التعرفة الجمركية الجديدة.. خطوات للوراء في كل المهمات!
وضعت المديرية العامة للجمارك تفاصيل مشروع التعرفة الجمركية الجديدة، وانطلقت نقاشات حولها، وكان صدور المرسوم رقم /377/ تاريخ 27-11-2014، قد حسم تغيير التعرفة، باتجاه تخفيض الرسوم الجمركية التي يدفعها التجار المستوردون، وتدخل في إيرادات المال العام للسوريين، حيث انتقلت أعلى تعرفة جمركية إلى نسبة 30%، بينما كانت تصل سابقاً في بعض المواد المستوردة إلى ستة نسب رسوم أعلى (50-60-70-80-120-150%). كما حسم المرسوم بأن شرائح التعرفة الجمركية، لن تتعدى خمسة شرائح عوضاً عن 16 شريحة سابقة بنسب متنوعة، تاركاً لمديرية الجمارك، بمشاوراتها مع الجهات العامة مسألة إقرار التفاصيل
قاسيون ستناقش الأهداف والذرائع من تغيير السياسة الجمركية في سورية في الظرف الحالي، كأحد جوانب السياسة الاقتصادية، التي تؤثر كثيراً على إيرادات المال العام أولاً، ومستويات الأسعار المحلية ثانياً، وعلى مستويات تراكم أرباح التجار المستوردين وزيادة وجوه دعمهم ثالثاً. وسنعتمد على بيانات مشروع التعرفة الجمركية الجديدة.
تخفيض الرسوم الجمركية.. يزيد إيراداتها!
إن وضع سقف 30% للرسوم الجمركية، سيؤدي بالتأكيد إلى انخفاض إيرادات المال العام من الرسوم التي يدفعها تجار الاستيراد، وستؤدي إلى مزيد من التراجع في القيمة الفعلية لإيرادات الجمارك، المتراجعة بالقيمة الفعلية خلال الأزمة، فوفق حسابات قاسيون لإيرادات الجمارك وفق تغيرات سعر صرف الليرة السورية، في عام 2014 بالقياس إلى عام 2013 تبين أن هناك انخفاضاً يبلغ 6%!، مع أن المستوردات الممولة بالدولار قد تضاعفت بين العامين!.
المفارقة أن الجمارك وواضعي السياسة، يرون أن العكس سيحدث!، أي يعتبرون أن تخفيض الرسوم الجمركية سيزيد من الإيرادات الحكومية.. حيث صرحت مصادر في الجمارك للإعلام المحلي في شهر 12-2014 رداً على تأثير انخفاض الرسوم الجمركية على موارد الخزينة العامة للدولة بالتالي: (انعكاس الانخفاض إيجابي كونه محفزاً قوياً للمستورد حتى يصرح عن القيم الحقيقية للمواد التي استوردها ويبتعد عن محاولات التهريب والتلاعب بقيم المواد المستوردة ومن ثم أصبح الاستيراد والتصريح عن القيم الفعلية أكثر ملائمة للمستورد، فعندما كان الرسم الجمركي على المواد التي يستوردها 80% مثلاً كان التاجر يحاول تصنيفها ضمن مواد لا يتجاوز رسم بندها الجمركي 20% حتى لا يضطر إلى دفع رسم عال.)
أي أن السياسة الحكومية تتوقع أن ترتفع إيرادات الجمارك، لأن التجار المستوردين الذين كانوا ولا زالوا قادرين على تغيير مواصفات إدخال بضائعهم، وتزوير بياناتهم بالتعاون مع الفساد في الجهات المسؤولة، سيقومون اليوم بتزويد الجمارك بالبيانات الفعلية، ويدفعون رسومهم فقط لأنها منخفضة!. للمفارقة أن السياسات في سورية خلا ل الأزمة توضع بشكل متصالح مع وجود الفساد والتهرب الضريبي بأشكاله، وتنطلق من اعتباره أمراً واقعاً، ينبغي محاباته والتكيف معه!.
إجراءات تبسيط في وضع معقد!
عدا عن تخفيض الرسوم، ووضع سقف منخفض لها، فإن الجمارك وواضعي السياسة الجديدة، يفتخرون بضغط شرائح التعرفة الجمركية إلى خمس شرائح، عوضاً عن 16 شريحة في التعرفة السابقة (0-1-1,5-3-5-7-10-15-20-30-50-60-70-80-120-150-%). ويعتبرون أن هذا الإجراء يفيد في تسهيل عملية تسديد التعرفة، والاستيراد بالمجمل.
الظرف الحالي، يتطلب بالفعل تعديلات في التعرفة الجمركية لتستطيع أن تلعب دوراً كسياسة اقتصادية تؤثر على مستويات الأسعار المحلية، وتحفيز الصناعة المحلية الممكنة في هذه الظروف، وإيجاد البدائل منخفضة التكلفة عن المنتجات الضرورية للاستهلاك، والتي لم تعد قابلة للإنتاج محلياً في ظرف الأزمة الراهن، بالإضافة إلى جملة هذه المهمات يجب أن تتحدد التعرفة الجمركية بناء على ضرورة زيادة موارد الخزينة العامة، وتحديداً أنها في هذا الموضع مأخوذة من الأقوياء اقتصادياً أي تجار الاستيراد، المدعومين مسبقاً بالدولار من المصرف المركزي، أي يحصلون على القطع الأجنبي بسعر منخفض، وليس بسعر السوق المرتفع.
مجموعة هذه المهمات المرتبطة بالأزمة والتي يفترض أن تقوم على أساسها معايير وضع التعرفة الجمركية، لم تؤخذ بالحسبان، عند التغيير، كما يبدو من مشروع التعرفة الجمركية، فالمهمات المعقدة في الظرف الصعب الحالي، يجب أن تجعل تبسيط الإجراءات (آخر هموم) الجمارك أو واضعي السياسات!. الشرائح الجديدة موضوعة على أساس 3 معايير متقاطعة، معيار طبيعة المادة خام، أم نصف مصنعة أم مصنعة، ومعيار الاستخدام أو الاستعمال مواد تستخدم بحالتها الراهنة، أو تدخل في إنتاج مواد أخرى، ومعيار درجة التصنيع أو القيمة المضافة، هل درجة التصنيع ضعيفة أم متوسطة أم منخفضة. بالإضافة إلى معيار تدخل يتعلق بالسياسة الاقتصادية والتموينية، يتيح للحكومة إخراج مادة لتخضع لرسم خاص. بينما تنوع الشرائح يتيح التناسب مع المهمات المعقدة.
معيار الاستهلاك الترفي.. مُغيّب!
التعرفة السابقة، كانت تضع معياراً غير معلناً لضريبة الرفاهية، واستيراد سلع الاستهلاك الترفي، وكانت رسوم الاستيراد المرتفعة تعبر عن ذلك، هذه النسب ألغيت، لتنخفض التكاليف على مستوردي السيارات الحديثة ومنه على أصحاب القدرة على شرائها في الظروف الحالية، من 150% إلى 30%، وتتساوى نسبتها مع نسبة مستوردات الأدوات الكهربائية المنزلية الأساسية، التي توقفت تقريباً صناعتها المحلية، وأصبحت أسعارها المستوردة أكثر من 10 أضعاف الأجر الوسطي!، وتتساوى نسبة رسوم السيارات مع رسوم استيراد الإطارات، ومع الأحذية، والشامبو، والمغلفات والظروف، وأنواع من الورق والورق المقوى!
ومن غير المنطقي أن يدفع مستورد اللؤلؤ الطبيعي، والأحجار الكريمة، والمعادن الثمينة رسماً يبلغ 5%، هو الرسم ذاته الذي يدفعه مستورد الذرة، وجملة المواد الداخلة في صناعة الأعلاف! حيث تتساوى النسبتان وفق المعيار البسيط، القائم على أن المادتين خام، أو غير مصنعتين!
خطوات للوراء في دعم الصناعة
بينما تكرر الحكومة وتعيد أن المصدرين، ودعم الصادرات، والإنتاج المحلي هو أحد أهم عناوين سياستها، فإنها لا تلتزم كما في التعرفة السابقة بتخفيض الرسوم الجمركية على المواد المستوردة الداخلة في الصناعة بشكل فعال، فعلى سبيل المثال جملة كبيرة من المركبات الكيميائية الرئيسية كانت بتعرفة 0%، أي معفية من الرسوم الجمركية، وهي المواد الداخلة في الصناعات الدوائية على الأقل، بينما لم تأت التعرفة الجديدة المختصرة على ذكرها، كذلك الأمر بالنسبة للمعادن، فمنتجات الحديد المسطحة كانت 1%، بينما هي اليوم 5%، وبعضها يصل إلى 10% وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المعادن. أي أن التعرفة الجمركية الجديدة، لا تحقق خطوات للأمام فيما يخص دعم المستوردات الداخلة في الصناعات الرئيسية الهامة.
خطوات للوراء في تخفيض مواد الاستهلاك
يرى البعض أن تخفيض مستويات الرسوم الجمركية بهذا المستوى، سوف يؤدي إلى تخفيض مستويات الأسعار على المواد الاستهلاكية، إلا أن التعرفة الجديدة لا تحقق أيضاً تقدماً عن التعرفة السابقة، في هذا الشأن، بل تحقق خطوات للوراء ترفع من أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة!.
فما الذي يبرر في الظروف الحالية أن تكون مواد استهلاك غذائية مرتفعة السعر في السوق المحلية، مدرجة ضمن المواد التي تبلغ تعرفتها الجمركية 20%، أي في ثاني أعلى شريحة، وكمثال على ذلك اللبن الرائب الزبادي- الجبن بأنواعه، بالإضافة إلى جميع أنواع الخضار الطازجة والمبردة!، وما الذي يبرر أن ترتفع تعرفة السكر الأبيض المكرر من 2%، إلى 5%، وهو المادة الاستهلاكية الرئيسية في الغذاء السوري، والتي توقف إنتاجها المحلي في الظروف الحالية، وما الذي يبرر وجود تعرفة للشعير والذرة، والمتممات المستخدمة في صناعة الأعلاف، والكسبة وغيرها من بقايا صلبة ومخلفات استخراج الزيوت النباتية المستخدمة في إنتاج الأعلاف، والتي تبلغ 5%، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار اللحوم المحلية.؟!
الحكومة تقدم إعفاءات مؤقتة على مستوردات المواد الغذائية، ولكن هذه الإعفاءات محصورة بالقطاع العام، وبمستورداته من مواد محددة من إيران! أي أنها إجراء راهن وليس سياسة.