هل صحيح أن الحكومة باتت تنفق الكثير؟!!
محمد علي محمد علي

هل صحيح أن الحكومة باتت تنفق الكثير؟!!

تقول الحكومة السورية إنها تنفق الكثير في ظروف الأزمة، وعلى ذلك تبحث عن موارد لرفد الخزينة. ولسوء حظ المواطنين التعساء أن الحكومة تبحث عن زيادة مواردها من جيوبهم عن طريق رفع أسعار خدماتها من جهة أو عن طريق تحرير أسعار السلع والمواد المدعومة. لكن السؤال التي ستحاول المقالة الإجابة عنه: هل حقاً أن الحكومة باتت تنفق ما لاطاقة لها به؟!

بالعودة إلى بيانات الموازنة في الحكومة السورية نجد أن الحكومة تضع خطتها للإنفاق العام تحت بند يسمى "مشروع الموازنة" الذي يصدر في بداية كل عام ويمثل ما تنوي الحكومة إنفاقه للعام الجديد، وفي نهاية العام تصدر الحكومة بياناً تحت بند "قطع الحساب للموازنة" أي الميزانية الختامية وهو الحساب الذي يبين ما تم إنفاقه فعلاً وحقيقة، وهو ما لايتم التركيز عليه من قبل المراقبين أو حتى من قبل الإعلام. 

لقد كانت بيانات "قطع الحساب" أي المبالغ المنفقة فعلياً بمليارات الليرات السورية في السنوات السابقة للأزمة على الشكل الموضح بالجدول (١).

من خلال الجدول السابق نجد أن "الإنفاق الفعلي العام" للحكومة قد انخفض مع دخول الأزمة السورية في عامها الثاني 2012، العام الذي بدأت فيه الحكومة تصدح ببروغاندا زيادة النفقات، والصادم في الأمر أن الانخفاض في ذلك العام بلغ نسبة كبيرة، حيث أنفقت الحكومة نسبة 45% مما أعلنته فقط أي أن أكثر من نصف ما وعدت به الحكومة من إنفاق لم ينفذ عملياً. وإن حجم المنفق عملياً في عام 2012 هو أقل من نفقات عام 2008 بمعدل 13%، وهو ما يفسر سؤال المواطن البسيط لماذا ترتفع أسعار خدمات الحكومة ويتردى مستواها في الوقت ذاته؟! ولماذا ترتفع أسعار المواد المدعومة بحجة توفيرها للمواطن بسلاسة وهي شبه مفقودة باستمرار كحالة مادة "المازوت" والكهرباء في هذه الأيام؟!.

غياب الخدمات الحكومية وارتفاع أسعارها؟!

يبرر البعض المشكلة المتولدة عن عدم الإنفاق فعلياً أن الحكومة في بداية الأزمة جمدت العديد من المشاريع الاستثمارية بفعل عدم القدرة على الاستيراد والوضع الأمني المتردي في أماكن تواجد المشاريع الصناعية وهو ما يعني أن الانخفاض الفعلي في النفقات يجب أن يطال النفقات الاستثمارية فقط، لكن الحقيقة أن انخفاض النفقات طال الإنفاق الجاري المتمثل عملياً بالرواتب والأجور والدعم الاجتماعي وغيرها من النفقات الإدارية التي عكست التراجع العام في دور الدولة فعلياً. والجدول التالي يبين نسب الإنفاق الفعلي الاستثماري والجاري للحكومة الموضح بالجدول (2).

نلاحظ من خلال الجدول السابق أن كلا وجهي نسب تنفيذ الإنفاق انخفضا في عام 2012 عن عام 2011، لكن معدل تراجع كلا النسبتين متقارب ما يعني أن التراجع في "النفقات الفعلية الجارية" له الوزن والأثر الكبير كون حصة الإنفاق الجاري في الإنفاق العام أكبر من الإنفاق الاستثماري.

لقد انعكس هذا التراجع في نسب "الإنفاق الاستثماري الفعلي" بشكل كبير على أداء القطاع العام ودرجة التوظيف في ظل الأزمة ما أدى إلى تراجع الإنتاج من جهة وتراكم البطالة المقنعة في العديد من القطاعات، وهو ما يعني وجود عمال بلا عمل، والتي تتهمهم الأوساط الرسمية بـ"التنبلة" أو أنهم لايعملون لأكثر من دقائق! 

كما انعكس انخفاض "الإنفاق الفعلي الجاري" في تردي خدمات الحكومة كتوفير المازوت والكهرباء التي ما انفكت الحكومة بالحديث عن الأعباء الكبيرة التي تتكبدها للاستمرار بخدماتها!    

أين تذهب الحكومة بالأموال الفائضة؟!

الجدير بالملاحظة أن البيانات السابقة كانت منشورة رسمياً في بيان الحكومة المالي حول مشروع الموازنة لعام 2013، إلا أن هذه البيانات لم يتم نشرها في بيان الحكومة لعام 2014 مما يعني عدم نشر الحكومة لمعلومات عن التنفيذ الفعلي لموازنة عام 2013، وهو ما يراه خبراء المالية العامة ضرورة ومن المسلمات لأجل محاسبة ومكاشفة الحكومة حول فعالية أدائها، علماً أن الحكومة نشرت نسب التنفيذ في نفقاتها الاستثمارية لعام 2012!.

بطبيعة الحال قد يسأل السائل أين تذهب الحكومة بهذه الأموال غير المنفقة؟ إن الجواب النظري للعملية هو ترحيل هذه الأموال من جانب النفقات في العام السابق إلى جانب الإيرادات في العام اللاحق تحت بند "فائض الموازنة"، أي أن ما لا تنفقه الحكومة في هذا العام توفره للعام اللاحق نظرياً. 

وبالإطلاع على هذا البند في بيان الحكومة لمشروع الموازنة عام 2014 نجد أن فائض الموازنة الناتج عن عام 2013 يبلغ (377) مليار ليرة سورية وهي عملياً الأموال غير المنفقة في عام 2013 وبمقارنتها مع النفقات المقدرة لعام 2013 البالغة (1383) مليار ليرة سورية نجد أن نسبة الأموال غير المنفقة فعلاً تصل في هذا العام 28%، طبعاً دون أن تنشر الحكومة تفصيلات الإنفاق الفعلي ليتم التعرف على مدى دقة هذا الرقم، في أي المجالات يتم التقصير في الإنفاق. فهل حقيقة أن الحكومة تتكبد الكثير إلى الحد الذي يجعلها لا تستهدف إلا المواطنين الفقراء!

هوامش: 

*معدل تراجع الإنفاق الفعلي: تم حسابه لتوضيح تقريبي لوزن التراجع في كلا وجهي "الإنفاق الفعلي".

معدل التراجع في الإنفاق الفعلي الاستثماري. 44-24/44= 45%

معدل التراجع في الإنفاق الفعلي الجاري. 105-57/105=45%