وسيم الدهان وسيم الدهان

الثلاثاء الاقتصادي يفتتح نقاش الخطة القادمة

د. الرداوي: نتطلع إلى نمو 8%.. وخطتنا متفائلة
د. سلمان: أولويات الخطة غير متوافقة مع الواقع
د. الحمش: أهملتم تحسين المستوى المعيشي
د. جميل: أين الخطة من الفقر والفساد؟.. وأي نمو نريد؟

خصصت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ندوتها الأولى هذا العام لفتح باب النقاش حول الخطة الخمسية الحادية عشرة مستضيفةً رئيس هيئة تخطيط الدولة د. تيسير الرداوي الذي بين في بداية حديثه أن التحديات التي تواجه إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة كبيرة وتتمثل بسبعة أساسية:
1 ـ الطلب المتنامي على فرص العمل في ظل قصور سوق العمل عن استيعاب فائض البطالة؛
2 ـ نقص الموارد المائية وضعف كفاءة استخدامها
3 ـ الطلب المتزايد على الطاقة
4 ـ والتفاوت التنموي بين المحافظات السورية
5 ـ عدم كفاءة وفاعلية النظام التعليمي وعدم توافقه مع متطلبات سوق العمل
6 ـ ضعف القطاع العام
7 ـ الضعف الإداري والمؤسساتي في سورية.

وأشار الرداوي تحت عنوان «إضاءة على الخطة الخمسية الحادية عشرة» إلى المنهجية الجديدة المعتمدة للإعداد للخطة الخمسية وكيفية التعامل معها وفق الإمكانات المتاحة والاعتماد على القدرات الذاتية في تنفيذ أهداف الخطة، ورأى أن سورية في عام 2025 ستصبح بلداً متنوعاً حيوياً ومزدهراً فيه مؤسسات فاعلة ويلعب دوراً مركزياً على المستويين الإقليمي والعالمي ويحقق تنمية متوازنة ومستدامة وعدالة اجتماعية ويحقق أيضاً توازناً بين اقتصاد السوق ومتطلبات العدالة الاجتماعية مع بقاء دور الدولة الأساسي في عملية توازن يتمتع فيها المواطن بوضع صحي وتعليمي واقتصادي متميز.
وتابع الردواي أن الهيئة بعد قراءتها للوضع الاقتصادي الراهن وضعت تصورات للوضع المستقبلي، حيث كان الهدف في البداية هو وضع رؤيا لسورية 2025، وستتم مناقشة هذه الرؤيا بين جميع مكونات الشعب السوري ولابد من الإجماع عليها لأنها تتعلق بمستقبلنا جميعاً، وقد حاولنا أن تكون رؤيا تحدد مواصفات البلد الذي سنعيش فيه عام 2025 وتحدد دوره على المستويين الإقليمي والدولي، ومكانته فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية واقتصاد السوق ومتطلبات العدالة الاجتماعية في ظل هذا الاقتصاد، وعلى دور الدولة عام 2025 وعلى حقوق المواطنين في التعليم والصحة، والهدف الثاني حسب الرداوي كان تقدير التحديات الأساسية التي يواجهها الاقتصاد السوري خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وبيّن رئيس هيئة تخطيط الدولة أن الخطة المزمع تقديمها خلال أشهر من الآن ركزت على سبعة تحديات، التحدي الأول والمهم هو الطلب المتنامي على فرص العمل في ظل قصور النشاط الاقتصادي وكيفية معالجة هذا الطلب، موضحاً أن نسبة طالبي العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 سنة تتراوح بين 20 و25% وهي مرشحة للازدياد في أفق السنوات الخمس القادمة، أما التحدي الثاني فهو نقص المياه وضعف كفاءة استخدام المياه، والتحدي الثالث الذي تتصدى له الخطة القادمة هو الطلب المتزايد على الطاقة الذي وصل حالياً إلى 8% منها 2.5% ناتج عن التزايد السكاني و2.5% من تغير أنماط استهلاك الكهرباء، والبقية ناتجة عن زيادة الطلب الصناعي، والتحدي الرابع كان حسب الرداوي التفاوت التنموي والتنمية اللامتوازنة بين المحافظات فبعض المناطق في سورية نمت بشكل جيد في حين بقيت مناطق أخرى على حالها، والتحدي الخامس كان عدم كفاءة وفعالية النظام التعليمي وعدم توافقه مع حاجات سوق العمل، والتحدي السادس هو ضعف القطاع العام، أما السابع والأخير فهو الضعف الإداري والمؤسساتي.

وفي الأهداف الكمية للخطة قال الردواي إن الهيئة تفكر بأربعة أسس تحدد التوجهات الإستراتيجية الكمية للخطة الخمسية الحادية عشرة؛ الأساس الأول هو تشجيع دور استثمارات القطاع الخاص في كل المجالات التي تخص إنتاج السلع والخدمات الخاصة، وتعزيز دور استثمارات القطاع العام في كل مجالات إنتاج السلع والخدمات العامة؛ والأساس الثاني: إعطاء أولوية عالية للاستثمار في الزراعة والصناعة من أجل رفع نسبة مساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم إصلاح التشوه القطاعي؛ وثالثاً إعطاء أولوية للاستثمار في التعليم والصحة؛ ورابعاً تكييف توجهات الإنفاق العام وفق معايير مفهوم التنمية المتوازنة والنمو المحابي للفقراء، وتابع الرداوي موضحاً أنه في ظل تصور لبرنامج إصلاح شامل قد يصل معدل النمو إلى 12% إذا كان هناك إصلاح جذري لجميع مرافق الاقتصاد السوري خلال السنوات العشر الماضية، ولكن إذا لم يكن هناك خطة فإن معدل نمو الناتج لن يتجاوز 3.7%، أما ناتج المعدل المتوقع من الخطة الخمسية الحادية عشرة فأوضح الرداوي أنها ستكون ما بين 7 و8%، وهذا يتطلب إصلاح التشوه القطاعي وأن تبلغ مساهمة الزراعة والصناعة في الناتج أكثر من 35%، وأوضح كذلك أن توقع رقم النمو هذا مبني على افتراضات عدة، منها أن معدل نمو الكتلة النقدية سيبقى على حاله بحدود 10% ومعدل سعر الصرف هو 46.5 ل.س ومعدل التزايد السكاني 2.4% ومعدلات الهطولات المطرية حسب متوسط السنوات الخمس السابقة والإنتاج النفطي 370 ألف برميل والتضخم بحدود 2%.
 
وتلا كلام رئيس هيئة تخطيط الدولة مداخلات وتعقيبات أبدى فيها عدد من الاقتصاديين آراءهم حول الخطة الخمسية السابقة واللاحقة، وفيما يلي أبرز ما جاء في المداخلات:
 
د. حيان سلمان: متى يصبح إصلاح القطاع العام في مقدمة الأولويات؟
رأى د. سلمان أنه من الأجدى التساؤل عن أماكن الخلل في الخطة العاشرة بدل التساؤل عن أماكن النجاح، وأعرب عن اعتقاده بأن «جوهر الخطة ضمن التحولات الاقتصادية الجارية يكمن في كلمتين: التركيز على الأولويات». وتساءل «لماذا قطاع الصناعة التحويلية هو الذي يجب أن يثوّر القطاعات الأخرى وهو المسؤول بالدرجة الأولى عن تعظيم القيمة المضافة وتشغيل اليد العاملة وتعديل الميزان التجاري..الخ، في حين ما  تزال نسبته من الناتج المحلي الإجمالي تتراوح بين 9 إلى 10%؟ (..) أعتقد أنه ليس هناك تطور أو تغيير عن الخطة الخمسية العاشرة»، وتابع د. سلمان موضحاً أنه لم يلحظ في موجز الخطة الذي قدمه رئيس هيئة تخطيط الدولة أي تغيير عن الخطة العاشرة، وأن التوجه غير الصحيح أو الدقيق في توجيه الاستثمارات ما زال موجوداً. وأشار د. سلمان إلى أن إصلاح القطاع العام بدأ مع الخطة الخمسية العاشرة وهي كانت خطوة تسجل للخطة، ولكن ونحن اليوم على أعتاب نهاية الخطة العاشرة، من المؤسف أن يكون إصلاح القطاع العام المهمة السادسة في الخطة الخمسية الحادية عشرة، فهذا يدل على عدم توافق الأولويات مع الواقع، وتمنى د. سلمان ألاّ ننتظر حتى الخطة الثانية عشرة حتى يكون إصلاح القطاع العام في مقدمة الأولويات.
 
د. منير الحمش: أين الخطة من مستوى المعيشة؟
بدأ د. حمش كلامه بالإشارة إلى عدم استطاعة الخطة الخمسية العاشرة تحقيق خططها وأهدافها، فالخطة العاشرة التي قيل إنها ترتكز على أساس اقتصاد السوق الاجتماعي إلاّ أن ما جرى خلال السنوات السابقة هو أن «إجراءات الحكومة وسياساتها أخذت الاقتصاد السوري بعيداً باتجاه اقتصاد السوق (..) فهل الخطة الخمسية الحادية عشرة ستأخذنا أبعد من ذلك، أم أنها ستقوم بعملية مراجعة للخلفية النظرية التي استند إليها الفريق الاقتصادي في تقرير سياساته الاقتصادية التي قال عنها رئيس الفريق الاقتصادي: إن الطائرة أقلعت وعليكم إما أن تلتحقوا أو أن تعيشوا بالحضيض؟»، وتابع د. الحمش: «إن التحديات التي أوردها الدكتور تيسير (الرداوي) لا شك أنها تحديات حقيقية، ولكنني لم أسمع بينها التحدي الأساسي الذي تعيشه جماهير الشعب السوري وهو تحدي مستوى المعيشة، والتراجع الكبير الذي أحدثته سياسات الفريق الاقتصادي في مستوى معيشة الفرد ومستوى معيشة الشعب (..) ونجد هذا التحدي اليوم بطوابير ما يدعى استمارات المازوت التي تعتبر بحق إهانة لمجموع الشعب في سورية»، وأنهى د. الحمش مداخلته بالسؤال: «ما الخلفية النظرية التي ستعتمد في إقرار الخطة الخمسية الحادية عشرة؟ وهل سيقال أيضاً اقتصاد السوق الاجتماعي وسنذهب مرةً أخرى بعيداً باتجاه اقتصاد السوق واقتصاد المهانة والوحشية واقتصاد طوابير المازوت؟».

د. قدري جميل: إما قبرنا الفقر والفساد أو فقدنا الأمل بالقتال ضدهما!
بدأ د. جميل مداخلته بالتأسف لحال «واضعي الخطة الخمسية الحادية عشرة لأنهم استلموا وضعاً أسوأ مما استلمه واضعو الخطة الخمسية العاشرة»، وطرح د. جميل مثالاً على ذلك بأنه حين كان النقاش دائراً حول الخطة الخمسية العاشرة «كان خط الفقر الأدنى 11% وخط الفقر الأعلى 30%، وكان من أهداف الخطة العاشرة ليس قبر الفقر وإنما قبر جزء من أرقامه، إذ كان من المطلوب تخفيض نسبة خط الفقر الأدنى إلى 8%، وخط الفقر الأعلى 24%، ولكن أين نحن الآن؟ وإلى أين نحن متجهون؟ (..) الحد الأدنى للفقر رسمياً هو اليوم 12% وهي حسب اعتقادي أعلى، وكذلك تطور خط الفقر الأعلى ولم ينخفض وليس هناك رقم رسمي دال على نسبة تطوره، والمطلوب توضيح هذه الأرقام غير الواضحة ليتم تقييم نتائج الخطة الخمسية الحادية عشرة على أساسها بحيث يمكن لنا شكر واضعيها لاحقاً على تخفيض نسبة خط الفقر الأعلى من 34% مثلاً إلى 30%». وتقدم د. جميل بسؤال آخر: «ما النقطة التي يتم الانطلاق منها لتحديد رقم النمو؟» وهنا ذكّر د. جميل الحضور بأن الرقم الذي كان يدور النقاش حوله حين وضع الخطة الخمسية العاشرة لمواجهة التحديات المنتصبة أمام سورية خلال فترة زمنية متوسطة هو 12% كحد أدنى، وتابع: «إن التخطيط ينطلق من الحاجات، من الضرورة، وليس من الإمكانية، فالذي يحدد رقم النمو المطلوب هو الضرورة لذلك فالسؤال هنا: إلى متى سينتظر الشعب السوري كي ينتهي من الفقر كظاهرة؟ (..) هل يمكن أن نقول للشعب السوري انتظر 50 عاماً لتحل قضية الفقر؟ لا أعتقد أن هذا ممكن!». وأعرب د. جميل عن استغرابه بأن التحديات الكبرى التي رأى رئيس هيئة تخطيط الدولة أنها الأهم لم تتضمن الفقر أو الفساد، «إما قبرنا هذين التحديين أو أننا فقدنا الأمل بالقتال ضدهما!! وأعتقد أن الفقر ما زال يمثل تحدياً كبيراً والعمل ضده يتطلب أرقام نمو مرتفعة». وأنهى د. جميل مداخلته بالتوضيح أن كل رقم نمو يتطلب موارد متسائلاً عن مكان المشكلة في الخطة العاشرة، وهي حسب قوله تكمن في أن الخطة العاشرة عندما وضعت في أهدافها رقم نمو 7% فإنها بحثت عن الموارد في الخارج بدل البحث عنها في الداخل، وبين د. جميل أن ذلك جرى بإغفال أن «هناك توظيفات استثمارية سلبية وهناك توظيفات إيجابية، فهناك توظيفات إنتاجية تستطيع خلق نمو إيجابي كما يوجد توظيفات تخلق فقاعات، والذي حدث في سورية أنها استقطبت التوظيفات التي تخلق فقاعات نمو ما انعكس على أسعار السلع الأساسية، ولذلك فإن السؤال الذي يجب طرحه اليوم في ظل الأزمة العالمية هو: إلى أي مدى يمكن التعويل على الاستثمارات الخارجية؟». واستناداً إلى ذلك رأى د. جميل أن الإمكانية الوحيدة لتمويل النمو اللاحق في سورية تكمن في «الاعتماد على الموارد الداخلية وهي موجودة في الفساد الذي يلتهم من 20 إلى 30% من الناتج الوطني، وإذا استطعنا التخلص من الفساد واستعادة ما يلتهمه إلى الدورة الاقتصادية فإننا سنؤمن نمواً مرتفعاً بكل تأكيد وإلا فإن الأمر سيبقى كما كان في الخطة العاشرة كلاماً في كلام».

سوسن زكزك: كيف سيتم إشراك المجتمع في تقييم الخطة دون وجود قانون أحزاب؟
تساءلت السيدة زكزك عن سبب اقتصار الإشارة في الخطط الخمسية إلى التنمية البشرية بالتعليم والصحة، وشددت على أن التنمية البشرية تتطلب الحرية، وتابعت «لماذا لم نستفد من الدراسات السكانية التي تم إعدادها للسكان في سورية؟ (..) وكيف سيتم إشراك المجتمع في تقييم الخطة دون وجود قانون أحزاب وقانون جمعيات؟ (..) كيف يمكن أن يستشار المجتمع السوري بهذه الخطة ما لم يكن له مؤسسات كافية تمثله وتعبر عنه؟».

د. عارف دليلة: وجوب مساءلة المسؤولين الذين يديرون الشؤون العامة
بدأ د. دليلة مداخلته متمنياً استمرار قدرة الجهات الحكومية على وضع خطط جميلة من حيث الشكل، وتابع من حيث انتهت السيدة زكزك «نحن نفتقد إلى مشاركة الجميع، وقد قال د. رداوي إن تحقيق الخطة يحتاج إلى تحقيق بيئة عامة، ولكنه لم يشر إلى عناصر هذه البيئة العامة، (..) إن عناصر البيئة العامة هي حسبما تركز أدبيات جميع المدارس الاقتصادية في العالم هي: الحكم الرشيد؛ والحرية السياسية؛ وحرية الإعلام؛ وحرية الانتخاب؛ ومساءلة المسؤولين الذين يديرون الشؤون العامة».