ذهنية «العقلنة» وصمود الشعب!
يتناول الخطاب الرسمي وشبه الرسمي في الشأن الاقتصادي مقولات تكرر هنا وهناك كـ«الحكومة تدفع الكثير» و«الله يعين الحكومة شو بدها تدفع لتدفع» و«الدعم بات عبئاً»...الخ من هذه الجمل التي تقال علناً أو بشكل مبطن أو بين السطور.
تنم هذه المقولات عن ذهنية الحكومة التي تبرر بها أمام الشعب كل أعمالها المنبثقة عن تبنيها لسياسات ليبرالية صرفة. ليغدو المواطن متهماً بالتقصير أو أنه عالة أو «تنبل» على حد قول أحد المروجين للخط الليبرالي!!.
ماذا تملك الحكومة؟!
من هنا ينبغي تذكير كل أولئك بإحدى مواد الدستور السوري وهي المادة 14 التي تقول إن: «الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب وواجب المواطنين حمايتها». يؤكد نص المادة ومضمونها أن الحكومة لا تملك شيئاً لتَمُنّ به على المواطن، وأن الهيئات الممثلة للدولة ومنها الحكومة وغيرها لا تملك إلا حق إدارة هذه الثروات وفقاً لمصلحة المواطن وفي كل الظروف. وفي ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوري لا مفر من حقيقة ضرورية هي دعم صمود هذا الشعب وبالتالي صمود الوطن، فهل رفع الدعم أو «عقلنته» يصب في هذه الخانة؟!!
أين هو ترشيد النفقات؟!
إن التعلل بضغط هذه النفقات وتوفيرها للإنفاق على مجالات أخرى كالدفاع وغيرها في ظل ظروف الحرب، وهي ضرورة لا شك لأمن الشعب، ماهو إلا مناغشة ومبازرة لحاجة الأمان عند الشعب مقابل حرمانه من حاجاته الأخرى التي بزوالها يضعف صموده، ولا أدل على ذلك إلا قيام الحكومة بالتفريط بالعديد من الموارد المالية القادرة على تغطية نفقات الصمود العسكري والشعبي، كالفساد الكبير والتهرب الضريبي والجمركي من قبل كبار المكلفين قبل صغارهم والتفريط بالقطع الأجنبي الذي جمعه الشعب السوري لعقود لمصلحة المتاجرين بالعملة الوطنية، ناهيك عن استمرار الحكومة بنفس مستويات الإنفاق الإداري السابقة للأزمة التي تشمل نفقات كسيارات المسؤوليين ونفقات مكاتبهم رغم أن العديد من المؤسسات الحكومية باتت خارج السيطرة إلا أن نفقاتها ظلت كما هي لا بل زادت في بعض المواضع حسب الموازنة!.
تبرر الحكومة نقص إيراداتها بامتناع العديد من المواطنين عن تسديد الفواتير، ولكن هل يعقل مقارنة من استفاد بعشرات المليارات خلال العقد الماضي مع من لايستطيع دفع فاتورة الكهرباء والماء اليوم، طبعاً دون التبرير لمن هو قادر ولا يدفع، ولكن الأعباء الضريبية التي لا تجنى من كبار المكلفين تفوق بأضعاف فواتير صغار المكلفين.
يبدو أن الحكومة وبعد 4 سنوات على الأزمة والتي امتعضت يوماً ما من وضع الحل السياسي للأزمة شرطاً للحل الاقتصادي الجذري، عملت على تعبئة «رأسمالها البشري» للمواجهة وإن كان هذا جيداً، إلا أنها لم توظف الكثير من أموال هذا الشعب لخدمته. فهل من المعقول أن تفرط الحكومة برأس المال البشري أغنى ما لديها وخزانها الاستراتيجي للصمود والنمو اللاحق وتعمل في الوقت ذاته على «صمود» الأموال وتنميتها وحفظها في جيوب الهوامير الكبار؟ّ!!