الثلاثاء الاقتصادي يبحث في «هجرة الكفاءات وأثرها على التنمية الاقتصادية».. د. مرزوق: سورية من البلدان الطاردة للكفاءات.. والحكومة لا تبدي اهتماماً!

حملت ندوة الثلاثاء الاقتصادية الأخيرة التي أعدتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية عنوان «هجرة الكفاءات وأثرها على التنمية في سورية»، وقدم د. نبيل مرزوق تحت هذا العنوان محاضرة بدأها بالإشارة إلى بعض التعريفات والمصطلحات المستخدمة في ميدان الهجرة، وبين أن المقصود بالهجرة حسب تعريفات منظمة الهجرة الدولية هو مغادرة البلد أو الخروج منه بقصد الإقامة في بلد آخر، وأن تعريف الهجرة يشمل الهجرة القسرية والهجرة المحفزة التي تدفع بها منظمات أو دول أو شركات توظيف دولية أو غيرها، ويشمل كذلك الهجرة المؤقتة أو الدائرية وهي هجرات محددة المدة والغرض ولا يحظى العامل خلالها بحق الإقامة الدائمة، كما يشمل التعريف الهجرة الدائمة للعمل والإقامة وهي نوعان: هجرة رسمية وفق تصاريح وعقود عمل نظامية؛ وهجرة سرية عبر الحدود أو بعد انقضاء فترة الإقامة المرخص بها، وفي تعريف هجرة الأدمغة بيّن د. مرزوق أن المقصود بها هو هجرة الأشخاص المؤهلين والحاصلين على مستوى تعليم الحلقة الثالثة (الجامعية) وما فوق.

«طرد» الكفاءات

وبالنسبة لواقع الهجرة في سورية، أوضح د. مرزوق أن سورية شهدت منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي موجات محدودة من هجرة الرساميل والأفراد المؤهلين إلى دور الجوار وأوروبا والأمريكيتين، ثم تلا ذلك في السنوات اللاحقة اتساع نطاق الهجرة إلى مجلس التعاون الخليجي لفئات من قوة العمل متوسطة التأهيل، أما فئات قوة العمل عالية التأهيل من أطباء ومهندسين وعاملين مختصين فاتسع نطاق هجرتها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية،. وأشار مرزوق إلى أن العلماء والفنيين السوريين شكلوا في دول الاغتراب منظمة «نوسيتا» للتعاون فيما بينهم على غرار المنظمات العديدة التي أقامتها الجاليات العربية والأجنبية في الاغتراب لتنظيم مساهمتها في بناء أوطانها الأصلية، وتابع الباحث أن معظم هذه المنظمات أظهر فعالية ونجاحاً في المساعدة على تنفيذ العديد من البرامج التنموية والعلمية في بلدانهم مثل جمعيات المغتربين المصريين واللبنانيين والفلسطينيين، في حين لم تستفد سورية حتى الآن من مغتربيها الذين عبرت المقترحات والمشاريع التي تقدموا بها في مؤتمر المغتربين الأول عن مدى تعلقهم بوطنهم ورغبتهم بتقديم ما لديهم من خبرة ومعارف لبناء وطنهم الأم.

وأشار د. مرزوق إلى أن المشكلة في هذا الأمر تكمن في عدم وضوح رؤية الحكومة السورية للمجالات التي يمكن للمغتربين السوريين أن يساهموا بها، ولذلك فإنهم لن يستطيعوا تقديم شيء رغم حماستهم واستعدادهم للأمر، فالممارسات الحكومية أهدرت إمكانيات هؤلاء مرتين حسب قوله: الأولى عند هجرتهم؛ والثانية عند إهمال مبادراتهم وعدم الاستفادة منها.

وفي سياق المحاضرة أوضح د. مرزوق أن عدد المهاجرين السوريين بلغ عام 1990 نحو 690 ألف مهاجر، وتنامى هذا العدد ليبلغ أكثر من 924 ألفاً عام 2000، وتسارعت وتيرة الهجرة حسب المعطيات خلال سنوات 2000-2005 ليزيد العدد الإجمالي عن مليون و326 ألف مهاجر، بينما يقدر أن يبلغ عدد المهاجرين السوريين عام 2010 نحو مليونين و205 آلاف، أي ما يزيد حسب قول د. مرزوق عن 10% من سكان سورية.

أما عن التوزع الجغرافي للمهاجرين السوريين فأوضح د. مرزوق أن تيارات الهجرة تتجه إلى الجوار الجغرافي القريب بالدرجة الأولى، ومن ثم تتجه إلى بلدان مختارة حسب شروط سوق العمل والتسهيلات المقدمة للمهاجرين فيها، لذلك تشكل العمالة السورية المهاجرة في الدول العربية النسبة الغالبة من مجموع المهاجرين، ويتضح أن العمالة متوسطة وضعيفة المهارة تتجه أكثر إلى الجوار الجغرافي القريب، في حين تختار العمالة الماهرة بلد الهجرة وفق مؤهلاتها والفرص الأفضل المتاحة لها.

وأشار الباحث إلى أن المعطيات المتوافرة عن توزع قوة العمل السورية حسب البلدان والمناطق الجغرافية مبعثرة وتعود إلى فترات زمنية مختلفة تتعلق بتاريخ التعداد أو المسح في البلد المعني.

واستناداً إلى تقرير العربي عن المعرفة لعام 2009 أوضح د. مرزوق أن سورية تعدّ من البلدان الطاردة للكفاءات، حيث تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي بقيمة للمؤشر تعادل 2.3 (المؤشر متدرج من 1 إلى 7)، وتابع الباحث أنه كلما تصاعد المؤشر كانت الدولة ذات نتائج أفضل عن طريق تكوين رأس المال البشري عبر الاحتفاظ بقوة العمل المؤهلة وجذبها. وأشار د. مرزوق إلى أن البيانات المتوفرة لا تتيح تقديراً موضوعياً لحجم الهجرة السورية. 

تداعيات سلبية كبرى

أما بالنسبة للآثار المترتبة على هجرة الكفاءات العلمية السورية إلى بلدان أخرى، فأوضح الباحث أن التكاليف التي تحملتها الدولة في الاستثمار والإنفاق على النظام التعليمي، وبالتالي تكلفة إعداد كل فرد من خريجي النظام التعليمي السوري، تعدّ جزءاً من الكلفة التي تدفعها سورية نتيجة هجرة كفاءاتها، إضافةً إلى فقدان الفرص البديلة التي تسبب هذه الهجرة، فالفرد عند خروجه من حلقة الإنتاج يخرج معه جزءاً من حصته من رصيد رأس المال على اعتباره قوة عمل، وفي حال الهجرة فإن الفرد يقدم حصته من رأس المال التي يحملها إلى الدولة المضيفة.. وأشار د. مرزوق إلى أن الدراسات التي تمت على الاقتصادات المستقبلة للهجرة أوضحت أن زيادة 1% إلى السكان ناجمة عن الهجرة تؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح بين 1.25 و1.5%، أما بالنسبة للدول المصدرة للعمالة الماهرة فإن الفاقد سيكون أكبر من ذلك نتيجة أن وسطي سنوات التعلم بالنسبة لتلك الفئة من المهاجرين تفوق بدرجة كبيرة وسطي سنوات التعلم للعاملين في الاقتصاد الوطني، أي أن حصتهم من رأس المال تكون أكبر من الوسطي في الاقتصاد الوطني، وهذه الحصة لم ترفد الاقتصاد الوطني بل حرم منها التراكم في رأس المال الإنتاجي (رأس المال وقوة العمل)، وأوضح الباحث أن تقدير خسائر سورية جراء هجرة كفاءاتها يحتاج بيانات دقيقة ونموذجاً رياضياً للهجرة. 

الحلول الغائبة

أشار مرزوق في ختام محاضرته إلى أن الحد من هجرة الكفاءات السورية يتطلب تحقيق شروط خاصة تتعلق بالبنية التحتية العلمية وأجواء البحث وحرية الرأي والتعبير وحفظ الحقوق، إلى جانب التقدير الاجتماعي المناسب لأصحاب الكفاءات، تمثل هذه العناصر جميعها حسب قوله بالإضافة إلى إصلاح التعليم وإرساء ديمقراطية التعليم خطوة أولى لتهيئة مناخ الاحتفاظ بالكفاءات، مشيراً إلى أن حق التعلم المجاني هو حق لكل إنسان، ويقع على عاتق الدولة توفيره لمواطنيها إلى جانب إتاحة الفرص المتكافئة للجميع في الحصول على التعليم المناسب.

آخر تعديل على الجمعة, 22 تموز/يوليو 2016 19:39