إكمال دراستي وأساعد أخي الكبير بإعالة الأسرة. وبعد ارتفاع الأسعار هذا، أشك أنني أستطيع إكمال دراستي، وربما سأضطر إلى التأجيل أو ترك الجامعة، لأنني بكل الحالات أرى أن استمراري في الجامعة يشبه عدمه، فمعظم وقتي أقضيه بورشة العمل، بشكل لا يبقي لي وقتاً للدراسة وحضور المحاضرات، «راسب راسب وخربانة خربانة».
بهذه الكلمات أنهى فراس كلامه وخرج من الباب الرئيسي للكلية مسرعاً خوفاً من أن يتأخر عن ورشته.
ضريبة كبيرة
محمد سنة رابعة أدب انكليزي اكتفى بالقول: «إن رفع الأسعار أثر بشكل كبير على مصروفنا اليومي، ويجب على الحكومة إعادة النظر بهذا الإجراء، لأنه يضر بنا كشريحة كبيرة من المجتمع، ومعظمنا ينتمي إلى أسر محدودة الدخل».
عند سؤالنا عن الحلول المقترحة لهذه الأزمات الخانقة التي وقع فيها الطلبة نتيجة ارتفاع الأسعار الذي تبع رفع الدعم، أجاب أنس: «الحل برأيي إما التوجه إلى سوق العمل، وهذا سيؤثر على دراستنا بشكل كبير، كون طلاب كلية الطب ملزمون بالدوام والبحث العلمي، أو أن تعيد الحكومة النظر بموضوع رفع الدعم، ولو على الأقل للطلبة من خلال تخفيض أجور المواصلات ببطاقات تخفيض، ووضع تسعيرة للمقاصف تحدد لهم الأسعار بما يناسب ميزانية الشباب المحدودة جداً». وقال أمين زميل حسام والذي يتشارك معه في السكن والهم المعيشي، كون ظرفيهما متشابهان: «لا يوجد حل غير تحديد الأسعار من الدولة بشكل يوازي مدخولنا كطلاب، يجب أن تكون لنا تسعيرة خاصة تراعي كوننا طلاب علم على الأقل».
ما رأي الفريق الاقتصادي؟
هذه نماذج من شكاوى وهموم الذين تجرؤوا على أن يتجاوبوا مع الحديث عن الموضوع، والكثير غيرهم رفض أن يتحدث، ومنهم من اكتفى بتعبيرات هزلية من نوع (ولك خربانة خربانة، يعني شو رح نساوي إذا حكينا؟ ما حدا رح يسمعنا، أحسن شي نبطل جامعة ونشتغل طنبرجية).
والسؤال: إلى متى سيبقى طلبة الوطن فريسة السياسات الاقتصادية الليبرالية الهدّامة للفريق الاقتصادي التي تهدد مستقبلهم الدراسي؟!!.