القطاع العام .. أكبر دافعي الضرائب والخاص ينعم بفردوس الحرب
أكد وزير المالية في بداية عام 2015 بأنه سيكون عام التحصيل الضريبي، مرفقاً ذلك بتأكيدات بأنها لن تحصل على حساب المواطنين، وكذلك الأمر، أتى تأكيد وزير الاقتصاد في نهاية عام 2014، بأن أهم مشروع عمل حكومي هو توسيع التحصيل الضريبي والإيرادات الضريبية، وليس فقط تقليص النفقات.
ومقابل هذه التصريحات، شهد هذا العام توسعاً كبيراً في الإيرادات المتحصلة من الخدمات العامة والرسوم عليها، ومن الضرائب التي يدفعها المستهلك النهائي مثل ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، بينما بقي التغير في ضرائب الدخل على الأرباح طفيفاً، والأهم من ذلك أن توقعات الحكومة لتحصيلاتها الضريبية بقيت أخفض بكثير من الأرقام القابلة للتحقق!..
تتوقع الحكومة في مشروع موازنة 2016، أن تحصل 57 مليار ليرة فقط من ضرائب الأرباح، وهذا الرقم يعتبر ضئيلاً حتى في ظروف الحرب، وتحديداً أن مصادر هذه الضريبة متنوعة، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على القطاع العام والضريبة على إيراداته، وتحوي ضريبة الأرباح على مطارح ضريبية أخرى يفترض أن تكون عالية في ظروف الحرب، كضرائب دخل أرباح قطاع التجارة الخارجية، وهو من أوسع القطاعات في الظروف الحالية، وأكثرها قدرة على التكيف وبالتالي أكثرها ربحاً، بالإضافة لشركات القطاع الخاص بأنواعها المصرفية والمالية وشركات الصرافة التي تحقق عوائد هامة من التعامل بالقطع الأجنبي، مروراً بمكلفي ضريبة الدخل المقطوع بتنوعاتهم من حيث حجم التكليف وحجم الإيرادات، فمن الجامعات الخاصة، إلى المشافي الخاصة، إلى صغار المحال التجارية، وصولاً إلى المنشآت الحرفية الصغيرة وغيرها.
لم تشهد عملياً ضرائب الأرباح على كبار المكلفين أي إجراءات استثنائية لتوسيعها، لمواجهة تراجع الإيرادات الحكومية، بل على العكس من ذلك، أخذت الإجراءات الاستثنائية طابعاً متساهلاً، عبرت عنه المراسيم المتعددة التي تتالت للإعفاءات من غرامات التأخير في ظل عدم تسديد كبار المكلفين لمستحقاتهم الضريبية.
28% أعلى نسبة للقطاع العام!
تفرض الحكومة على جهات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي ضرائب أرباح، كتلك الضرائب المفروضة على الشركات الكبرى وأصحاب الربح الكبير، والمعاملة هنا ليست بالمثل، بل بتمييز سلبي، أي ضريبة أعلى على الجهات العامة.
إن مجمل جهات القطاع العام يفرض عليها ضريبة ربح، ولكنها تستثنى من احتساب النسبة على أساس الشرائح كما في بقية مكلفي الأرباح الحقيقية، بل تفرض عليها أعلى نسبة 28%، أي كأنها رابحة وفق الشريحة الأعلى! بينما يفرض على الشركات المساهمة كشركات الاتصالات على سبيل المثال، والشركات المكتتب على أسهمها بنسبة 50% وما فوق، ضريبة لا تتعدى نسبتها 14%، أي نصف ضريبة الجهات العامة.
الحرب لا تستوجب ضرائب استثنائية!
تصيب خسائر الحرب جميع الأطراف والقطاعات في الاقتصاد الوطني، إلا أن بعض أنواع الخسارات، ليست خسارات وحيدة الاتجاه، بل هي أرباح لدى قوى وأطراف اقتصادية، وتحديداً قوى السوق، فما تتعرض له قيمة الليرة من خسائر تنسحب على القيمة الحقيقية للأجور فتقلصها، بينما تتحول هذه الخسارة أرباحاً في الطرف، لدى القادرين على التحكم بالسعر، والمستفيدين من انخفاض قيمة الليرة بزياة هامش الربح، ولدى المستفيدين من التعامل بالقطع الأجنبي.
لا بد من البحث عن طريقة لكي يجد جزء هام من هذه الأرباح طريقه العائد إلى المال العام عبر الضرائب، إلا أن هذا لم يتم، فالحرب لم تدفع المسؤولين عن جباية الضرائب من الأرباح الحقيقية، والبحث عن مصادر ضريبية أوسع، تنطلق من يقين بأن أولئك الرابحين هم الأكثر مرونة وقدرة على التكيف مع ظروف الحرب، وتحصيل الأرباح، بل تم الأمر على العكس من ذلك، حيث خُففت حصيلة الرسوم الجمركية على المستوردين، وتم استثناء أرباح عوائد القطع الأجنبي من ضريبة الأرباح، وبقيت الإعفاءات الضريبية سارية المفعول لشركات خاصة رفعت أسعارها بشكل متتالي خلال الأزمة، وبقيت النسب الضريبية المنخفضة لهؤلاء في حدودها الدنيا، بالمقارنة مع النسب المطبقة في دول الجوار.
وكانت ضريبة رسم الإنفاق الاستهلاكي واحدة من (الفتاوي الضريبية) التي تفرض على التجار، وتطبق عملياً على أسعار المستهلكين، مؤدية إلى انتقال الحصيلة الضريبية من جيوب المستهلك النهائي، إلى المال العام، دون أن تجد طريقها العائد إليه عبر الخدمات والمهمات الحكومية، التي زادت رسومها، وارتفعت أسعارها وانتهى معظم الدعم المطبق على بعضها الباقي.
أما قانون ضريبة الدخل المقطوع، فهو لم يقدم إضافة هامة على الضريبة التي تعتبر واحداً من أركان التشوه الضريبي في سورية، وهي المعتمدة على التصنيف، والتقدير ثم التكليف، أي أن بياناتها ومساحات الخلل فيها أعلى.
زيادة 7% فقط بالقيمة الحقيقية!
القيمة الحقيقية لحصيلة ضريبة دخل المهن والأرباح:
2015: 32 مليار ل.س = 213 مليون دولار بسعر صرف 150 ل.س/$ الرسمي في موازنة: 2015.
2016: 57 مليار ل.س= 228 مليون دولار بسعر صرف 250 ل.س/$ الرسمي في موازنة: 2016.
إن مقدار الزيادة لا يتعدى 7% بالقيمة الفعلية لهذه الأموال، بين عامين، بينما خسرت الليرة قرابة 40% من قيمتها خلال عام 2015 فقط، لتتحول هذه الخسارة إلى عوائد لمالكي القطع الأجنبي والمتعاملين به، كما في المصارف الخاصة، وشركات التأمين، والشركات المالية، كشركات ومكاتب الصرافة، ولتتحول إلى أرباح لدى قطاع التجارة الخارجية الممول بالقطع الأجنبي، والذي يسعر بضائعه في السوق، بقيم مرتفعة مع كل انخفاض في قيمة الليرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الضريبة المفروضة على ريع العقارات التي لا تزال تقدر تقديراً غير واقعي، وتتيح تهرباً ضريبياً واسعاً، وإن مجمل هذه الأرباح من المجالات الرابحة المذكورة لا تتحول إلى عوائد ضريبية تعود للمال العام.