حصة الدولة من دخل الأسرة السورية تتجاوز النصف.. والسوريون يعيشون بـ(معجزة)
تصنف سورية عادة في المراتب المتأخرة من حيث مستوى دخل الفرد فيها، مقارنة بالدول العربية والغربية، باستثناء بعض الدول العربية الفقيرة مثل اليمن والصومال والسودان وموريتانيا، في حين يتفوقها لبنان والأردن وتونس وغيرها، إذ يقدر نصيب الفرد السوري من الدخل القومي حوالي 5034 دولار أمريكي وفق دراسة لإحدى المجلات الأمريكية عام 2010، بينما بلغ متوسط الدخل في عام 2011 حوالي 14096 ليرة سورية وفق دراسة المكتب المركزي للإحصاء..
كما بيّن المكتب المركزي للإحصاء في مسح أجراه عام 2009 أن متوسط إنفاق الأسرة السورية يصل إلى 31 ألف ليرة سورية، بافتراض أن عدد أفراد الأسرة هو خمسة أشخاص، وبين المسح أن الأسر تنفق وسطياً 908 ليرات على الكهرباء والماء شهرياً، ويشكل هذا الإنفاق 2.9% من الإنفاق الكلي، وتنفق 1021 ليرة شهرياً بشكل وسطي على المازوت، ويشكل هذا الإنفاق 3.3% من الإنفاق الكلي، في حين تنفق وسطياً 1221ليرة شهرياً على الاتصالات الأرضية والخليوية بمعدل 4% من الإنفاق.
أما في الوقت الحالي، وبعد أن قامت معظم قطاعات الدولة ووزاراتها برفع قيمة خدماتها وضرائبها، وبعد أن تضاعفت اسعار السلع والمواد في سورية لعدة مرات، مع بعض الزيادات على رواتب العاملين في القطاعين الخاص والعام، باتت الفجوة بين مستوى الدخل والإنفاق أكبر، كذلك باتت القيمة المالية التي تسترجعها الدولة من دخل الأسرة السورية بطرائق متعددة أعلى.
الأسرة تعطي الدولة 9 آلاف شهريا
وبافتراض أسرة من خمسة أشخاص وسطياً في سورية، تعتمد على معيل واحد موظف لدى الدولة، براتب وسطي قدره 20 ألف ليرة سورية شهرياً، باعتباره الرقم الأقرب لرواتب معظم الموظفين سواء في القطاعين العام والخاص، يتبين أن ما تسترجعه الدولة من المواطن السورية يقارب نصف ما تمنحه إياه بموجب الراتب الشهري.
وتصل تكلفة التنقل لشخصين فقط من العائلة المفترضة يومياً خلال شهر، وعبر وسيلة نقل حكومية مثل باصات النقل الداخلي، إلى 4200 ليرة سورية، حيث تتقاضى باصات النقل الداخلي من الراكب 35 ليرة بشكل مخالف للتعرفة النظامية المحددة بـ25 ليرة وفق القرار الأخير لمحافظة دمشق.
وتبلغ قيمة فاتورة الكهرباء التي تدفعها الأسرة السورية وسطياً خلال الدورة الواحدة (شهرين) إلى 2 ألف ليرة سورية، بينما تبلغ قيمة فاتورة الاتصالات الأرضية في الدورة وسطياً حوالي 1500 ليرة سورية، ويترتب على كل أسرة ما يقارب 300 ليرة سورية خلال الدورة المائية الواحدة.
وإذا تم اعتبار الوقت الحالي وقدوم فصل الشتاء وحاجة الأسرة لشراء مادة المازوت بغرض التدفئة، التي تم تحديدها بكمية 200 ليتر لكل عائلة مبدئياً، وبسعر 80 ليرة سورية/ليتر، أي 16 ألف لكامل الكمية، وبتوزيع هذه الكمية على أشهر الشتاء الستة، ستكون تكلفة المازوت في الشهر الواحد حوالي 2600 ليرة سورية.
كذلك الأمر، إذا افترضنا اضطرار شخص واحد من الأسرة في الشهر لإنجاز معاملة حكومية بسيطة واحدة، ستكون تكلفة تلك المعاملة وسطياً 500 ليرة.
بحساب كل تلك التكاليف المفروضة على كل عائلة شهرياً، والتي تعود بمجملها للخزينة العامة، تصل قيمة ما تتقاضاه الدولة من كل أسرة شهرياً إلى 9300 ليرة سورية، أي حوالي نصف الراتب المحدد بعشرين ألف ليرة سورية.
حصة مما تبقى أيضاً
وبالتوسع لمستلزمات العائلة التي لا تقف عند هذه الأمور، بل تتعداها حتماً إلى الغذاء والمسكن والملبس والدواء والاتصالات الخلوية والانترنت، والتي يعود أيضاً جزء منها للدولة عبر الضرائب والرسوم المفروضة على السلع واستيرادها، نجد أن ما تقتطعه الدولة من راتب الموظف السوري ودخل الأسرة السورية يتجاوز بكثير نصف الراتب، لكن بشكل غير مباشر أو ملحوظ.
أما بالنسبة للحالة الاقتصادية العامة للأسرة السورية، فهي تتدنى باستمرار، مع تأرجح قيمة الليرة السورية، وتدنيها أمام العملات الأخرى، خاصة في ظل ارتباط قيم السلع والخدمات بتلك القيم، مقابل ثبات الدخل الشهري للأسرة في تلك الحدود المنخفضة، حيث تصل الفجوة بين الأجور والإنفاق إلى 400% حسب دراسات معتمدة على الأرقام المصرح عنها، وإن ما تحتاجه الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص فقط من دخل ثابت لتأمين أساسيات معيشتها في الوضع الراهن يصل إلى 100 ألف ليرة سورية شهرياً، اعتماداً على أن متوسط إنفاق الأسرة في عام 2009 حسب مسوحات المكتب المركزي (31 ألف ل.س)، على اعتبار أن متوسط زيادة الأسعار تتجاوز الـ 200% في الحد الأدنى، حيث كانت الفجوة بين تكاليف المعيشة ومستويات الأجور بحدود 181% حسب الرقم الرسمي الصادر عن مسوحات المكتب المركزي عن عام 2009، بينما تضاعفت هذه الفجوة لتصل إلى 400% في الأيام الحالية، لأن متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً (المطلوب) في الوضع الراهن يصل إلى 100 ألف ليرة سورية، بينما لا يتعدى متوسط الأجر الشهري حاجز الـ 20 ألف ل.س..
قرارات ممنهجة لزيادة وارداتها
ومقابل ما قامت به وزارات الدولة على التتالي من رفع لقيمة خدماتها، ما زال الحديث عن زيادة لأجور العاملين في القطاع العام غير دقيق، حتى لو كان من وجهة نظر الخبراء الاقتصاديين زيادة غير حقيقية بسبب مايقابله من ارتفاع للأسعار، وعدم زيادة دخل غير الموظفين في القطاع العام.
وبلغت الزيادة في سعر متر المياه المكعب 90 ليرة سورية على كل 20 ليتر، حيث استهدفت الزيادة مستهلكي الشريحة الثالثة، باعتباهم يشكلون 80% من مشتركي مياه الشرب، كما بلغت الزيادة في أسعار الكهرباء لمختلف الأغراض من 70-150% للشرائح المنزلية فوق 800 كيلو واط.
ومن جانبها قامت وزارة الاتصالات السورية برفع بعض خدماتها للاتصالات الثابتة وخدمات الانترنت الحزمة العريضة، فيما قامت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بإصدار ثلاثة قرارات رفعت بموجبها أسعار مواد تعتبر ذات أهمية في الحياة اليومية للمواطن السوري وذات انعكاس كبير في مستويات الأسعار عموماً، إذ رفعت سعر كيلو الخبز من 9 ليرات إلى 15 ليرة بنسبة حوالي 66%، حيث ارتفع سعر الربطة من 15 ليرة إلى 25 ليرة، ورفعت سعر ليتر المازوت من 60 إلى 80 ليرة سورية، وسعر ليتر البنزين من 120 إلى 140 ليرة، ما أدى لارتفاع كبير في تكاليف النقل والمواصلات.
يشار إلى أن ارتفاعات أخرى في عدة نواحٍ حياتية هامة طرأت بشكل رسمي، مثل قرار الحكومة العام الماضي برفع أسعار الأدوية بنسب تراوحت بين 5 – 40%، في حين قام الأطباء من تلقاء أنفسهم برفع قيمة المعاينات الطبية، بينما ما تزال نتائج عمل اللجان المشكلة من وزارة الصحة بهذا الغرض غير معلنة، إذ تفيد الأنباء المتعلقة بالموضوع بوجود ضغوطات من نقابة الأطباء لاتخاذ مثل هذا القرار..
خطر المجاعة في البلاد
يذكر أنه بموجب دراسة حديثة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) تواجه سورية احتمالات المجاعة لأول مرة في التاريخ، بعد أن وصل عدد من يعيش تحت خط الفقر الأعلى في سورية إلى 18 مليون شخص، بعد أن كانوا 5 ملايين شخص قبل عامين.