إجراءات الحكومة تجاه الصناعة: (رفع عتب)!

إجراءات الحكومة تجاه الصناعة: (رفع عتب)!

لم تكن الصناعة السورية بأفضل حال قبل الأزمة، ولكنها بعدها أصبحت في وضع لا يستمر فيه إلا (كل طويل عمر).. صناعة بلا كهرباء ولا سوق ولا دعم ولا تمويل، لكن القطاع يحاول الاستمرار لأن أصحاب المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة والحرفية التي تسود الصناعة السورية، لا يملكون خيارات كثيرة سوى العمل..

 

في ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي تعقدها جمعية العلوم الاقتصادية السورية تحدث الاستشاري فؤاد اللحام عن إعادة تأهيل الصناعة السورية، مع إحاطة واسعة بمشاكلها السابقة والحالية..

قاسيون

(الأزمة وآثارها على قطاع الصناعة، أنستنا مشاكل ومعيقات الصناعة السابقة)، هكذا بدأ الصناعي والاقتصادي السوري فؤاد اللحام، محاضرته في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، ليتحدث عن مشاكل القطاع قبل الأزمة.

التحرير أدى لتراجع 38%

يشير الباحث إلى أن التحرير التجاري غير المدروس، والانفتاح الاقتصادي في المرحلة التي سبقت الأزمة السورية، كان له عميق الأثر على الصناعة السورية، ووفق تقديره فإن أخذ مؤشر عدد المشاريع المرخصة كمعيار يشير إلى تراجع بنسبة 38% بين عام 2005 و 2010، يضاف إليها أن المشاريع الملخصة كانت تلغى، حيث تم إلغاء أكثر من 3200 مشروع صناعي مرخص..

مشيراً إلى الظواهر التي رافقت عملية التحرير التجاري والتي أثرت على الصناعة، من تبييض شهادات المنشأ، إلى التلاعب بقيم المستوردات، ممّا كان يساهم بزيادة تنافسية البضائع المستوردة، وتراجع قدرات المنتج محلياً على الاستمرار، حتى وصل بعض الصناعيين السوريين إلى اعتماد الأسلوب ذاته، والخروج بأموالهم وعلاماتهم التجارية إلى الصين، لينتجوا بتكلفة أقل هناك، ويدخلوا البضائع إلى السوق على أنها صناعة سورية.

أما في تقييم مشاكل الصناعة العامة فقد عاد الباحث إلى السبعينيات، في إشارة إلى مرحلة تدفق المساعدات على سورية، والتي يعتبر اللحام بأنها كانت فرصة كامنة لإنشاء صناعة متكاملة ومنظمة، إلا أن السائد كان العشوائية في المشاريع والتوسع غير المدروس، أو وفق منطق: (أياً يكن).. مشيراً إلى أن مسؤولين اقتصاديين في تلك المرحلة يعتبرون أنه لولا هذه السياسة في السبعينيات، لما كانت سورية ستدخل في أزمة الثمانينيات الاقتصادية.

اعتبر الباحث بأن الصناعة السورية بعامها وخاصها، لم تملك خطة متكاملة يوماً ما، والكثير من دراسات البحث حول النهوض بالقطاع قد: (بقيت طي الأدراج)..

تعويض للأبنية فقط!

صنف الاقتصادي السوري أوضاع الصناعيين السوريين خلال الأزمة، بناء على حجم الأضرار، فمنهم من سمحت الظروف والمصادفات باستمرار منطقة عمله آمنة، ليستمر بالعمل، ويعاني بالدرجة الأولى من مشاكل الكهرباء والمحروقات وتكاليف النقل، والأتاوات وغيرها.. ومنهم من تضررت منشآته، ولكنه استطاع أن ينقل جزءاً من المعدات، وهؤلاء هم الصناعيون الذين انتقلوا للعمل في المدن، لترى معمل ألبسة كبير، قد انتقل من ريف دمشق، إلى مجموعة دور عربية في قلب المدينة، بينما يعمل البعض في الأقبية والمستودعات، مع ما يكتنف ذلك من خسارة في الإمكانيات.. الصنف الثالث من خسر منشآته نهائياً، ولم يستطع حتى اليوم الوصول إليها وتقدير الأضرار، وهؤلاء أغلبهم زهد بالتعويض الحكومي، بعد أن كانت التعويضات بطيئة ومحصورة بالأبنية، وبسقف 10 مليون ل.س! ليحصل أحد الصناعيين على 5 مليون كتعويض عن منشأة سورية هامة كانت تصدر للإقليم بحسب الباحث، بينما هذا المبلغ قد يكفيه لشراء محولة كهرباء لا أكثر..

الهاربون للخارج.. رؤية واقعية

الفئة الرابعة من الصناعيين هي التي استطاعت أن تخرج بمنشأتها، لتعمل في دول الإقليم، في مصر والأردن وتركيا بالدرجة الأولى، وقد تصدر المستثمرون الصناعيون السوريون المراتب الأولى والثانية من حيث عدد المستثمرين الجدد في هذه الدول، وللتقدير فإن حوالي 30 ألف صناعي سوري قد أنشأووا منشآت صناعية في مصر على اختلاف أحجامها، بينما تنتج في السوق المصرية 10 مليون قطعة ملابس من إنتاج سوري.

يقول الباحث بأن بعض هؤلاء كان مضطراً للالتزام بعقود تصديره فخرج لاستكمال عمله وضمان استمراره، وبعضهم يريد العودة إلى سورية، مع تحسن الأوضاع، أما البعض الآخر فقد (أحرق السفينة) ويحاول أن يستقر نهائياً في الدول المجاورة، التي لا تعتبر شروط العمل فيها أفضل من الظروف السورية السابقة للأزمة..

2 مليار دولار خسائر مباشرة وضعفها للاستبدال

حاول الباحث أن يجمع أرقام خسائر الصناعة التي لا تتوفر لها تقديرات كاملة، وتحديداً في منشآت القطاع الخاص، حيث سُجل توقف 1548 منشأة خاصة، و60 منشأة صناعية عامة، والخسائر المباشرة تقارب 1000 مليار ليرة، أي ما يعادل اليوم 2 مليار دولار، بسعر صرف 485 ليرة. أما تقدير القيمة الاستبدالية للشركات العامة المدمرة 2600 مليار ليرة، أي تكلفة إعادة تشغيلها وتأهيلها وفق مستويات الأسعار الحالية. أما بالنسبة للمنشآت الحرفية فقد تراجعت بنسبة 70%.

بينما تراجع الناتج المحلي للصناعة العامة من 61 مليار ليرة في عام 2011 إلى 26 مليار ليرة في 2015، بالأسعار الجارية الحالية، أي من 1,2 مليار دولار، إلى قرابة 70 مليون دولار بسعر صرف بداية عام 2016، أي بنسبة تراجع 94%.

قرض تشغيلي بـ مليون ليرة!

عدد الباحث أهم الإجراءات الحكومية المرتبطة بالصناعة، وهي جملة إجراءات بطيئة ومتأخرة، وضعيفة، ولا تمس المشاكل الكبرى، التي يعتبر حلها دافعاً لمن تبقى من الصناعيين السوريين، وأهمها موضوع مستلزمات الإنتاج الرئيسية، وتحديداً المحروقات والكهرباء، ثم موضوعة الدعم المالي، عبر القروض التشغيلية التي بعد توقف طويل، وامتناع المصارف العامة، والخاصة عن تقديمها للصناعيين، فإنها اقتصرت على قرض مليون ليرة، وهذا ما أسماه الباحث، (بإجراءات رفع عتب)!..

صغار الصناعيين يحاولون ولكن..

 

سجلت وزارة الصناعة أن 3046 منشأة صناعية تم ترخيصها بين 2011- 2015، حيث 98% منها منشآت صغيرة ومتوسطة وحرفية، فهؤلاء لا خيار لهم سوى العمل، ومحاولة الإنتاج في الظروف القاسية الحالية. 

إلا أن وزارة الصناعة لم تبين، ما هي المنشآت التي استطاعت الاستمرار من ضمن هذا العدد المسجل! فالصناعة الصغيرة، هي الأقل قدرة على التكيف مع ظروف الارتفاع الدوري والقياسي في التكاليف، مع عدم توفر المحروقات ورفع أسعارها، ومع عدم توفر الكهرباء ورفع تسعيرة الكهرباء الصناعية، ومع محدودية قدرة الصناعيين على عكس هذه التكاليف في أسعارهم، أي رفع أسعار منتجاتهم، في ظل قدرات الاستهلاك المحدودة والمتضيقة في السوق السورية، ومع مشاق التصدير القياسية وتكاليفها، وتحديداً بعد خروج آخر المعابر الحدودية في نصيب عن السيطرة، وحصر المنافذ بالمنفذ البحري مرتفع التكلفة.

يحاول صغار الصناعيين أن يتكيفوا مع الظروف إلا أنهم يتلقون ضربات قاسية، كما كله القطاع الإنتاجي السوري، دون أن يجدوا نيّة جديّة تدعم محاولاتهم للاستمرار، لتقتصر مناوراتهم بالضغط على العاملين بأجر، حيث شروط العمل الحالية في المنشآت الصناعية السورية، والصغيرة منها تحديداً شروطاً قاسية جداً، بأجور متدنية وساعات عمل طويلة.