فوائد هامة للأزمة المالية العالمية!! (1 - 2)
يقال: «رب ضارة نافعة», ويمكننا القول: لابد أن يصح الصحيح والبقاء للأصلح..
مرت السنوات الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سريعة ومريرة على مليارات من سكان العالم, وبتناقضات عديدة وبصراعات كثيرة, وبانعدام ثقة كبير، وبتسليم من البعض مثير, فهناك الكثيرون الذين ساروا وراء الرأسماليين الجدد ومؤسساتهم الكثيرة دون أي تقييم أو مراجعة استمراراً للتبعية
ومنهم من رأى أن تحقيق المصالح الخاصة لا يمكن أن يكون إلا عن طريق اتباع تلك السياسات، ولو كانت على حساب الوطن. ومنهم من انقلب بشكل فجائي من الاشتراكية إلى الاقتصاد الحر بما يحمله من مآس اجتماعية واقتصادية كردة فعل وانتقام تاريخي, ومنهم من انتظر وما بدلوا تبديلاً.
وبقي في الساحة ضد هذه السياسات من رأى في هذه السياسات والانقياد لها فعلاً لا يتناسب مع بنية مجتمعاتهم الطبقية والاقتصادية والسياسية، لما تحويه هذه السياسات من عبودية واستعباد، ومن تهديم للبنيان القوي المتين, فالانقطاع التاريخي الذي تؤمن به وتعمل عليه القوى الغربية الامبريالية، هو الاستمرار الحقيقي لسياسات النهب والسلب، واستمرارية لسياسة التخلف والتخليف. وقد عانت هذه القوى من ضغوطات واتهامات وعرقلات ومعاناة، ولكنها استمرت بعنفوان، وبرؤية تاريخية تقول: إن البناء الصحيح الذي يعتمد على الأسس القوية لا يمكن أن يقوم إلا على الموارد الداخلية, وأية تنمية مستمرة ومتوازنة يجب أن تكون تنمية مستقلة بعيدة عن الإملاءات الخارجية، ولو كان الثمن غالياً, فشعبنا تعود على المواجهة والممانعة للقوى الغربية وللمشاريع التابعة لهم.
وجاءت الأزمة المالية الأخيرة لتؤكد صحة رؤية هؤلاء وعلى الرغم من سلبيات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي، ولكننا يمكن أن نستخلص منها بعض الفوائد التي تحققت لنا، ويمكن استثمارها لتصحيح السياسات القائمة:
- أثبتت الأزمة المالية الأخيرة أن مشكلة النظام الرأسمالي مشكلة بنيوية متمثلة في تكوين وفي سياسات النظام الرأسمالي وتطوره التاريخي, لا أزمة في القشور كما يحاول البعض أن يروج, فالتطور التاريخي للنظام الرأسمالي وصل إلى مرحلة التمركز القوي الرأسمالي لفئات قليلة تمتلك القرار الاقتصادي العالمي والقرار السياسي والاجتماعي، عن طريق سيطرتها على المؤسسات الدولية الاقتصادية والسياسية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة, وعن طريق سيطرتها على المؤسسات والشركات العالمية، بعد أن اخترعت الشركات المتعدية الجنسية لاحتكار النشاطات العالمية، وعن طريق السيطرة على البنوك والبورصات التي بنيت بتأن، وبما يخدم مصالحها، وبالتالي فإنه يجب على الجميع الارتباط بها عن طريق تهيئة اقتصادياتها للولوج إليها، وعن طريق السياسات اللاأخلاقية التي كانت المضاربات أهمها..
وبالتالي كانت الفائدة الأولى لنا أننا لم نلتحق كلياً بهذه المؤسسات الدولية التي لا تقترح ولا تفرض ولا تملي إلا السياسات الكفيلة بتهديم وتدمير البنى الأساسية للبلدان التي تسير وفق رؤيتها لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية وللسيطرة على جميع القرارات، وأنها كالنار لابد لها من إحراق كل من يقترب منها.
- إن ما يسمى بعولمة رأس المال كان من أخطر أنواع ما يسمى بالعولمة, فالاحتكارات العالمية والتي رأت أن تعظيم الثروة ومحاصرة الأعداء, يجب أن يكون عبر سياسات اقتصادية، بالإضافة إلى الإجراءات السياسية والعسكرية بعد أن أثبتت أن الغزو والحرب لا يحقق الغاية الكاملة, فكان هناك سياسات أدت إلى تخفيض سعر الدولار ورفع أسعار النفط، وبالتالي إلى تضخم عالمي, استفادت منه شركات النفط، وعبأت أغلب أمواله في الأسواق المالية بكميات تتجاوز القيمة الحقيقية للأصول بأضعاف مضاعفة, ولكن هذه السياسات أدت إلى انعكاسات سلبية على المستوى الداخلي للقوة الشرائية والتي انعكست بدورها على قدرة مواطنيهم على الوفاء بالتزاماتهم، وبالتالي حصلت أزمة القروض العقارية والتي تراكمت, ولكنهم لم يبالوا لأن هناك أموالاً ضخمة من غلاء النفط استثمرت عندهم وفي جيوب الأتباع، وبالتالي يجب سلبها، وكان ما كان، وما سمي بالعولمة المالية عاد وبالاً على من اتبعه، وبالتالي الارتباط المالي والنقدي بالمؤسسات المالية والنقدية العالمية هو تصرف غير مضمون النتائج.. وهكذا، فالفائدة الثانية التي منحتنا إياها الأزمة، عدم ربط اقتصادنا بالاقتصاد المالي العالمي، والحقيقة، يجب رفع القبعة احتراماً لكل من وقف ضد ربط مؤسساتنا ومدخراتنا المالية بهذه المؤسسات، ولكل من أبطأ في إقامة البورصة.. «ولو على لوح طبشور»!!.
- إن الأزمة قد أدت إلى فقدان ثقة العملاء بالنظام المالي، ولم تستطع الأموال التي ضخت في الأسواق معالجة الخلل، فزادت الخسائر، وأدى ذلك إلى قيام الدول الأوروبية الكبرى كألمانيا وبريطانيا وكذلك الولايات المتحدة بتأميم المصارف الكبرى على الرغم مما يعانيه هؤلاء من هذا المصطلح، وبالتالي الفائدة الثالثة كانت تجسيد وتكريس أهمية دور الدولة وتدخل الحكومة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وإن تقليص هذا الدور سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة اقتصادية واجتماعية.
- إن أي قرار لا يستند على قاعدة شعبية أخلاقية غير مبرر، ونتائجه وانعكاساته خطيرة، وبالتالي أي قرار لا يراعي المصالح العامة ويؤدي إلى التوازن والاستقرار، هو قرار مرفوض تجب مواجهته.
- كان هناك دور للمستثمرين الأجانب في خسائر الأسواق المالية في دول الخليج عن طريق الإسراع في البيع، كما كان لهم دور في المضاربات التي أدت إلى زيادة أسعار الأسهم بشكل غير طبيعي, وبالتالي هنا تثبت الرؤية التي كان ينادي بها بعض الأكاديميين بأن ليست كل الاستثمارات الأجنبية آمنة، وأن بعضها له دور غير اقتصادي، وإنما سياسي يؤدى حين الطلب.
- ثبت للجميع أن الاستثمار في الدول الغربية غير آمن، وبالتالي لافائدة من تهريب الأموال المنهوبة والمسلوبة أو الأموال الخاصة إلى الدول الغربية وخاصة أمريكا، لأنه لا يوجد حصانة لأموالهم، ويمكن إصدار قوانين تحتجزها، وبالتالي سوف يعيد الكثيرون حساباتهم، وهذه فائدة لصالح عودة الأموال من الخارج..