بيانات البنزين والمازوت..والكثير من التساؤلات!
أعلنت الحكومة عن رفع أسعار المحروقات الأساسية البنزين والمازوت، ليباع البنزين بسعر 140 ل.س/ لليتر، وهو بحسب وزير النفط سعر التكلفة، أي ليرفع الدعم عن البنزين نهائياً. وليرفع سعر المازوت إلى 80 ل.س / لليتر، وهو بحسب وزير النفط نصف سعر التكلفة البالغ 160 ل.س/ لليتر أي أن المازوت لا يزال مدعوماً بنسبة 100%.
مناقشة بعض الأرقام من بيانات شركة محروقات المسؤولة عن قطاع المشتقات النفطية من حيث شراء مستلزمات وتوزيعها، في عام 2013، تسمح بطرح العديد من التساؤلات المنطقية، وتؤكد أن بعضاً من الوضوح في بيانات تكلفة ودعم المشتقات ضروري، وتحديداً أننا لا نأخذ معلومات حول قطاع المحروقات إلا من تصريحات مقتضبة من حين لآخر، بينما نعطي الجزء الهام من أجورنا كنتائج لواقع هذه القطاع ومحاولات الحكومة تخفيف العبء عن كاهلها، وتحميله على كاهلنا.
وزير النفط في مقابلته على التلفزيون الرسمي وضح، أن الأسباب وراء الرفع هي تخفيض النفقات الحكومية، ترشيد الاستهلاك، ومنع الفساد والتهريب. فهل الاستهلاك فائض والمواطنون يسرفون!، وهل نفقات الحكومة بالضخامة التي تطرح؟ وماذا عن الفساد؟
ترشيد الاستهلاك
رشد السوريون قسرياً استهلاكهم منذ عام 2014، حيث انخفض استهلاك المحروقات الرئيسية بشكل كبير، البنزين بنسبة 61% والمازوت بنسبة 64% تقريباً، عن عام 2010. وذلك بالمقارنة بين استهلاك الربع الأول من عام 2010، والربع الأول من عام 2014. حيث أن الأشهر الثلاثة الأولى من العام تعتبر الأكثر استهلاكاً وتعطي دلالة كافية. ليكون تقدير كميات الاستهلاك في عام 2014: البنزين:1,14 مليار ليتر/ المازوت: 2,4 مليار ليتر.
أي أن هدف الحكومة في مزيد من الترشيد، قد أنجزه المواطنون والأسر السورية وخفضوا استهلاكهم أكثر من النصف.
نفقات الحكومة في عام 2014
أما بالنسبة للنفقات الحكومية، فإن الحكومة تطرح أرقاماً مخيفة حول حجم الدعم الاجتماعي، فهي تقول بأنها دعمت السوريين في عام 2014 بمقدار 600 مليار ليرة سورية، وأن الدعم سيرتفع في العام الحالي إلى 900 مليار! مع العلم أن الحكومة رفعت أسعار كل مكونات الدعم الأساسية الخبز، السكر ، الأرز، المحروقات، ومن ضمنها الكهرباء.
فما هي نفقات الحكومة على المازوت والبنزين في عام 2014 وكيف سنقدرها؟
لدينا من المعلومات المتاحة حول عام 2013 من بيانات شركة (محروقات) معلومات حول تكاليف البنزين والمازوت تستطيع أن تساعدنا في التقدير.
حيث أن حجم الدعم للمازوت والبنزين يفترض أن يحتسب من: (تكلفة مشتريات الحكومة الداخلية من المادة + مستورداتها) مطروحاً منه (مبيعاتها الداخلية + التصدير + ما تبقى من مخزون في نهاية العام تستطيع استخدامه في عام لاحق).
جدول (١) و(٢)
إذاً: مجمل دعم المازوت والبنزين في عام 2013 بلغ 100 مليار ل.س تقريباً.
إيرادات الحكومة
من مازوت وبنزين 2014
خلال عام 2013: ارتفع سعر المازوت من 35- 60 ل.س، وارتفع سعر البنزين من 65-100 ل.س. وبينما ثبت سعر المازوت في عام 2014، حتى الشهر الحالي العاشر، فإن سعر البنزين قد ارتفع في الشهر الرابع إلى 120 ل.س.
وباعتبار أن كميات الاستهلاك متساوية في عامي 2013-2014 ولم تنخفض، فإننا نستطيع تقدير إيرادات الحكومة من المازوت والبنزين في عام 2014، إيرادات البنزين بسعر 100ل.س ثم بسعر 120 اعتباراً من منتصف نيسان، أي أن إيرادات الحكومة من البنزين في الربعين الثاني والثالث أعلى، ولسهولة التقدير سنعتبر أن نصف العام الأول بسعر 100 ل.س، والنصف الثاني بسعر 120.
فهل بلغت تكاليف البنزين والمازوت أكثر من هذا المبلغ، لتحتاج الحكومة إلى دعم هذه المواد كما تقول بمبالغ تفوق 384 مليار ل.س! وهل من الممكن أن تقفز تكلفة ليتر البنزين المنتج محلياً في عام 2014، من 79 ل.س في عام 2013 إلى 140 ل.س بحسب وزير النفط، وأن تقفز تكلفة ليتر المازوت المنتج محلياً من 84 ل.س إلى 160 ل.س بين عامي 2013- 2014 ؟!
بينما صرح وزير النفط بأن دعم محروقات الربع الأول من عام 2014 بلغ 40 مليار، أي أن التقدير السنوي لدعم المحروقات يبلغ: 160 مليار ل.س. ولا يزال الفارق كبيراً بين حجم دعم كل المشتقات، والإيرادات المتوقعة من المازوت والبنزين فقط.! فما التفسير؟
من أين تأتي تكلفة الليتر الضخمة في عام 2014؟
خلال أعوام الأزمة وبين عامي 2010 و 2013، تشير بيانات محروقات إلى أن تكلفة ليتر البنزين المنتج محلياً من النفط الخام المستورد أو المستورد مباشرة، لم تتغير إلا بمقدار تغير مستويات الأسعار، أي بمقدار تغير سعر الصرف، حيث أن تثبيت الأسعار يجعل تكلفة ليتر البنزين في عام 2013 = تكلفة 2010= 22 ل.س! وتكلفة ليتر المازوت في عام 2013 بالأسعار الثابتة= تكلفة ليتر المازوت في عام 2010= 26,5 ل.س!
أي أن تغير سعر الصرف، وارتفاع مستوى الأسعار هو العامل الذي يغير من تكلفة الليتر بشكل رئيسي، بينما تبقى تأثيرات التكاليف الأخرى منخفضة، فمن أصل 528 مليار مستلزمات إنتاج المحروقات في 2013، هناك 523 مليار شراء نفط ومشتقات، والباقي للنقل والاجور وغيرها.
فهل ارتفع سعر الصرف بين عامي 2013 و2014 إلى حد يضاعف التكاليف؟! الجواب هو لا، حيث أن متوسط سعر الصرف في عام 2013 بلغ 120 ل.س وفق بيانات مصرف سورية المركزي عن المتوسط الشهري خلال العام، أما متوسط سعر الصرف في عام 2014 فيمكن تقديره بـ 150 ل.س. مع العلم أنه من المفترض أخذ سعر الصرف الرسمي باعتبار أن استيراد الحكومة يفترض أن يدفع بدولارات الاحتياطي أي بالسعر الرسمي، وليس بدولارات السوق!
إن البيانات تدل أن تغيرات الكلف بين ما قبل الأزمة وما بعدها يعود إلى تغيرات سعر الصرف فقط، أي أن ارتفاع التكلفة بين عامي 2013 و2014 يفترض أن يكون بنتيجة ارتفاع سعر الصرف فقط كما في الأعوام السابقة، تحديداً وأن سعر الصرف في عام 2014 كان أكثر استقراراً، والإنتاج أكثر استقراراً نتيجة ثبات توريد النفط الخام من الخط الائتماني الإيراني الذي من المفترض أن يكون لاحق الدفع. ووفق هذا فإن تغير سعر الصرف، يشير إلى ارتفاع من 120 إلى 150 ل.س/$، أي بمقدار 25%، أي أن التكلفة من المنطقي أن ترتفع بالحدود ذاتها لتصبح:
إن توضيح الحكومة لتفاصيل تكلفة الليتر أصبح ضرورة، لأن التكاليف الكبيرة المعلنة غير مفهومة في ضوء السياق المنطقي للأرقام الحكومية السابقة. وتحديداً أنه وفق التكاليف المنطقية، فإن الحكومة بأسعارها الجديدة، ستربح 40 ل.س من بيع ليتر البنزين أي حوالي: 96 مليار ل.س ربح من بيع الكمية ذاتها، بينما ستدعم ليتر المازوت بمقدار 25 ل.س أي بإجمالي 50 مليار ل.س دعم لكمية عام 2014 ذاتها. ليكون البنزين والمازوت إجمالاً ينتجان إيراداً صافياً للحكومة بمقدار 46 مليار ل.س..!
حول منع الفساد والتهريب
الحكومة تعتبر أن رفع السعر إلى سعر قريب من السعر العالمي يتيح منع مبررات التهريب، ولكن الحكومة بالمقابل أعطت السوق حصة هامة ورابحة من قطاع المحروقات على حساب الصناعيين، وربما على حساب المستهلكين لاحقاً.
حيث راسلت وزارة النفط وزارة التجارة الداخلية في كتاب رقم 1936، سرّبه الناقمون على القرارات الحكومية، وبناء على الأسس والمعايير التي تمت الموافقة عليها وفق توصية اللجنة الاقتصادية بتاريخ 15-10-2014، مقترحة الأسعار التالية:
مقترحات وزارة النفط لسعر الفيول والمازوت المستورد من القطاع الخاص للصناعة:
الفيول: 105 ألف ل.س/ للطن.
المازوت: 150 ل.س/ ليتر.
وهذه المقترحات تطرح التالي:
أن تكلفة استيراد الحكومة لطن الفيول في عام 2013، لم تتجاوز 37 ألف ل.س، وبينما رفع سعره الحكومي إلى 50 ألف ل.س، أي أن الحكومة تسلم القطاع الخاص، المشتق النفطي الأكثر ربحاً، وتسمح له بزيادة ربحه على حساب الصناعيين.
أما السعر المقترح للمازوت، فإنه ينفي صحة تصريح وزير النفط بان تكلفة ليتر المازوت تبلغ 160 ل.س، إلا إذا كان المستوردون من القطاع الخاص، يريدون الاستيراد لدعم الصناعة!! وهذا غير ممكن بطبيعة الحال.
الخلاصة والتساؤلات الأخيرة
على الحكومة أن توضح لدافعي التكاليف أي السوريين، ما هي هذه التكاليف، لترد على الأرقام والبيانات بأرقام وبيانات الكلفة، وتوضح لنا حجم العبء الحقيقي الذي يدفع من موارد الدولة، الآتية بجزئها الأعظم في ظروف الحرب، من أجور السوريين وأعمالهم، ومعيشتهم. حيث أن العديد من المفارقات تظهر وينبغي الإجابة عليها:
• انخفض استهلاك المحروقات بشكل كبير، فلماذا السعي إلى مزيد من ترشيده.
• إيرادات الحكومة من المازوت والبنزين فقط في عام 2014 تبلغ 384 مليار ل.س، بينما وفق تقدير وسطي الدعم بناء على الربع الأول من عام 2014، فإن وسطي دعم كل المحروقات يبلغ 160 مليار ل.س!.
• تكاليف ليتر البنزين والمازوت ارتفعت بين عامي 2010 و2013، بتأثير ارتفاع سعر الصرف فقط، كما تشير البيانات، فلماذا ارتفعت التكاليف بين عامي 2013-2014 بنسب أكبر بكثير من تأثيرات ارتفاع سعر الصرف؟! مع العلم أن توريد النفط الخام عبر الخط الائتماني الإيراني لتكريره، يغطي كل حاجات سورية في عام 2014، كما أشار وزير النفط سابقاً؟!.
• لماذا يسلم بيع الفيول إلى القطاع الخاص ويسعر بسعر مرتفع جداً، بينما تشير البيانات إلى أنه يباع حكومياً بأعلى من سعر التكلفة؟
• ما الذي يفسر السماح للقطاع الخاص ببيع الصناعيين المازوت بسعر 150، بينما يعلن وزير النفط أن التكلفة 160؟ ألا يشكك هذا بالتكلفة المعلنة؟