الكهرباء الســورية: إنـتاج اليوم ثلث ما قبل الأزمة.. ماذا عن استهلاكنا؟!

الكهرباء الســورية: إنـتاج اليوم ثلث ما قبل الأزمة.. ماذا عن استهلاكنا؟!

يتدهور وضع الكهرباء في الفترة الحالية، كواحدة من جوانب التصعيد وتعقيد تفاصيل معيشة السوريين. العنصر الرئيسي الواضح في التدهور الكهربائي الحالي، هو عنصر الطاقة، فالغاز تراجعت كمياته بعد المعارك في المنطقة الوسطى وخسارة جزء هام من إنتاج الغاز السوري، والفيول مرهون بتأمين الوقود استيراداً، بالطريقة الممكنة في الظروف الحالية المعتمدة على الخط الائتماني الإيراني.

قاسيون تضع أمام قرائها المعلومات الرئيسية حول قطاع الكهرباء وظروفه الحالية، لتفتح أسئلة وتفاصيلاً متعلقة بهذا القطاع الحيوي الهام، الذي لم تجترح له الحكومة أية حلول نوعية حتى اليوم.
التقينا برئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية رفيق العلوني، والذي أفادنا بمجموعة من المعلومات الرسمية،  المتعلقة بتفاصيل الاستهلاك والإنتاج والدعم والخسائر، كما ستعتمد قاسيون على تصريحات رئيس مجلس الوزراء في اجتماع الاتحاد العام لنقابات العمال الأخير، بتاريخ 24-8-2015، في رده على تساؤلات العمال حول الوضع الكهربائي التدهور.


الإنتاج والاستهلاك والفجوة بينهما

يبين الجدول التالي الفجوة بين إنتاج واستهلاك الكهرباء بين عامي 2011-2014:



وفق معلومات نقابات عمال الكهرباء، فقد تراجع الطلب على الكهرباء بين عامي 2011-2014 بنسبة 25%، أي بمقدار الربع، نظراً لتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي بشكل أساسي، حيث تعتبر الكهرباء من أهم المدخلات في عملية الإنتاج.
وانخفض الطلب على حمل الذروة من 9000 ميغا واط عام 2011 إلى 6000 ميغا واط عام 2014، بينما المغطى منها  2500 ميغا واط فقط.
أي أن العجز بين الكمية المطلوبة والكمية المتاحة 58% في وقت الذروة.
وبالمقابل تراجع إنتاج الكهرباء بين عامي 2011-2014 بنسبة 50%، من إنتاج 49 مليار كيلو، إلى 24 مليار في عام 2014، حيث الفجوة بين كمية الكهرباء المطلوبة والكمية المنتجة: 13.5 مليار ك.و.س، وهي تشكل نسبة 56% من الإنتاج الكهربائي.
أما في العام الحالي فإن الإنتاج لا يتعدى 17 مليار ك.و.س، يصل منها بعد الضياع في الشبكة 15 مليار كيلو للاستهلاك فقط، أي أن فجوة الإنتاج بين 2011، و 2015 تبلغ: 65%، أي قرابة ثلثي الإنتاج.


أزمة الكهرباء أزمة وقود!

يعتمد إنتاج الكهرباء في سورية بشكل أساسي على مادتي الغاز الطبيعي والفيول  بنسبة 93%، وبالتالي تراجع الإنتاج يرجع بشكل أساسي إلى تراجع إمكانية تأمين الوقود للمحطات:
بحسب معلومات رئيس الاتحاد فإن:  (واردات الفيول والغاز الطبيعي إلى محطات التوليد انخفضت من 30 ألف طن مكافئ نفطي يومياً  كمعدل وسطي لعام 2011، إلى 12 ألف طن مكافئ عام 2014 تقريباً بنسبة انخفاض60%، كنتيجة لاستهداف حقول وأنابيب النفط والغاز، مما أدى إلى توقف 36 عنفة من أصل 56 عنفة جاهزة للعمل،  ليتراجع إنتاج الكهرباء، ويسبب عدم القدرة على تلبية الطلب).
أما من حيث جاهزية المحطات، والمعدات، فإن الوزارة تكرر تأكيدها، بأن الجاهزية عالية، وأن مشكلة الكهرباء هي مشكلة طاقة فحسب!. ومع ذلك فإن للوزارة تقديرات ضخمة لحاجات قطاع الكهرباء الاستثمارية، من الوقت الحالي لما بعد عام 2020، تبرر فيها دخول القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع السيادي رغم أننا لسنا بحاجة ماسة له في هذه اللحظة طالما أن الأزمة أزمة وقود.


توسيع المحطات كفيل بالعودة للصفر

عمليات استعادة مستويات الطاقة الكهربائية، إلى مستوى ما قبل الأزمة، ليست اليوم مشروطة ببناء محطات جديدة، بناءً على معلومات (العلوني)، بل يكفي استكمال مشاريع التوسيع لعدة محطات كانت مقرّة سابقاً ليعود الإنتاج إلى 50 مليار كيلو واط ساعي، إلا أن إنتاج الكهرباء يبقى مشروطاً بالتوفير المستمر للطاقة: (في حال توفر الوقود اللازم للتشغيل –فيول، غاز طبيعي- واستكمال المشاريع الجاري تنفيذها مثل: المرحلة الثانية والثالثة لمحطة دير علي، وتوسع جندر، وتشرين، فإنه لن يكون هناك فجوة بين الطلب وكمية الكهرباء المنتجة حتى عام 2020 حيث ستتجاوز الاستطاعة المركبة 10000ميغاوات، والطاقة المتاحة 50 مليار ك.و.س، وذلك للعودة إلى مستويات ما قبل الأزمة حيث كان الطلب على الكهرباء 50 مليار ك.و.س عام 2011).


تشاركية التوليد والتوزيع!

أما بعد عام 2020 وفي حال انتهاء الأزمة قريباً وعودة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي، فإن معلومات النقابات حول الخطط الاستثمارية للوزارة تشير إلى التركيز على زيادة محطة سنوياً، ومشاريع الطاقة الريحية، والمنهج الاستثماري للوزارة قائم على التشاركية!.
حيث تعتبر التشاركية مع القطاع الخاص، عنواناً رئيسياً في عمليات الاستثمار، وتحديداً في التوليد، حيث أن هناك (حاجة ضرورية لبناء محطات توليد جديدة بمعدل 600 ميغا واط سنوياً حتى عام 2030 أي بتكلفة سنوية 500 مليون يورو تقريباً). مذكرة بأن: (القانون رقم \32\ لعام 2010 ينص على السماح للقطاع العام والخاص والمشترك والأجنبي بالاستثمار في مجال توليد وتوزيع الكهرباء، وبموجبه تلتزم المؤسسة العامة لنقل الكهرباء بشراء الكهرباء المنتجة، مع السماح للمستثمرين ببيع الكهرباء للمشتركين أو تصديرها عبر الشبكة).
أي أن الاستثمار الخاص متاح له التوليد، وتشتري مؤسسة النقل الكهرباء المنتجة، كما يمكن للمستثمرين أن يوزعوا الكهرباء للمستهلكين مباشرة، داخلياً أو خارجياً.


شراء الطاقة الريحية بـ 308 مليون يورو!

كذلك الأمر بالنسبة لمهمة الطاقة البديلة، وتحديداً الطاقة الريحية، والتي تعتبر استثماراً للقطاع الخاص وفق سياسة الوزارة، حيث: (تأمل إقامة مزارع ريحية لتوليد الكهرباء بمساهمة القطاع الخاص في مناطق: السخنة، شرق السويداء، قطينة، القنيطرة، باستطاعة إجمالية 500 ميغاوات وتقدر الكهرباء المتوقع شراؤها من المزارع الكهروريحية الخاصة خلال الفترة حتى عام 2020 بنحو: 308 مليون يورو).
وتبدي الوزارة تفاؤلها، باستثمار القطاع الخاص في الطاقة الريحية، على الرغم من تقديرها للمبالغ المترتبة على شراء إنتاجه الكهربائي.


19 مليار يورو.. خلال 5 سنوات فقط!

تقدر وزارة الكهرباء (الاعتمادات الاستثمارية اللازمة لقطاع الكهرباء مع نفقات الوقود المستورد، والطاقة المشتراة من القطاع الخاص، حتى عام 2020 بأنها ستصل إلى: 19مليار يورو!.) وهذا الرقم الضخم المقدر لتكاليف الاستثمار في القطاع، ولما قبل عام 2020، لا يشمل إنشاء محطات التوليد أو التوسيع السنوي بمقدار 600 ميغا التي ستبدأ بعد خمسة أعوام، ويعتمد على فرضية استمرار استيراد المشتقات النفطية، ويعتمد على أن القطاع الخاص قد دخل في استثمار الطاقة الريحية، والدولة بدأت تشتري منه!.


تكلفة إنتاج الكهرباء.. الدعم

تضاعفت تكاليف الكهرباء في عام  2014 حيث ارتفع وسطي كلفة وإنتاج ونقل الكيلو واط ساعي على مختلف التوترات إلى 30 ل.س/ك.و.س، في حين وسطي مبيع الكيلو على مختلف التوترات نحو 5 ل.س، بحسب المعلومات النقابية، أما أسباب الارتفاع فتعود إلى (تضاعف تكاليف الكهرباء لعام 2014 نتيجة لارتفاع الأسعار المحلية للوقود -الفيول أويل والغاز الطبيعي- وارتفاع قيمة جميع الاستخدامات بسبب التضخم في سعر الليرة السورية، والدعم الحكومي المالي الكبير المقدم لسلعة الكهرباء وخصوصاً للقطاع المنزلي).
ومقابل هذه التكاليف فإن المعلومات، تشير إلى أن مبيعات الطاقة الكهربائية على مختلف التوترات 75 مليار ل.س، بينما المحصّل منها  35 مليار ل.س، ولم تتجاوز نسبة التحصيل 46.7%.
وبناء عليه تقدر الحكومة حجم الدعم المقدم لسلعة الكهرباء خلال عام 2014 بمبلغ مقداره 375 مليار ل.س، أما الدعم الكهربائي المعلن في عام 2015، فهو 400 مليار ل.س.

أرقام وتساؤلات؟!

• الاستهلاك تراجع الربع فقط؟!
رئيس الحكومة تحدث في المؤتمر العام لاتحاد العمال بتاريخ 24-8-2015، عن تراجع الإنتاج الكهربائي، واقتصاره في المرحلة الحالية على 17 مليار كيلو واط، أي تراجعه بمقدار ثلثي إنتاج ما قبل الأزمة، إلا أنه لم يتحدث عن تراجع الاستهلاك، فآخر المعلومات حكومية عن تراجع الاستهلاك تشير إلى تراجعه فقط بنسبة الربع عن عام 2011!.
فهل يعقل أن يكون التقنين الذي يشمل الاستهلاك المنزلي، والتجاري، وحتى الصناعي، والحرفي، قد وصل إلى تقنين لمدة 10 ساعات من أصل 24 ساعة يومياً، بالحد الأدنى، وأن يكون التراجع فقط 25%!
فإذا ما أخذنا معدلات التقنين بحدودها الدنيا المذكورة فقط، فإن تراجع الاستهلاك يفترض أن يصل إلى 41%، وإذا ما أضفنا مع تراجع الاستهلاك الصناعي، وخروج أكثر من 4-5 مليون سوري من البلاد، مع خروج مساحات كاملة من التغطية الكهربائية، مع الانقطاع التام للكهرباء عن مناطق سورية لفترات طويلة مستمرة، مثل مدينة حلب التي تضم حوالي 4 مليون سوري، بحسب تصريحات حكومية! ألا يجب أن تدقق الحكومة تراجع رقم الاستهلاك، ليتضح فعلياً حجم الفجوة، وليتضح فعلياً حجم الإنتاج المطلوب، وبناء عليه التكلفة المطلوبة!.


• إنتاج 2014 مثل إنتاج 2013؟!
تقول المعلومات الحكومية بأن حجم المبيعات في عام 2014: 75 مليار ل.س، لم تحصّل بالكامل، بينما وسطي مبيع الكيلو: 5 ل.س للكيلو.
وبناء على الرقمين، فإن وسطي الإنتاج في عام 2014: 75÷5= 15 مليار كيلو واط ساعي. بينما الأرقام الحكومية تكرر رقم الإنتاج في عام 2014، لتقول بأنها أنتجت في عام 2014: 24 مليار كيلو واط ساعي!
ويعتبر رقم الدعم الحكومي في عام 2014 البالغ 375 مليار ل.س، دليلاً على حجم الإنتاج الذي لا يتعدى 15 مليار كيلو واط في 2014، حيث أن الدعم الوسطي للكيلو والبالغ: 25 ل.س كفارق بين وسطي التكلفة والبيع مضروباً بـ 15 مليار كيلو ينتج عنه:  15 مليار كيلو× 25 ل.س= 375 مليار ل.س!.
لذك ينبغي تدقيق رقم إنتاج عام 2014، أو توضيح حجم التصدير، والمبيعات الخارجية، والمبيعات للمشتركين على توترات: 230 ك.ف، والمبيعات لوزارة النفط، والمبيعات للمستهلكين على توتر 66 ك.ف.


• هل من تصدير في عام 2014 وما بعد؟!
تصريحات الحكومة حول قطاع الكهرباء، والأرقام الرسمية المقتصرة على التصريحات دون توثيق، لا تذكر تصدير الكهرباء في عامي 2014، و 2015. على الرغم من أن عام 2013 شهد زيادة في تصدير الطاقة الكهربائية بمقدار: 62%. حيث تم تصدير 326 مليون كيلو واط، في عام 2012، وازدادت إلى 529 مليون كيلو واط في عام 2013، على الرغم من أن إنتاج الكهرباء انخفض من 42 مليار كيلو في 2012، إلى 29 مليار كيلو في عام 2013!.
ثم توقفت المؤسسة العامة لنقل الكهرباء في عام 2014 عن نشر تقريرها الإحصائي السنوي!.

رفع السعر لا تعديله:

100% للشريحة الأولى- 42% للثانية
وعد رئيس الحكومة بأن وضع الكهرباء سيتحسن، بعد وصول ناقلات النفط، وعودة معمل غاز كونيكو للإنتاج، ليضيف 2،3 مليون متر مكعب، وبالتالي 230 ميغا واط إلى الشبكة. ولكنه لم يشير إلى أن المقصود بالتحسن، هو تحسن التحصيل الحكومي، وتحسن مستوى الأسعار وفق المنظور الحكومي (لتصحيح تشوهات الأسعار باتجاه رفعها)!.
رفعت الحكومة أسعار الكهرباء، وبقيت مصرّة على أنها (عدّلت السعر) على الرغم من أن (التعديل) واضح الاتجاه، والأهداف.
فقد تم استهداف الأسر الأقل استهلاكاً، أي المناطق التي تنال أكبر قسط من التقنين الكهربائي، والتي يقتصر استهلاكها على الأساسيات!.
الوزارة تقول أنها لم ترفع السعر بذريعة أنه ما من مستلهيكن على الشريحتين الأوليتين: 100-200 ك.و.س، وأن 80% من المستهلكين المنزليين يستهلكون 600 كيلو واط ساعي! أي أن المستهلك السوري لن يتغير عليه شيء!.
ينبغي أيضاً أن تدقق الوزارة تبريرها أو تصححه، فكيف يكون وسطي استهلاك الأسرة السورية في عام 2011 600-640 ك.و.س، ويبقى ذاته في عام 2015، مع تقنين يتجاوز نصف النهار، ومع فترات قطع طويلة في أغلب الأرياف وبعض المدن الكبرى؟!
تتجاهل الحكومة الأزمة والتقنين عندما تتكلم عن الاستهلاك بينما، تنطلق من الأزمة عندما تتحدث عن الإنتاج والكلف، في واحدة من المفارقات الحكومية الكثيرة، المنطلقة من التقشف، وتصحيح الأسعار تمهيداً لجذب مستثمري قطاع الكهرباء.
على السوريين أن يعلموا بأن دعوة القطاع الخاص ليقوم بالاستثمار في الكهرباء، تعني بأن الدعم الكهربائي هو في طريقه للإلغاء نهائياً، هذا إن وجد فعلاً في ظل تراجع الإنتاج والاستهلاك، واحتمالية وجود التصدير!.