الغذاء بالحد الأدنى «للأغلبية»: 70% من إنفاقهم
بين أوائل عام 2012 ونهايته وبعيداً عن التغيرات الكبرى و»الدرامية» التي مسّت حياة السوريين، فإن الكم الكبير من المتغيرات «الصغيرة»، يتراكم ليجعل تغيرات هذا العام ذات أثر عميق وبعيد المدى. فارتفاعات الأسعار القاسم المشترك بين جميع المناطق المتوترة والآمنة، غيرت الكثير من المعطيات في حياة السوريين، ابتداءً من موائد طعامهم، وأوضاعهم الصحية، وصولاً إلى طبيعة أعمالهم، وانتهاءً بتحديد موقعهم على خارطة الفقر، بل والجوع أيضاً.
فبكم يأكل «السوريون العاديون» اليوم؟! أي أصحاب الأجور بمستواها المتوسط.. وما علاقة محتويات موائد الطعام مع الأجور، وما الذي يترتب عليها..
في محاولة للاقتراب من تقدير واقعي لتكلفة غذاء الأسرة السورية سنستخدم الإحصائيات الحكومية الرسمية حول نسبة الإعالة 1/4 أي الفرد العامل يعيل أربعة أشخاص، متوسط الأجور للعاملين بأجر: 14000 ل.س، وتعداد العاملين بأجر 3،6 ملايين شخص.
سنستخدم أيضاً مؤشرات أسعار من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حول فروقات أسعار مواد غذائية رئيسية بين شهر 1/ 2012 وصولاً إلى 2/ 2013.
غذاء أسرة في شهر
تقدر الحكومة في سلة استهلاكها بأن الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص وبناء على نسبة إعالة 1/4 تستهلك أغذية ومشروبات كحولية بنسبة 40% من إنفاقها.
أي دخل 10000 ينفق منه على الغذاء: 4000. وبالتالي متوسط الدخل الذي يبلغ 14000 يفترض أن ينفق منه (وفق نسبة الحكومة) 5600 ل.س لتؤمن الأغذية والمشروبات لخمسة أشخاص خلال شهر. وهو رقم بعيد جداً عن الواقع.
يتوزع الإنفاق على الغذاء وفق السلة الحكومية كالتالي:
الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص تنفق على الغذاء الشهري نسبة 40% من إنفاقها، تتوزع بشكل أساسي على مجموعات: الخبز والحبوب، اللبن والجبن والبيض،اللحوم، البقول والخضار، الفواكه، الزيوت.
افتراض
سنفترض بناءً على معطيات أوزان السلة على المجموعات الغذائية، وبناء على الاستهلاك الضروري، مضافاً إليه معطيات بناء على العادات الاستهلاكية الاجتماعية في الغذاء، لنفترض مستوى من الاستهلاك الغذائي الشهري لخمسة أشخاص:
• الخبز: بفرض معدل استهلاك الخبز ربطة واحدة يومياً، وبفرض ثبات سعر الخبز، أي الحصول اليومي على الخبز بالسعر الرسمي من الأفران الرسمية.
• الحبوب: استهلاك 5 كغ رز، 5 كغ برغل.
• اللحوم: ويجمل هنا الفروج، مع اللحوم الحمراء، لنأخذ الحد الأدنى باستهلاك 6 كغ: 4 كغ فروج، 2 كغ لحمة أبقار.
• مشتقات الحليب والبيض: وسنأخذها من الحليب مباشرة بمتوسط: 15 كغ شهرياً. بينما البيض بمعدل صحنين شهرياً فقط.
• البقول والخضار: 2 كغ حمص، 2 كغ عدس، 10 كغ بطاطا، 10 كغ بندورة، 5 كغ بصل.
• الفواكه: 5 كغ برتقال، 5 كغ تفاح.
• السكر: 5 كغ شهرياً.
• الزيوت: 5 كغ شهرياً / 3 كغ نباتي، 2 كغ زيت زيتون.
• البن والشاي: كغ واحد شهرياً.
بناء على هذا التقدير فإن استهلاك الخضار من نوع آخر يكون بديلاً عن كميات من الأنواع المذكورة، وكذلك بالنسبة للبقول، والفواكه وأنواع اللحوم. أما مشتقات الحليب كبدائل عن كميات الحليب الشهرية المذكورة.
تغيرات أسعار مواد السلة الغذائية الافتراضية بين 1/2012- 2/2013:
الوحدة كغ |
كلفة السلة بداية 2012 |
كلفة السلة بداية 2013 |
الخبز (ربطة) |
450 |
450 |
البرغل / الرز |
500 |
700 |
الفروج كغ / اللحوم الحمراء |
1300 |
1900 |
الحليب / البيض (صحن) |
825 |
1350 |
الحمص/ العدس البطاطا/ البندورة/ البصل |
1200 |
2160 |
البرتقال/ التفاح |
575 |
750 |
السكر |
300
|
400 |
الزيت النباتي/ زيت الزيتون |
950 |
1250 |
الشاي |
350 |
600 |
البن |
350 |
550 |
المجموع |
6800 |
10100 |
أي أن الحصول على المواد الغذائية الرئيسية وبكميات منخفضة لكل فرد، يحتاج إلى 10000 ل.س بالحد الأدنى في عام 2013، وهي تشكل نسبة 40% إذا ما كان متوسط الدخل وبالتالي القدرة على الإنفاق 25000 ل.س.
- ملاحظة
المؤشر المأخوذ هو مؤشر تقشفي ولا يعتمد على تأمين السلة الغذائية المتوازنة. فهو لا يضم كميات الخضار والبقول الضرورية المطلوبة، كما أنه يسقط ضرورة مجموعة العسل والحلوى والمربى لضرورات «الأزمة الاقتصادية»، بالتالي لا يعبر عن الحد الأدنى المطلوب للأجور.
■■
نتائج اجتماعية إذا علمنا أنه..
وفق إحصائيات القوى العاملة الأخيرة فإن العاملين بأجر تعدادهم 3،6 ملايين عامل. متوسط أجورهم حوالي 14000 ل.س. ويبلغ تعداد هؤلاء مع عوائلهم -بناء على نسبة الإعالة الرسمية- حوالي 14،4 مليون شخص وهم أغلبية السوريين ونسبة 65% منهم.
هذه المعطيات تغير التعامل مع رقم 10 آلاف ل.س كلفة غذاء بالحد الأدنى من الحاجة الاستهلاكية الشهرية، لأن الاستهلاك على الغذاء الضروري يتحول إلى نسبة 70% من الدخل الشهري.
يبقى 30 % توزع على 13 مجموعة استهلاكية أخرى وفق التصنيف الدولي: (السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود، تجهيزات منزلية،الصحة، النقل، الاتصالات، الترويح والثقافة، التعليم، المطاعم والفنادق، سلع وخدمات متنوعة، المشروبات الكحولية والتبغ).
لا بد أن 56% ممن ينفقون 70% من دخلهم على الغذاء، يُسقطون الكثير من الاحتياجات الاستهلاكية المذكورة سابقاً، لتبقى 30% من الدخل توزع على ضرورات أخرى مثل الصحة والنقل والتعليم والسكن والوقود والاتصالات.
في حساب سابق، كنا قد توصلنا إلى أن استهلاك الغذاء مع الاتصالات أي مجموعتين فقط، أو استهلاك الغذاء مع النقل فقط، يتجاوز نسبة 90% من دخل السوريين. هذه الاستنتاجات تدفعنا إلى التفكير بالطريقة التي يسيّر السوريون بها أمورهم، أي كيف ينفق السوريون بمتوسط الأجور المذكور على مجموعات الاستهلاك الضرورية. وسنذكر هنا مجموعة حلول واقعية تتبعها أغلب الأسر السورية تنتج عنها جملة من الظواهر الاجتماعية كلها وليدة الفجوة الكبيرة بين الدخل والحاجات، لنعود إلى دراستها التفصيلية في ملفات لاحقة:
• عملان للمعيل بمعدل 10 ساعات عمل يومياً (بالحد الأدنى): توسع القطاع غير النظامي والأجور المتدنية.
• عمالة الأطفال والتسرب من المدارس.
• تخفيض نفقات الغذاء وبالتالي سوء التغذية.
• تخفيض نفقات التعليم: التسرب من المدارس، وتراجع التعليم الجامعي.
وتمتد هذه الظواهر في حالات الدخل الأخفض من 14 ألف، ونسبة الإعالة الأعلى لتتحول «الحلول» إلى ظواهر اقتصادية- اجتماعية أوسع:
الهجرة إلى المدن للبحث عن عمل، المهمشين، توسع العشوائيات، الأعمال غير المشروعة، التوتر الاجتماعي.
الإحصاءات خطوة أولية نحو رؤية وقراءة اقتصادية دقيقة كأداة لكشف الفجوات ومنها إلى حلها وتجنب آثارها العميقة، والعملية الإحصائية الهادفة إيجابياً تضليلها يعكس أهداف سلبية، أي من يريد أن لا يكشف مستوى التضخم في سورية على سبيل المثال يريد إخفاء التدني الكبير في الأجور الحقيقية ليعمد إلى تضليل الأرقام وتشويه سلة الاستهلاك، ومن هنا ضرورة إيجاد تحويل جدي في الإحصاءات السورية نحو تدقيقها لتعكس الواقع الاقتصادي بشكل أدق.