السوق يفند (الزراعة).. والفروج يطير بأسعاره
أعلنت وزارة الزراعة توجهها إلى تخفيض عملية استيراد الفروج بناء على ما وصفته بـ«توفر المادة في الأسواق»، مشيراً إلى أن "سبب توفر المادة يعود لانخفاض الطلب"، ورغم هذا الإعلان الذي اعتبره البعض مؤشراً جيداً قد ينعكس إيجاباً على الأسعار في الأسواق، إلا أن توفر المادة وقلة الطلب المعلنين من قبل وزارة الزراعة لم تكبح جماح ارتفاع أسعار مشتقات الدواجن ومنها الفروج.
وبعد هذا الإعلان، وفي جولة لـ«قاسيون» على الأسواق، تبين أن أسعار الفروج طالها ارتفاع مؤخراً، وسجل سعر كيلو الشرحات 950 ليرة سورية، والدبوس 550، والكستاليتا 650، والفخاد بعظمه 600 ليرة سورية، وقد تراوحت الأسعار بالارتفاع والانخفاض بين 25 و50 ليرة حسب السوق.
وبمقارنة أسعار السوق مع آخر نشرة أصدرتها مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، يتبين وجود فارق كبير بين ماهو معلن وماهو متداول، فقد حددت المديرية نهاية آب الماضي سعر كيلو الشرحات بـ800 ليرة أي بفارق 150 ليرة عن السوق، وكيلو الدبوس بـ500 ليرة بفارق 50 ليرة، وكيلو الكستليتا بـ500 ليرة أي بفارق 150 ليرة، والفروج بـ450 ليرة بفارق حوالي 100 ليرة عن السوق.
ارتفاع الأسعار رغم توفر الفروج
توفر الفروج في سورية، أكده عضو لجنة مربي الدواجن حكمت حداد لـ"قاسيون"، وقال إن "عدداً جيداً من مربي الدواجن قرروا العودة للعمل، بعد تفاؤل باستقرار الأوضاع الأمنية في عدة مناطق، مثل أرياف حمص وحماة وغيرها، حيث تصل نسبة المداجن التي عادت للعمل إلى حوالي 60%، ما ساهم بتوفر الفروج والبيض في السوق المحلية بشكل مقبول مؤخراً".
الجميع مقر بتوفر المادة، من الناحية الرسمية وعلى أرض الواقع، إلا أن ارتفاع الأسعار يشير إلى ماهو أخطر من حيث التلاعب بالأسعار، فعدا عن ارتفاع أسعار الفروج ومشتقاته، ارتفعت اسعار البيض حيث وصل سعر صحن البيض إلى 650 ليرة، بعد أن كان مؤخراً يتراوح بين 550 و600 ليرة سورية، وذلك رغم كون المداجن البياضة أكثر تواجداً في الوقت الراهن من مداجن الفروج، وفقاً لما بينه حداد.
أزمة محروقات تنبئ بارتفاع أسعار
تكاليف العمل بمجال الدواجن مازالت مرتفعة، فالعوامل التي أدت لارتفاع التكاليف سابقاً ماتزال قائمة حالياً، من غلاء سعر الأعلاف وارتفاع سعر الصرف، وصعوبة النقل والمخاطر التي يتحملها المربي كون معظم المداجن تقع خارج المدن، إضافة لأزمة المحروقات التي تبرز في الوقت الحالي، في حين يعتبر الحطب مرتفع السعر مقارنة مع السابق والحصول عليه يحتاج الكثير من الإجراءات التي تستهلك الوقت، ما يجعل تأمين التدفئة والطاقة لتشغيل المداجن أمراً ليس بالسهل اليسير، إذ يصل سعر كيلو الحطب إلى 40 ليرة، بعد أن كان 28-30 ليرة".
المربون لا يشجعون الاستيراد
وحول رأيه بجدوى استيراد الفروج، بين حداد أن «الفروج المستورد لم يستطع منافسة المنتج المحلي، فضلاً عن عدم وجود فرق كبير بين سعري المنتجين، حيث يباع الفروج الحي الآن بسعر 200 ليرة سورية، وهو سعر مقبول بالنسبة للتكاليف، بينما كان يباع قبل الأزمة بسعر 60 ليرة، إلا أن تغير ظروف الإنتاج والتربية دفعت لرفع سعره».
وتابع حداد أن القطاع الخاص لا يشجع الدولة على استيراد الفروج، لما يؤدي هذا من نتائج سلبية على عمله، بل يطالبون بتقديم الدعم لهم لتشجيعهم على العمل مجدداً.
إلا أن مديرية التسويق الحيواني في المؤسسة العامة للخزن والتسويق بينت أنها أرسلت كتاباً إلى المؤسسة العامة للتجارة الخارجية بينت فيه حاجة المؤسسة إلى استكمال استيراد الكميات المتبقية من عقد الفروج المجمد بموجب الخط الإئتمائي الإيراني، إذ لا يزال هناك حوالي 4800 طن يمكن استيرادها على دفعات حسب الحاجة، رغم إقرارها أن قرار استيراد الفروج المجمد لا يلقى قبولاً من لجنة مربي الدواجن لتأثيره المباشر على المنتج الوطني خاصة أن المربين لحقت بهم أضرار كبيرة جراء الأزمة الراهنة على نحو تسبب في خروجهم بعضهم من الخدمة لكن في المقابل استيراد الفروج المجمد سيكون له دور كبير في كسر حدة أسعار الفروج وانخفاضها ما يمكن المستهلك من شرائه.
والتصدير شبه متوقف
أما عن عملية التصدير، أوضح المربي حكمت إن "عملية التصدير شبه متوقفة بسبب توتر الأوضاع على الطرق المؤدية للعراق، السوق الأول لتصريف البضاعة، بعد أن كان يتم يومياً تصدير 13 ألف صندوق من البيض، أما تصدير الفروج فهو غير مجد منذ البداية، لما يتطلبه من وجود مسالخ بجودة عالية وتفريز للفروج، فضلاً عن عدم رغبة العراق بتداول الفروج المجمد، بالمقابل هناك إقبال واسع على البيض السوري لديهم، لقرب المسافة ما يحافظ على حداثة الإنتاج".
الشمال لا يعتمد على المنتج السوري
وبالعودة لفكرة انخفاض الطلب على مشتقات الدواجن، أثرت الأوضاع الأمنية غير المستقرة في عدد من محافظات الشمال السوري على حجم الطلب والضغط على مناطق التربية، وهو ما أكده عضو لجنة الدواجن بقوله "الشمال السوري بمعظمه لم يعد يعتمد على ما تنتجه المحافظات الأخرى، بل أصبح يؤمن حاجته من الفروج والبيض عن طريق التهريب من تركيا، بما في ذلك المداجن التي باتت تحصل على الصيصان لتربيتها".
الدعم لم يطل الخاص
ومن ناحية ثانية، يبدو أن ما قدمته الحكومة من دعم لقطاع الدواجن اقتصر على القطاع العام وهو ما أشار له عضو لجنة مربي الدواجن عبد الرحمن قرنفلة بقوله «إن انتعاش قطاع الدواجن مؤخرا يعود للاجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الأزمة»، متابعاً «أن الحكومة اعتمدت خلال الأزمة مقاربتين الأولى استهلاكية تهدف لتأمين السلة الغذائية للمواطنين والثانية إنتاجية تسعى لتفعيل المؤسسات الإنتاجية القائمة ومنها المداجن وزيادة إنتاجها وإعادة تأهيل المتضرر منها».
وهو ما أيده المربي حكمت حداد قائلاً إن «التسهيلات الحكومية مقتصرة على تقديم بعض التسهيلات لمستوردي الأعلاف، عبر تقديم القطع لهم بسعر أقل من سعر السوق السوداء، إلا أن هذه الخطوة ليست فعالة بالغالب، خاصة مع رغبة المستوردين بالربح الكبير مهما كانت تكاليفهم منخفضة، وبالتالي عدم استفادة المربي من تلك الخطوة، وبالنسبة للقروض فقد توقفت خلال الأزمة، وحالياً صعبة كثيراً لما تتطلبه من ضمانات وكشف على المدجنة وترتيبات تعيق الحصول على قرض».
الجبهة الاقتصادية.. وشماعة الأزمة!
مع تصاعد خطر الإرهاب التكفيري على البلاد، كان ومازال الضروري خوض المعركة على جميع الجبهات وليست الحرب بمعناها العسكري فقط، فالحرب الدائرة هي حرب متكاملة سسياسية واقتصادية وعسكرية، ولعل في رأس أولويات المعركة الاقتصادية هي ضرورة تأمين ما يمكن تأمينه من متطلبات الحياة اليومية للمواطن من حيث الغذاء والكساء والمسكن.. ولكن الذي جرى والذي لايتوافق ومنطق مواجهة الأخطار القائمة هو إطلاق يد التجار في السوق، وغياب أي دور وفاعلية لجهاز الدولة في هذا المجال، لابل جاءت الأزمة وتعقيداتها لتكون شماعة يعلق عليها التخبط الحكومي وعجزالحكومة عن حل أية قضية بشكل جدي ولتسبب بمزيد من المعاناة للمواطن السوري عدا عن معاناته في ظل الوضع المتوتر، لاشك ان أزمة بهذا المستوى ستترك تأثيرها على مختلف جوانب حياة المواطن، ولكن بكل تأكيد ليس بالمستوى الذي وصلت إليه الأوضاع، وخصوصاً ظاهرة ارتفاع أسعار مواد الاستهلاك الشعبي الضرورية فأغلبها إنتاج محلي، والعرض في السوق إذا كان قد تراجع بحكم الأوضاع المتوترة فأنه بالتأكيد لم يتراجع إلى المستوى الذي يبرر هذه الارتفاعات المجنونة في الأسعار، وعليه فإن المشكلة لاتكمن في الأزمة وحدها بل قبل ذلك بتلك السياسات المتبعة في إدارة الاقتصاد الوطني من جهة، وفي دور تجار الأزمة من جهة ثانية، ففي الوقت الذي انحدر فيه المستوى المعيشي لأغلبية السوريين إلى مستويات غير مسبوقة، اغتنى البعض بشكل فاحش وصل إلى حد الترف الاستفزازي ممن وجد في الأزمة ضالته ليبرر لنفسه كل شيء.