فاتورة الدعم تدخل "بازار" التصريحات الحكومية مجدداً.. و"الغلطة" بـمائة مليار ليرة فقط!

إلى الآن لم تخرج علينا أي من الحكومات بالتفاصيل الدقيقة لأرقام الدعم على المشتقات النفطية والطاقة، بل يكتفون برقم عمومي يحملونه حتى فاقد الفساد بوزاراتهم، ففي الأمس القريب وصف وزير النفط فاتورة الدعم بالمرهقة جداً، والتي تبلغ 11 مليار دولار، والآن، وللمرة الثانية، يكرر وزير الكهرباء أن الدعم المقدم على قطاع الطاقة يزيد على 700 مليار ل.س، إلا أن "الماء يكذب الغطاس".

فبالحساب يظهر أن فاتورة استيراد كامل حاجة القطر من المشتقات النفطية تتراوح بين 837 – 861 مليار ليرة، بينما يحقق بيع تلك المشتقات بالأسعار الرسمية الحالية 402مليار ليرة، أي أن الدعم النظري يتراوح بين 435 – 459 مليار ليرة، وهذا إذا لم تنتج سورية أي قطرة من النفط أو المشتقات النفطية محلياً، أما إذا ما أضفنا إلى فاتورة المستوردات أسوأ خيارات استكشاف واستخراج وتكرير النفط (32 دولار للبرميل)، فإن فاتورة الدعم لن تتجاوز أكثر من 93 مليار ليرة..

 

"الماء تكذب الغطاس"

كل الأرقام الحكومية تُجمِعُ على تراجع استهلاك المشتقات النفطية في عام 2012، حيث تشير بيانات شركة محروقات لغاية الشهر التاسع من العام الجاري 2012 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلى انخفاض استهلاك البنزين بنسبة %12.5، كما تراجعت مبيعات أسطوانات الغاز بنسبة %28، كما انخفضت مبيعات المازوت بنسبة %22، وكانت مبيعات الفيول الاكثر تراجعاً لارتباطها بالصناعة السورية، حيث انخفضت المبيعات بنسبة %24، وهذا لم يأتِ من باب التوفير طبعاً، وإنما لندرة وجود تلك المشتقات وصعوبة الحصول عليها، وعلى مبدأ مجبر أخاك لا بطل"، وعلى الرغم من ذلك جرى الاستناد إلى أرقام الاستهلاك وفق عام 2011، على الرغم من كونها لا تعبّر بالدقة عن حقيقة الاستهلاك..

• استهلكت البلاد من البنزين في عام 2011 نحو 2.4 مليار ليتر، وهذا يؤدي إلى أن فاتورة استيراد كامل الكمية دون انتاج أي ليتر البنزين محلياً سيتراوح بين 120 – 144 مليار ليرة، وذلك وفق السعر الرائج للبنزين في العديد من دول الجوار (50 – 60 ل.س للتر) وبالانتقال إلى المازوت، نجد أن الاستهلاك بلغ في عام2011  نحو 7.8 مليار ليتر، وإذا ما جرى التقييم وفق السعر العالمي للتر (50 ل.س)، فإن تكلفة فاتورة استيراد المازوت بشكل كامل سيبلغ نحو 390 مليار ليرة..

•  أما بالنسبة لمادة الغاز، فإن استهلاك سورية منها في عام 2011 وصل إلى 77 مليون أسطوانة، وإذا ما جرى حسابها كما تباع في لبنان (ألف ليرة سورية تقريباً)، فإن التكلفة الاجمالية لفاتورة استيراد كامل الحاجات المحلية من الغاز سيبلغ نحو 77 مليار ليرة..

•  وبالانتقال إلى الفيول، نجد أن استهلاك سورية منه يصل إلى نحو 5.55 مليون طن في عام 2011، وإذا ما جرى حساب سعرها بالسعر العالمي (650 دولاراً) أي ما يقارب 45 ألف ليرة على أساس دولار 70 ليرة سورية، فإن التكلفة الاجمالية لفاتورة استيراد الفيول بشكل كامل دون انتاج أي من حاجتنا محلياً سيبلغ نحو 250 مليار ليرة..

•  وفي هذه الحالة، يكون الجزء الاكبر من دعم الطاقة الكهربائية (أكثر من %80)، وهي حصة الوقود والغاز في تكلفة انتاج الكيلو واط الساعي، قد تضمنت سلفاً في هذه الأرقام بطبيعة الحال، ولا حاجة لإعادة تحميل الكهرباء بأرقام الدعم مجدداً..

 

زيادة 100 مليار فقط!

هذه الأرقام توصلنا إلى أن فاتورة استيراد كامل المشتقات النفطية من الخارج تبلغ ما يتراوح بين 837 – 861 مليار ليرة، ويمكن القول بأن هذا هو رقم دعم المشتقات النفطية إذا ما تم توزيع كامل تلك الكميات مجاناً على السوريين، وهذا لا يتم بطبيعة الحال، وإذا ما استثنينا من هذه الفاتورة مبيعات المشتقات النفطية بالسعر الرسمي، والتي تبلغ فاتورتها خلال عام كامل نحو 402 مليار ليرة، فإننا في هذه الحالة فقط، سنصل إلى أن الدعم النظري على الطاقة والمشتقات النفطية سيتراوح بين 435 – 459 مليار ليرة، إذا لم تنتج سورية أي قطرة من النفط أو من المشتقات النفطية، اي أن هذه الأرقام وبالصيغة الحالية، أكبر من أرقام الدعم الحكومي المفترض، ويقل عنه في أسوأ الأحوال بنحو 100 مليار ليرة فقط...

مازوت: 7.8 مليار لتر × 25 ل.س= 195 مليار ليرة

الغاز: 77 مليون اسطوانة × 425 ل.س= 33 مليار ليرة

البنزين: 2.4 مليار لتر × 50 ل.س = 120 مليار ليرة

الفيول: 5.55 مليون طن × 9674 ل.س= 53.7 مليار ليرة

 

20 دولار اًلإنتاج البرميل الواحد و2 دولار لتكريره

بحسب المعطيات والأرقام الرسمية لدى وزارة النفط، فإن سورية تؤمن نحو %75 من حاجتها من المشتقات النفطية من الإنتاج المحلي، حيث يتم إنتاج %60 من حاجة السوق الداخلية من المازوت، ونحو %50 من الغاز، ونحو 4 مليون طن من الفيول، أي ما يعادل %73 من حاجة السوق الداخلية، وما يزيد عن %70 من حاجة سورية من البنزين..

في عام 2010 أنتجت البلاد 140 مليون برميل نفط، وتم تكرير84 مليوناً منها محلياً، بينما كان يُصدّر 56 مليون برميل، وجزء أساسي من النفط المنتج عبر الشركات الوطنية السورية الذي يفترض تكريره في المصافي الوطنية، وفي هذه الحالة، وإذا ما عرفنا أن تكلفة تنقيب وإنتاج برميل النفط الواحد في عام 2008 بحسب سهولة أو صعوبة الاستكشاف والاستخراج، تتراوح مابين 4 الى 5 دولار في السعودية، و6 دولار في العراق، وفي فنزويلا يتراوح ما بين 20 الى 30 دولاراً لصعوبة اكتشاف حقول جديدة، ونحو 30 دولار في كازخستان لبُعد حقول الانتاج عن خطوط نقلهُ، بالإضافة إلى أن تكلفة تكرير برميل النفط الواحد لا يتجاوز الدولارين، وذلك وفق أرقام العديد من الشركات العربية والعالمية لتكرير النفط..

 

بالإسقاط على الواقع السوري

وفي إسقاط هذه الارقام على الواقع السوري، سنصل إلى أن تكلفة انتاج البرميل الواحد وتكريره وفق أسوأ الاحتمالات سيتراوح بين 22 – 32دولاراً للبرميل، أي أن 22 دولار × 84 مليون برميل= 1.85 مليار دولار (129.5 مليار ليرة على أساس دولار 70)، أو 32 × 84 مليون برميل= 2.69 مليار دولار ( 188 مليار ليرة)، أما وفق الاحوال الطبيعية، فإن تكلفة استكشاف واستخراج وتكرير برميل النفط لن يتجاوز 15 دولاراً، أي أن تكلفة انتاج المشتقات النفطية محلياً لن يتجاوز 15دولار × 84 مليون برميل= 1.26 مليار دولار (88 مليار ليرة سورية فقط)، والتي يتم حسابها من أصل الاستهلاك عند الحديث عن الدعم على أساس السعر العالمي..

 

توفير 12 مليار ليرة

لن يبقى في هذه الحالة سوى تكلفة فاتورة الاستيراد، والتي تقدر بنحو %40 من استهلاك المازوت الاجمالي في سورية، والتي تبلغ تكلفتها بالسعر العالمي 156 مليار ليرة، ونحو %50 من الغاز، والتي تبلغ تكلفتها بالسعر العالمي (38.5مليار ليرة)، ونحو %28 من الحاجة المحلية من الفيول، والتي تبلغ تكلفتها بالسعر العالمي (70 مليار ليرة)، ونحو 30 % من البنزين، والتي تبلغ تكلفتها بالسعر العالمي بين (36 – 43 مليار ليرة)، أي أن فاتورة الاستيراد ستكون بحدود 300 – 307مليار ليرة، وإذا ما أضفنا إليها 88 مليار ليرة سورية، والتي تغطي تكلفة انتاج المشتقات النفطية محلياً، سنصل في هذه الحالة إلى أن تكلفة انتاج واستيراد المشتقات النفطية لتغطية الحاجة المحلية لن تتجاوز الـ 390 مليار ليرة، أي أن مبيعات المشتقات النفطية بالأسعار الحالية ستحقق وفراً للخزينة العامة بما يقارب12 مليار ليرة سنوياً..

 

أسوأ الاحتمالات

إذا ما أضفنا إلى فاتورة المستوردات من المشتقات النفطية أسوأ خيارات استكشاف واستخراج وتكرير برميل النفط (32 دولاراً للبرميل)، فإن الفاتورة الاجمالية ستبلغ 307 مليار + 188 مليار ليرة= 495 مليار ليرة، وإذا ما استثنينا فاتورة بيع المشتقات النفطية بالأسعار الرسمية حالياً خلال عام كامل، والتي ستبلغ نحو402 مليار ليرة سورية، أي أن فاتورة الدعم في هذه الحالة لن تتجاوز 93 مليار ليرة فقط، أي بنسبة دعم اجمالي لن يتجاوز %19 فقط..