رداً على التبريرات الحكومية  اختزال (اقتصاد الحرب).. اختصار المهمات الكبرى

رداً على التبريرات الحكومية اختزال (اقتصاد الحرب).. اختصار المهمات الكبرى

حضرت الحكومة اجتماع الاتحاد العام لنقابات العمال بتاريخ 23-24 آب- 2015، الحكومة مسلحة ببرودة أعصاب، وبمجموعة مكررة من الأرقام وقفت أمام ممثلي العمال معبرة عن السياسات الاقتصادية، مدافعة عنها، معلنة أن هذه هي الفلسفة والمنهج المتفق عليه، والذي لا رجوع عنه.

لا يحتاج العمال، أو السوريون عموماً بمن يذكرهم بأننا في (حرب كونية امتدت لخمسة أعوام) كما استهل أغلب ممثلي الحكومة تبريراتهم. فأصحاب الأجر وعموم السوريين، هم المتضررون بعمق منها، وبالتالي أصحاب المصلحة الحقيقية بالحلول السلمية، التي دونها لن نكون قادرين على التحدث عن اقتصاد سوري، بل عن سورية ككل.

إلا أن تأكيد الحكومة على خطورة الحرب، وتحميلها المسؤوليات، يقابله تقليص الحكومة مسؤولياتها لحد بعيد، ويظهر هذا بوضوح من تعريفها لاقتصاد الحرب.

أوسع من دفاع وضروريات!

قدمت الحكومة تعريفها لاقتصاد الحرب على اعتباره قائم على تخصيص الموارد لدعم الجيش بالدرجة الأولى، ومجرد عمل إسعافي لسد الفراغات التي تنشأ في كل لحظة نتيجة الدمار، بالإضافة إلى تأمين الضروريات الحياتية، وانطلاقاً من هذه المهام نتجت (فلسفة عقلنة الدعم)، لتخفيف العجز، و(تصحيح الأسعار) كضرورة للاستمرار.

نوافق الحكومة أن اقتصاد الحرب يقتضي الدعم الضروري لعمليات الدفاع عن الوطن وإعطائها الأولوية، إلا أننا نختلف معها في اعتبار أن المهمات الاقتصادية الأخرى، هي إسعافية فقط، وأن الأداة الرئيسية هي تقليص الدعم وتحرير الأسعار في السوق، عبر ما يسمى (بعقلنة الدعم).

إن اقتصاد الحرب، يقتضي بالدرجة الأولى أن توسع الدولة إنفاقها العام، وتركزه في مواضع الإنتاج والتشغيل التي تمتلك مقومات استمرار ومقاومة وتطور في أعقد الظروف، حتى لو وصل الأمر للتوزيع المجاني للغذاء الضروري على عموم السوريين، وإيوائهم جميعاً عوضاً عن خيم العار، وطرق اللجوء الوعرة التي يضطرون لسلوكها.

الموارد من مطارح تكدّسها!

وتوسيع هذا الإنفاق العام للتركيز على الإنتاج، وحماية الموجود منه، وخلق مراكز إنتاج جديدة، يجب أن يقابله أوسع تعبئة للموارد، ليس بزيادة الجباية من الخبز والمحروقات والسكر والأرز والمياه والكهرباء والاتصالات وغيرها من ضروريات الحياة، بل تعبئة الموارد من حيث تتواجد وتتكدس فعلاً، أي لدى كبار أصحاب الربح، الشرعي وغير الشرعي، لأنه ما من ربح كبير مشروع في ظروف الحرب، حيث كل ربح يقابله جوع وفقر وافتراش الطرقات، وليس (تراجع في مستوى المعيشة) فقط!.

هل قامت الحكومة بتعبئة الموارد؟!

ينبغي أن نتذكر بأن قرابة 22 مليار $ هو حجم الأموال السورية الهاربة، دون رادع، وحوالي 1000 مليار ل.س موجودات في المصارف السورية الخاصة التي تُحصّل الأرباح بالدرجة الأولى من تراجع قيمة الليرة، أي من المضاربة عليها. وأن قطاعات سيادية وذات أرباح هائلة كالاتصالات أعطيت للقطاع الخاص، عوضاً عن أن تعود للدولة والمال العام، كما تنص العقود!، كما ينبغي أن نتذكر أن الحكومة خلال الأزمة خفضت الرسوم الجمركية على التجار، ليصبح أعلاها 30%، عوضاً عن 120-150% لسلع الترف سابقاً.

كما يتم إصدار المراسيم والتشريعات التي تعفي كبار المقترضين والمكلفين بضرائب الأرباح، على أمل (أن يتمكنوا) من دفع مستحقاتهم للمال العام! كما أن يد أصحاب القرار لم تمتد إلى كل الاستثمارات التي تعود إلى الدول الإقليمية التي حاربت سورية فعلياً أو حاصرتها أو قاطعتها، وبقيت أراضي وأملاك المستثمرين الخليجيين وأرصدتهم في البنوك دون أن تمس! بينما امتدت يد التقشف إلى آخر مقدرات أجر السوريين ولقمة أطفالهم.

وبالنهاية وهو المعيار الأهم لدى السوريين، بأن فاسداً واحداً أو مجرماً أو مضارباً على قيمة الليرة، لم يرقد شهراً في السجون، ولم تتحول أمواله إلى مال عام ينفق على خطط الحكومة الإسعافية!، وهذا هو أحد أهم محددات عدم ثقة السوريين بأية حكومة، وعدم تصديقهم لأي رقم يذكر طالما أنهم يعلمون بأن الفساد لا يُطال، بالتالي محصّن، وهذا ما يجعلهم غير قادرين على تحمّل المزيد من الحرمان والتقشف، طالما تمارس سياسة (لا عدالة الحرمان).

إذاً الحكومة لم تعبئ الموارد من الأقوياء، بل اعتمدت (السحب السهل) من جيوب الفقراء.

هل قامت الحكومة

بحماية الإنتاج وخلقه؟!

لم تقم الحكومة بتوسيع الإنتاج العام، وإنتاج ما لم تكن تنتجه سابقاً بدافع الضرورة، في أي موضع من المواضع، وهذا واضح، ولكن هل ساهمت بشكل فعال في حماية الإنتاج العام أو الخاص الموجود؟

تأخرت السياسات الاقتصادية في إعلان حالة إسعافية، لنقل خطوط الإنتاج إلى تجمعات آمنة وحمايتها بأي ثمن، وتأمين مصادر الطاقة الكهربائية المستقلة لها، ودعمها لتنتج بشكل مستمر، فالمعامل التي نقلت في اللحظات الأخيرة تم نقلها بمبادرات عمالية، وبقيت مشكلة الطاقة دون حلول!.

أما عملية إعادة التأهيل للصناعة العامة، فمرفقة بالتشاركية مع المستثمرين، ليقوموا بعمليات صيانة ويحصلوا على حصص مجانية لعقود قادمة!، وعندما أعلنت دعم القطاع الصناعي الخاص، دعمت التصدير، أي دعمت الصناعات التي تنطلق من تخفيض الأجور لعمالها للحدود القصوى، ومن شراء المواد من المزارعين المحليين بأقل الأسعار، ليقوموا ببيعها بالأسعار العالمية، على أمل أن تحصل الحكومة على جزء من قطع التصدير، ولم تحصل عليه كاملاً!. ولم تتم حماية المدن الصناعية مبكراً في السابق، وبعد أن دفع السوريون دمائهم لتأمينها في حلب، لا تجد الصناعة اليوم الحماية من عصابات السرقة المنظمة.

لم تقم حكومات الأزمة بحماية جدية للإنتاج، بل اعتمدت دعم السوق وتمويل المستوردين بالقطع الأجنبي، ليؤمنوا لنا كل الحاجات!. وهو ما يفسر فشلها في حماية الليرة من التراجع جدياً.

انشروا الأرقام التالية..

قدم رئيس مجلس الوزراء سلسلة من الأرقام التي يحاول من خلالها أن يوضح ويبرر سياسة عقلنة الدعم، وفي سياق استعراض الأرقام، فإن الكثير من المفارقات تظهر، وسنخصص لمناقشتها ملفات أخرى، ولكن مبدئياً على الحكومة أن تعلم أنها في موقع إدانة من السوريين كافة، وأن إعلانها للأرقام النهائية لا يثبت شيئاً، ولتثبت جديتها عليها أن تنشر الأرقام الإحصائية: غير المعلنة تاريخياً، والتي لم تعد تعلن منذ بدء الأزمة، والأرقام التفصيلية مع المنهج الذي يوصل للأرقام النهائية، وتطرحها للنقاش والتقييم.

وبناء عليه نطالب بنشر الأرقام التالية:

• الموازنات والإنفاق والتحصيل الفعلي في نهاية العام، وليس أرقام النوايا في بداية العام!..

• مختلف الإحصائيات القومية والمجموعات الإحصائية غير المعلنة.

• توزيع ما تنتجه البلاد من دخل في الظروف الحالية، بين الأرباح والأجور.

• جوانب تفصيلية غير موضحة في الموازنات، مثل الضرائب على الأرباح وتفصيلاتها، مقابل الضرائب على الأجور.

• طرق حساب تكاليف الكهرباء، والمحروقات، والنشرات المعتمدة وعلى أي أساس يتم اعتمادها، لنتوضح حقيقة وجود دعم من عدمه!.

• تكاليف كل عملية استخدام للمال العام في شراء المستلزمات عبر الاستيراد، انطلاقاً من الوقود مروراً بالقمح، والخميرة، والسكر، والأرز، والأدوية، وحتى مستلزمات إنتاج الجهات العامة عبر التجار والوكلاء.

• توضيح تكلفة سعر الجهة الموردة، وتكلفة النقل، وتكلفة التأمين، وتكلفة أرباح الوكلاء، لأن التجربة أثبتت أن كل مقارنة لتكلفة أية مادة تستوردها الحكومة، مع التكلفة العالمية مضافاً إليها هامش مرتفع لكلف النقل، تشير إلى وجود فوارق كبيرة، غير مبررة إلى أن توضح الحكومة أسباب الفوارق!.

• البيانات الدورية الواضحة لعمليات تمويل المستوردات بالقطع الأجنبي، توضيح الجهات، والمواد، والكميات، والسعر، ليعلم السوريون جميعهم من هي الجهات التجارية التي يتم تقديم القطع الأجنبي لها، وماذا تستورد.

 

آخر تعديل على الأحد, 30 آب/أغسطس 2015 00:16