الافتتاحية: الوعود تعويض عن الإخفاقات؟!

الوعودُ إذا قُطعت يجب أن تنفّذ، وإذا لم تنفذ فهي تلقي بظلال الشك فوراً على الوعود اللاحقة، وهذا حال الفريق الاقتصادي والمتحدثين باسمه.. فهم قطعوا وعوداً في الخطة العاشرة بحيث خرجنا في نهايتها من حيث أرقام النمو والفقر والبطالة بوضع أسوأ مما دخلناها.. ولن ينفع هنا إلقاء اللوم على  العوامل الخارجية، فهي إن لعبت دوراً سلبياً فهو لم يكن أهم من السياسات الاقتصادية نفسها من حيث بنية الخطة وطريقة السعي إلى تأمين الموارد وتحديد مطارح توظيفها، الأمر الذي أصاب الخطة بالمقتل من حيث تنفيذها لأهدافها.

والأرجح أنه لو أخذ ذلك بعين الاعتبار، أي لو بنيت الخطة على تحفيز قطاعات الاقتصاد الحقيقي وليس الوهمي، ولو تم البحث عن الموارد القادرة والراغبة في التوظيف في الاقتصاد الحقيقي، ولو اعتمدت الخطة على الموارد الداخلية «الداشرة» بين أيدي قوى النهب والفساد، وليس على الموارد الخارجية التي لا يعلم إلاّ الله إن كانت ستُقدم أم لا، وإذا أقدمت على التوظيف فهي ستوظف في الفروع الأكثر ربحية اليوم والمستوطنة، مع الأسف، في قطاعات الاقتصاد غير الحقيقي، والتي تستنزف الفروع الحقيقية من الاقتصاد الوطني وتدميها من خلال مص دمائها الدائم.. لو تم كل ذلك كان يمكن توقع تنفيذ الخطة لأهدافها أو على الأقل بعضها، لا أن يتم التراجع في عهدها على أهم الجبهات.

لذلك، فمن الضروري تفحّص الوعود الجديدة لأن سابقاتها قد علمتنا درساً قاسياً..

يقول واضعو الخطة إنهم سيؤمنون سنوياً نمواً وسطياً قدره 5.7%، وهذا الرقم رغم أنه أكثر تواضعاً من رقم الخطة العاشرة الوسطي، ولا يرقى إلى مستوى مواجهة التحديات المنتصبة أمام البلاد والتي تتطلب أكثر من ذلك بكثير، ولكن مع ذلك فلنناقش الأمر.

إن رقم نمو 5.7% سنوياً يعني أن الناتج الإجمالي سينتقل من 2714 مليار ليرة عام 2010 حسب المتوقع، إلى 3580 مليار ليرة سورية عام 2015، وإذا جمعنا كل أرقام الناتج الإجمالي خلال سنوات الخطة الحادية عشرة يتبين أن مجموع الناتج الإجمالي خلالها هو نحو 16072 مليار ليرة.. أي نحو 350 مليار دولار أمريكي.

كيف سيتحقق هذا الإنجاز المتواضع؟ فحسب واضعي الخطة فإنهم يخططون لتوظيف 17- 20 مليار دولار أمريكي في البنية التحتية، ومثلها في القطاعات الإنتاجية، أي أن مجموع ما سيوظف في الاقتصاد الحقيقي وملحقاته خلال الخطة الحادية عشرة إذا أخذنا أعلى الأرقام هو 40 مليار دولار، وهو يشكل 11.5% بالنسبة للناتج الإجمالي المتوقع.. وإذا قدرنا أن التوظيفات غير الحكومية (الداخلية والخارجية) لن تتجاوز هذا الرقم ولكن معظمها لن يوظف في القطاع الإنتاجي الحقيقي كما هي العادة، نستطيع القول في أحسن الأحوال إننا سنؤمن 20 مليار دولار أخرى، ما سيرفع نسبة التوظيف حسب السيناريو «التفاؤلي» الذي نتوقعه إلى 17% من مجمل الناتج الإجمالي.

وإذا عدنا إلى علم الاقتصاد الذي يعلمنا أن 10% نسبة توظيفات كفيلة بتأمين نمو صفري، لأنها مجرد تعويض للاهتلاكات على مستوى الاقتصاد الكلي.. تبقى 7% حاملة للنمو المتوقع، والتي لا تستطيع في ظل العائدية الحالية للاقتصاد السوري (20% في أحسن الأحوال) أن تؤمن أكثر من 1.4% وسطي نمو سنوي، مع كل ما سيعنيه ذلك من ازدياد في تردي الأوضاع المعيشية وازدياد البطالة والفقر والاحتقان الاجتماعي.

إن تحقيق رقم النمو نفسه الذي ستعتمده الخطة (5.7%)، يحتاج فعلياً في ظروفنا الملموسة كما تبين الوقائع والدراسات، وفي ظل العائدية المعروفة للاقتصاد السوري، إلى 130 مليار دولار توظيفات حكومية وغير حكومية في القطاعات الحقيقية فقط، ولا يشكل الرقم المخطط توظيفه من الفريق الاقتصادي إلاّ 30% منها.

لذلك يتوجب التحذير منذ الآن.. إن الوعود المقطوعة إن لم تكن تغطية على الإخفاقات السابقة، فإنها تحضير لإخفاقات لاحقة وأخطر من التي سبقتها.. إن مصلحة كرامة الوطن والمواطن تتطلب إعادة النظر فوراً باتجاه الخطة الحادية عشرة التي ستسير على طريق أسوأ مما سارت عليه سابقتها إذا بقيت الأمور على حالها، وإذا استمرت العقلية التي تدير الاقتصاد السوري بتجاهل الدروس السابقة.