الإنشاءات المعدنية: عناية بسيطة تنعش الإنتاج.. فلماذا الانتظار؟!

الإنشاءات المعدنية: عناية بسيطة تنعش الإنتاج.. فلماذا الانتظار؟!

كل ما تطلبه خروج معمل الإنشاءات المعدنية التابع للقطاع العام من الخسارة، هو إعطائه عقداً للتشغيل فقط! لم تنفق الحكومة مبالغ إضافية، أو تجدد الآلات أو يوظف مزيداً من العمال، بل كان المطلوب إعطائه فرصة للإنتاج بعد أن خسر فرصه وعوامل دعمه لفترة طويلة..

«قاسيون» قصدت شركة الإنشاءات المعدنية لترصد أسباب وظروف نهوضها خلال الأزمة بعد 15 عاماً من الخسارة..

الشركة العامة للإنشاءات المعدنية والصناعات الميكانيكية، شركة عامة تعمل على تصنيع الحديد، ومجموعة كبيرة من المنتجات المرتبطة به، كانت تتعهد القيام بتأمين خزانات النفط والوقود لصالح وزارة النفط، وتأمين المراجل البخارية التي تحتاجها الصناعات كافة، وأبراج التوتر للكهرباء، والخزانات الحديدية بأنواعها، والأعمال الإنشائية كافة، التي يدخل الحديد في تكوينها، كما أنها كانت تعمل على إنتاج صناعات معدنية خفيفة لتؤمن علب الصفيح الصغيرة، للمعلبات والسمن وغيرها..


إنتاج في الأعوام الصعبة!

الشركة كالكثير من شركات القطاع العام، انتقلت من الربح والتوسع في الثمانينات والتسعينيات، إلى الخسارة التي بدأت تسجّل منذ عام 2000، إلا أن الملفت مؤخراً في الشركة العامة للإنشاءات هو انتقالها إلى الإنتاج بقيم جيدة، في العامين الأخيرين من الأزمة 2014- 2015، وبعد عام واحد من خروجها من مقرها الأساسي في عدرا الصناعية بتاريخ شباط- 2013، وانتقالها إلى معمل تابع لها في القابون، ثم إلى معمل الكبريت على طريق المليحة، تاركة أكثر من 50 دونم أرض، ومعدات وآلات، لتلجأ مضطرة إلى مساحة لا تتعدى عدة دونمات، ولا تعادل صالة من صالاتها في عدرا، وبأقل الأدوات، وبخسارة نصف العمال تقريباً..


أبراج التوتر.. تحدي ناجح!

التحدي الأكبر، كما عبر عمال الإنشاءات المعدنية، كان إنجاز عقد 1000طن من أبراج التوتر الكهربائي الحديدية بقيمة 240 مليون ليرة خلال 2014،  ثم 3000 طن أخرى، لصالح المؤسسة العامة لنقل الكهرباء، بقيمة تقارب 700 مليون ليرة، حيث نجحت الشركة في إنجاز العمل خلال أقصر مدة ممكنة، ليتم تصنيع 3000 طن، أي ما يقارب 4000 برج توتر كهربائي، خلال ستة أشهر ونصف، عوضاً عن 8 أشهر كما اشترط العقد، وذلك باستخدام أدوات عمل وروافع بدائية، بدأت من رفع أعمدة التوتر على العربات الصغيرة، وصولاً إلى تطوير الأدوات خلال عملية الإنتاج، ليستقدم عمال الإنشاءات جزءاً من معداتهم في معمل الشركة في عدرا، وليهيئوا روافع جسرية بالإمكانات الضيقة المتوفرة..
تطلب النجاح في هذا التحدي عملاً إضافياً من معظم العمال، وعملاً في أيام العطل، وحتى في أيام الأعياد، كما صرحت لقاسيون جهات نقابية في المعمل، إلى أن أثبت العمال أن شركتهم جديرة بالاستمرار، عوضاً عن خطر الخسارة الذي كان يهدد وجودها، وليس لأي سبب سوى أنها لم تجد سابقاً من يقبل بتشغيلها!..


تعاون المؤسسة والمعمل.. أمّن العقد!

العقود التي نجحت الشركة بأخذها كانت مهددة بالتسليم للقطاع الخاص، حيث قدمت الإنشاءات العامة عرضاً في الأسعار كان ثاني عرض من حيث انخفاض التكلفة في الطن من بين 9 عروض تقريباً، حيث استطاعت الإنشاءات أن تتعهد بتكلفة 940 يورو للطن، بينما كانت تكلفة عقد القطاع الخاص الأقل كلفة 900 يورو للطن.
الكهرباء اختارت عقد القطاع الخاص الأرخص بنسبة أقل من 15% فقط، إلا أنه تم لاحقاً إعادة العقد إلى الإنشاءات المعدنية، بعد أن أثبتت الشركة قدرتها على تنفيذ العقد الأول 1000طن في التوقيت المناسب.
ويقول العمال بأن تعاوناً هاماً بين العمال وشركتهم، والمؤسسة العامة للصناعات الهندسية، أمّن النجاح في استلام العقد، حيث أمنت المؤسسة تمويل الشركة لاستيراد الحديد، وتم إعادة المبالغ لها، بعد الحصول عليها من الكهرباء..

خسارة 15 عام.. أسباب غير إنتاجية!

شركة الإنشاءات العامة التي كانت كغيرها من شركات القطاع العام، تمتلك ميزات نسبية وأولوية في تنفيذ مشاريع الجهات العامة، وذلك حتى صدور قانون الاستثمار رقم 10، والأهم  قانون العقود الصادر في عام 2004، الذي ألغى أولوية التزام الشركات والمنشآت العامة بتسليم مشاريعها لمعامل الدولة القادرة على إنجازها والمختصة بها، حيث أصبحت محروقات على سبيل المثال لا الحصر، غير ملزمة بتسليم الإنشاءات المعدنية إنتاج خزانات لها، إذا ما وجدت مقاولاً خاصاً تكاليفه أقل..
يسوّق لقانون العقود المذكور بأنه يضع القطاع العام والخاص، على قدم المساواة في شروط العقود، إلا أن هذه المساواة غير حقيقية، لأن الواقع والأدوات البيروقراطية، أبقت تكبيل القطاع العام ولم تعطه المرونة في توفير المستلزمات، بل حصرته بالاستعانة بالسوق، دون الاعتماد على نفسه.. 


تكاليف مثقلة بأرباح التجار!

إن تأمين استيراد المستلزمات لمعامل الدولة، عبر مؤسسات الدولة بشكل مباشر، كان يحقق لهذه المعامل، كالإنشاءات وغيرها، موقعاً متقدماً ومنافساً، ولو استمر العمل به،  لكانت منافسة القطاع العام مع الخاص ستكون (منافسة شريفة) إذا ما اعتبرنا أنه من الضروري أن تكون هناك منافسة عوضاً عن التزام المؤسسات العامة بتشغيل بعضها البعض!، إلا أن ما تم لاحقاً ألغى (شرف) هذه المنافسة بالسماح لقطاع الخاص والتجاري منه تحديداً بالتغلغل في كافة مفاصل الإنتاج العام، حيث أصبح التجار هم أداة تأمين مستلزمات المعامل العامة التي أصبحت مثقلة بأرباحهم، وأرباح سماسرة العقود والفساد!..
فشركة الإنشاءات المعدنية، كانت سابقاً تؤمن مادتها الأولية وهي الحديد من مؤسسة عمران الحكومية، التي كانت تستورد الحديد لمصلحة الشركة، وبسعر قريب من التكلفة، أو أقل من سعر السوق، مخفضة بذلك تكاليف الإنتاج بشكل كبير، حيث يذكر العمال، كيف كانت صفائح الحديد تأتي من الموانئ السورية، واصلة عبر السكة الحديدية إلى أرض المعمل في عدرا، وهذه العملية تغيرت منذ عام 2000 تقريباً..


تكاليف أعلى للمستلزمات

أدى تراجع مؤسسة عمران عن القيام بعمليات استيراد المستلزمات الإنشائية بالكميات الكافية، وأصبح تأمين مستلزم الإنتاج الرئيسي وهو الحديد، يعتمد على مناقصات التجار وعروضهم، لتصبح تكلفة استيراد الحديد على الشركة مرتفعة كثيراً، وتتضمن تكلفة الحديد، وربح التاجر، وطابع العقد، وكلف النقل، ومصاريف إدارية وغيرها..
وهكذا أصبحت تكاليف تنفيذ (الإنشاءات المعدنية) للعقود أعلى من متعهدي القطاع الخاص الذين يستطيعون استيراد الحديد مباشرة، ويستطيعون استيراد الخردة، والأجزاء الحديدية الصغيرة على عكس الشركة العامة الملزمة بمواصفات قياسية للحديد!..
ولم تستطع الشركة العامة نتيجة لذلك بشكل رئيسي، أن تنجح في الحصول على أي عقد هام للجهات العامة، خلال فترة طويلة، وانتقلت منذ عام 2000 إلى الخسارة المتراكمة، حتى أصبح عمالها يقبضون رواتبهم من وزارة المالية! وتناقص نتيجة ذلك عددهم من1000 عامل قبل الخسارة، إلى حوالي 550 عامل قبل الأزمة، وصولاً إلى 250 عامل، منهم 150 عامل إنتاج فقط في عام 2015، مع استمرار التسرب والتسريح والنقل، دون تعويض نقص العمالة، مع إيقاف التعيين..