!ثلاثة قرارات أنهكت الليرة السورية تحت شعار حمايتها

!ثلاثة قرارات أنهكت الليرة السورية تحت شعار حمايتها

أولى الخطوات الساعية لضرب الليرة السورية، جاءت في ظل وجود مؤشرات خطيرة في المنطقة العربية كالثورتين التونسية والمصرية!.. فالخطوات المتلاحقة التي اتخذها مصرف سورية المركزي، والمتبعة قبيل الأزمة الوطنية الشاملة التي تعصف بسورية وخلالها أيضاً، بدت وكأنها مسرحية بفصول وأجزاء متلاحقة، بطلها حاكم المركزي، ولكن كاتب قصتها، ومعد السيناريو غير معروفين طبعاً، لأنهم لا يحبون الشهرة على ما يبدو، أو لأنهم تعودوا العيش في الظلام خلف الكواليس، ليكونوا هم أكثر المستفيدين بالمحصلة النهائية..

ضرب الليرة تحت شعار حمايتها

إجراءات المركزي، وكما حذر منها الكثيرين، ساهمت بضرب الليرة السورية تحت شعار حمايتها، وأضعفت الاقتصاد الوطني المنهك من سياسات الحكومة السابقة والحالية طبعاً، وكان أولى البدع التي طرحها المصرف المركزي، هو السماح للمصارف العامة والخاصة ببيع 10 آلاف دولار لكل مواطن، ليدق هذا القرار المسمار الأول في نعش الليرة الاحتياطي النقدي، لأنه جاء قبيل الأزمة والاستنزاف الاقتصادي، والذي لا يمكن لأي عاقل عدم توقعه، أو استشراف وقوعه...

 

الإجراءات النقدية.. لمصلحة من؟!

ما حصل على أرض الواقع مع وضع قرار السماح للمواطن السوري شراء 10 آلاف دولار موضع التنفيذ، هو قيام شركات الصرافة وبعض المنتفعين المتسترين خلفها، بإرسال السماسرة إلى المصارف، وشراء القطع مقابل اجر معين، لا بل إن جرأة هؤلاء السماسرة، وصلت إلى حرم الجامعات السورية أيضاً، فكانوا يغرون كل طالب بـ 300 ليرة سورية فقط، ويسحبون على اسمه 10 آلاف دولار أمريكي، وهذا ما سمح بتركيز كتلة «دولارية» هائلة بأيدي قلة ممن يملكون سيولة نقدية كبيرة، واتخاذ هذا القرار يستوجب طرح العديد من التساؤلات: لمصلحة من جرى اتخاذ هذا الإجراء النقدي؟! ومن هي القوى الاقتصادية التي استفادت منه؟! علماً أن الاقتصاد الوطني والمواطن السوري كانوا على رأس قائمة المتضررين! ومن هم الذين يملكون كتلة نقدية فائضة بين أيديهم (بالحد الأدنى نحو 500 ألف ليرة سورية) حتى يشترى بها 10 آلاف دولار؟! وهل اعتاد السوريون بالأساس على حمل مبالغ كهذه؟ وإذا ما افترضنا جدلاً، أن هذا الإجراء يدخل ضمن السياسة النقدية للبنك المركزي, فلماذا لم يتم استثمار الفائض من القطع الأجنبي الموجود في مشاريع تخلق قيمة مضافة مثلاً؟ أو منح أي مواطن بطاقة من فئة الألفي دولار بدل 10 ألف ليرة!..

وبعد استغلال هذا القرار من جانب حيتان المال، والذين لم يلقوا المحاسبة طبعاً، تراجع المصرف المركزي عن هذا القرار، وهذا يطرح تساؤلات جمة أخرى على رأسها: أين الإستراتيجية في اتخاذ القرار بموقع هام ومؤثر كالمصرف المركزي؟! والذي بات موضة الحكومة الحالية، ومنهج السياسات الرسمية تحت مبرر التراجع عن الخطأ فضيلة..

إهدار ممنهج

ثاني تلك الإجراءات القاتلة، هو إصدار وزارة الاقتصاد والتجارة قراراً بتعليق مستوردات المواد التي يزيد رسمها الجمركي عن 5% بمطلع الأزمة في سورية، وتركيز عملية التمويل للمستوردات التي تلبي الحاجات الأساسية، وليس الكمالية منها، دون دراسة الآثار الاجتماعية لهذا القرار (فرص العمل التي تم فقدانها)، وذلك تحت شعار ضرورة المحافظة على الاحتياطي النقدي، هذا النقد الأجنبي الذي جرى إهداره قبل شهر فقط بقرار السماح بشراء 10 آلاف دولار من المصارف، فما هو مبرر اتخاذ هكذا إجراء أدى لخلخلة الأسواق، وارتفاع أسعار أغلب السلع حتى المحلية منها؟! والتي لم تعد إلى سابق عهدها بعد إلغاء القرار!..

وتزامن كل ذلك، مع التصريح بوجود احتياطي نقدي يقدر بـ18 مليار دولار، وتأكيد حاكم البنك المركزي، بأن لا خوف على الاقتصاد السوري، والأغرب من كل هذا، أننا لم نجد من رجال الفريق الاقتصادي من يدعو إلى التريث، وإلى حساب التداعيات السلبية قبل الايجابية منها، وجرى التراجع عن هذا القرار، وبشكل دبلوماسي على لسان وزير الاقتصاد والتجارة، وذلك بناءً على ردود أفعال التجار الرافضة لهذا القرار..

 

المزادات استنزاف للاحتياطي

وأطل بطل مسرحية تدمير الليرة السورية علينا من جديد بفكرة المزادات العلنية لبيع الدولار، والذي يتنافى قطعاً مع قرار إلغاء دعم المستوردات، والاقتصار على الطبية منها، وتحت شعار الحفاظ على الاحتياطي النقدي، فإذا كان المركزي يسعى للحفاظ على احتياطياته من النقد الأجنبي، لماذا يلجأ إلى مزادات كهذه تستنزف ما تبقى من الاحتياطي في البلاد؟!

فالمزادات ستذهب إلى المتمكنين من دفع قيمتها، وهم على الأغلب أصحاب السيطرة المالية الكبرى، والمصارف الخاصة مستفيدة أيضاً، التي نعرف جميعا أن 49 % من مجموع أسهمها خارج سورية، والدليل على هذا، الاجتماعات المتكررة مع المصارف الخاصة وشركات الصرافة المرخصة، أو غير المرخصة أحياناً، وما الهدف من طرح المزادات مجدداً؟! وهل القرار يتخذه المركزي أم مجلس النقد والتسليف بالإجماع؟! ولماذا يتخذ قرارات المزادات بالتشاور مع المجلس أم بشركات الصيرفة (النظامية، وغير النظامية)؟!

 

بداية تراجع الليرة

ولدراسة تأثير المزادات على الليرة السورية، وهل من دور لها في تخفيض أسعار صرف الدولار وسلة العملات الأجنبية أمام العملة الوطنية؟! أم أنها أتت بنتائج معاكسة تماماً، نجد أنه، كان سعر الدولار أمام الليرة يتراوح بين 50 و51 ليرة سورية أثناء فترة المزادات، وذلك حسب نشرة المصرف المركزي، وتم بيع الدولار بالمزاد العلني على أكثر من مرحلة، ولكن بسعر اعلى من سعر النشرة بما يتراوح بين 2.5 و3.5 ليرة سورية، والسؤال: لماذا هذا الفرق بين سعر النشرة والسعر المطروح بالمزاد؟! وأين ذهب هذا الفرق؟ وماذا كان أثر ذلك على الليرة السورية؟! الم تكن هذه المزادات بداية تراجع الليرة مقابل الدولار؟! وليرتفع الفرق بين السوق السوداء والنشرة الرسمية للأسعار بما يتراوح بين10أو 15 ليرة سورية!.. وفي هذه الحالة، أجرى المركزي تعديلات على أسعار الصرف الرسمية لتواكب تدريجيا سعر الصرف الموجود بالسوق السوداء، وهذا ما كان يتوجب على المصرف اتباعه من قبل, وبما أن الرجوع عن الخطأ فضيلة، فقد بدأت السوق تشهد بعد هذا التعديل بداية لتقارب بين سعري النشرة والسوق..

 

مطالبة التجار بالفرق

المشهد الآخر بمسرحية المركزي، كان مطالبة التجار -الذين تم تمويل مستورداتهم بسعر نشرة المركزي القديمة- تعويض الفرق حسب السعر الجديد، والذي أثار امتعاض التجار، وعدم إحساسهم بالأمان، وكان لهذا القرار أثاره الاجتماعية على رفع أسعار المواد والسلع في الأسواق على المستهلك النهائي.. وهنا لا بد أن نتذكر الضغوطات التي مرت بها سورية في عام 2005، والتي كان المركزي في حينها الحامي الحقيقي لليرة السورية، ولم تشهد الليرة السورية خلالها هزة كهذه التي تشهدها اليوم..

 

عودٌ على بدء

والحلقة الأخرى من مسلسل المصرف المركزي، هي تصريح حاكم المركزي بالتوجه نحو «التعويم الموجه» لليرة السورية لصحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية من جهة، وطرح موضوع المزادات العلنية لبيع الدولار مرتين في الأسبوع بعد فشل المزادات السابقة في الحفاظ على استقرار سعر الليرة من جهة أخرى، فهل نريد العودة للمطب نفسه من جديد؟! ولماذا تم مؤخرا إنكار موضوع السعي لتعويم الليرة من أساسه؟!

التعويم الموجه هو الذي يسمح لصاحب السيولة الأعلى بالتحكم بالسوق، وبسعر الليرة أيضاً، وبالوقت نفسه لم نراع به تهديد الدول المستعدة لدفع أي مبالغ للسيطرة على الوضع في سورية، الم يعرف المصرف المركزي ما قامت به حكومات بعض دول الخليج مؤخرا لضخ كميات كبيرة من الليرة السورية؟! وهذا ما جاء على لسان رئيس جمعية الصاغة السوريين (جورج صارجي)، الأمر الذي ساهم ويساهم في تخفيض قيمة الليرة السورية.

ففي ظل بلد يعمل باقتصاد ليبرالي مفتوح بشكل تام، تتوازن فيه قوى العرض والطلب بشكل اوتوماتيكي، ولكن هذا لن يحصل في ظل الاقتصاد السوري المشوه، والذي لا يستطيع أحد تحديد هويته، فبعد طرح مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي في ظل سياسات اقتصادية لم تنفذ إلا قسم متطلبات اقتصاد السوق..

 

الحلول خلقت أزمات

وكان أخر الإجراءات الهادفة من الناحية النظرية على ضبط الليرة السورية، هو قرار مجلس النقد والتسليف رفع أسعار الفائدة على الودائع الدائنة، فالمصارف السورية، وخاصة العامة منها، صاحبة اكبر كتلة تسليفية في السوق، وقد أصابها مرض التعثر نتيجة الأزمة التي نمر بها، وعدم قدرتها على دفع الإقساط من  أغلب المقترضين، فهل يأتي الحل بمنع هذه المصارف عن منح التسهيلات بكافة أنواعها؟! علما أن هناك نوعاً من القروض مضمون 100 %، ونسبة المخاطرة فيه تساوي الصفر وهي القروض الصغيرة (التجزئة) الموجهة لموظفي القطاع العام المسيطر على رواتبهم من  الدولة، كما أنه لا بد من التساؤل: ما هو المبرر الاقتصادي لرفع الفوائد الدائنة على ودائع المتعاملين؟! والذي حمّل المصارف العبء الأكبر، وبنفس الوقت الذي طلب من المصارف التوقف عن منح أي تسهيلات؟! فمن أين ستعمل هذه المصارف وخاصة العامة؟! وهل المطلوب منها التوقف عن تحقيق أي أرباح بهذا القرار؟!.