تجارب (مرّة) للشراكة.. بمناسبة اقتراب (مولدها القانوني)!
لم يسن قانون الشراكة مع القطاع الخاص إلى اليوم، ولكن صيغته النهائية أعدت وتنتظر استكمالها فقط. وعلى الرغم من تأخر (الولادة الشرعية) لقانون الشراكة
إلا أن عقود الشراكة أصبحت جزءا من نشاط الكثير من المرافق العامة والقطاعات الاقتصادية المهمة وسنقدم هنا نتائج من تجارب الشراكة من قطاعات مختلفة خلال العقد السابق والتي تثبت أن شكل الشراكة بين القطاع العام والخاص، (في ظل جهاز دولة يتجه نحو التهميش ويلتهمه الفساد، ولا يتحكم بمفاصل الاقتصاد الرئيسية، بل يتحكم به حيتان مال وأزلامهم). هو شكل مشوه يهدر المال العام ويفوت فرص موارد مستقبلية واسعة على الدولة، ويقلل الإنتاجية والكفاءة والجودة، ويترتب عليه مخاطرة مع عدم ثبات العلاقة مع هؤلاء الشركاء، وضعف موقف الشريك العام. بالتالي فإن شراكة بلا قيد أو شرط في هذه الظروف لن تؤدي إلا إلى ضعف جهاز الدولة، وهيمنة السوق والفساد كما يبتغي كل معارضي المصلحة العامة للبلاد.
في عام 2007 أعلن وزير النقل يعرب بدر في حينه: (أن الوزارة بصدد تطوير المرافئ السورية بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي وأن شركة فلبينية رست عليها المناقصة وستقوم بتزويد مرفأ طرطوس بالحاويات اللازمة بعقد تصل قيمته إلى 40 مليون يورو وحجم تعامل قدره 500 ألف حاوية). وذلك في رده على مذكرات نقابات العمال التي اعترضت على عملية الاستثمار معتبرة إياها بلا جدوى.
وبتاريخ 28 / 10 / 2007 باشرت الشركة الفلبينية ICTSI العمل باستثمار محطة الحاويات في طرطوس، قدمت الدولة في حينه للشركة، الرصيف رقم 7 وهو أفضل الأرصفة في المرفأ ويشغل 1/8 من المساحة، ويشكل دخله ٤٨٪ من دخل مرفأ طرطوس. مع مستودع ومجموعة من الآليات. تعهدت الشركة بالمقابل في العقد الموقع على استثمار مبلغ مقداره 39.395 مليون دولار منها 3.44 مليون دولار للبنية التحتية، و 36 مليون دولار معدات وآليات للمحطة.
بالنتيجة في عام 2012 رفع المرفأ كتاب لوزارة النقل قال فيه: (بدأ عمل المحطة متواضعاً بالإنتاجية المحققة واستمر لغاية تاريخ الكتاب، ولم تتحقق الأرقام المخطط لها وفق العقد وكان التقصير واضحا بأداء عمل المحطة. معدلات الحركة الإنتاجية بلغت: في السنة الأولى : 61 % ، الثانية: 38 % ، الثالثة: 29% من حجم الحركة المتوقعة للحاويات أما في عام 2011 فانخفضت إلى 20%، بعدد حاويات 53919 مقابل مخطط 266 ألف.وذلك وفق الدراسة المقدمة من قبل الشركة). وعدد الكتاب مخالفات أخرى، منهياً بمقترحات منها: حسم البدلات المترتبة من كفالات الشركة المستثمرة ومطالبتها بتجديد الكفالات. (أي المبالغ غير المدفوعة)- توجيه إنذار للشركة المستثمرة بإنهاء العقد بسبب العجز المتكرر عن دفع البدلات في وقتها المحدد وعدم تنفيذ الخطط الأساسية وبقاء جميع المخالفات العقدية دون معالجة رغم الإشارة المتكررة لها.
لم ينهى العقد بل (هربت) (الشركة الواجهة) بشكل مفاجئ منهية العقد بشكل غير شرعي، ما ترتب عليه عدم تسديد المبالغ المتبقية، وعاد الرصيف لتديره الدولة بموظفيه دون أي إشكال..! وينبغي الملاحظة أن مذكرات النقابات كانت قد أشارات إلى الرصيف قبل الاستثمار حقق 1,4 مليار ل.س، أما مجمل الإيراد المتوقع خلال سنوات الاستثمار في العقد لم يكن أكثر من 3,8 مليار ل.س
الاسمنت.. (تفرعن فرعون)!
قرر أصحاب القرار أن معمل إسمنت طرطوس يحتاج إلى مستثمر خاص ليرفع كفاءته وإنتاجيته ويأخذ حصة من أرباحه، ووقع الاختيار على شركة (فرعون)، بعد مرور نصف مدة العقد كانت النتائج التالية:
(لم ترتفع الإنتاجية رغم انقضاء نصف مدة العقد، ودون أن تتخذ إدارة المعمل أو المؤسسة الإجراءات الاحترازية المفترضة بحق «فرعون» في الوقت المناسب، كالحجز الاحتياطي على حصتها من الاسمنت، أو توجه انذاراً إليها، كما أن للمعمل مستحقات مالية على شركة فرعون بقيمة 528 مليون ل.س لم تسعَ الإدارة للمطالبة بها، ولم تتذكرها إلا بعد فوات الأوان، فالمستثمر توقف عن العمل، ومن الصعوبة استرجاع تلك المستحقات حالياً، والأسوأ من كل ذلك، أن المعمل سيبقى على حالته الراهنة دون تطوير إلى أن تقرر شركة فرعون العودة، فالمعمل ملزم بـ«فرعون» رغم توقفها، والعقد لا يسمح بتطوير المعمل بالجهود الذاتية أو عبر أي طرف أخر..) يضاف إلى ذلك دلالات على مستوى الإهمال الذي أدى إلى تسربات للفيول إلى البحر وما ينجم عنه من تلوث بيئي. وذلك وفق ما عرضناه من مجموعة ملفات ومعطيات وصلت (لقاسيون) من معمل الإسمنت ونشرناها في سلسلة من الملفات في الأعداد 600-602-614، تثبت فساد الشركة والإدارات وفشل الشراكة بالوصول إلى نتائجها وانحياز العقد للمستثمر، وعدم القدرة على تطوير الإنتاج ومتابعته، ويعود الحديث اليوم عن عودة شركة فرعون لاستثمار معمل الاسمنت!.
السياحة: 99 عاماً لقطر!
ترفع اليوم الدعاوى القضائية على الحكومة السورية ووزارة السياحة من مستثمرين وشركات استثمار سياحية عملت سابقاً في سورية، وبعضها يعود إلى التسعينيات، وتطالب بمبالغ وتعويضات كبرى ولأسباب متعددة، وتقدر هذه المبالغ باكثر من 1،5 مليار ل.س لإحدى الشركات السياحية السورية المشتركة، وتبلغ 10 مليون دولار لأخرى، بعد أن قدمت لها أراضي مساحتها 300 دونم في ريف دمشق..
أشارت معلومات حصلت عليها قاسيون أن نقاشاً متاخراً في إحدى الجهات المعنية في الشهر العاشر من عام 2013، لم ينجم عنه شيء، سوى توضيح حجم الفساد والتجاوزات في عقود الشراكة في قطاع السياحة، وقد ذكرناها بالتفصيل في العدد رقم 622 بمادة بعنوان: (آن ان تعترفوا: عقود B.O.T خسارة بخسارة!)، حيث تشير المصادر إلى أن إحدى الشركات ضيعت ما قيمته 25% من حقوق ملكية وزارة السياحة في رأس المال لمنشآت سياحية وبمبالغ تقدر بـ 2،2 مليار ل.س،نتيجة العلاقات والتسهيلات، يضاف إلى ذلك أن شركة قطرية في شاطئ اللاذقية ضمن لها عقد (B.O.T) (وهو أحد أهم صيغ عقود الشراكة) حق الانتفاع لمدة 99 عاماً، قابلة للتمديد، بينما حصلت على مساحات بلغت 268 ألف متر مربع، لتبقى حصة الدولة وهي نسبة من إيرادات التشغيل لا تتجاوز 7% خلال السنوات العشرين الأولى من الاستثمار، 8% للعشرين، 9% المدة المتبقي، بالمقابل لم تلتزم الشركة بتفاصيل في العقد ما دفع إلى بحث موضوع فسخ عقد هذه الشركة القطرية، وهو ما لم يعلن أو يتم.
الاتصالات..الشريك المحتكر!
تبقى إدارة القطاع الخاص الكاملة لأحد أهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها إيراداً وأرباحاً، وهو قطاع الاتصالات أحد أبرز معالم هيمنة القطاع الخاص على النشاط الاقتصادي في سورية، بقانون للشراكة أم بلا قانون!.
والخلاصات حول عمل هذا القطاع كررناها مراراً، ونذكر منها ما ورد في عدد قاسيون رقم 643 في مادة (ترخيص الخليوي: خصخصة كاملة في (بدل الضائع)..!):
(تأتي سورية في المرتبة الثالثة بين الدول العربية التي يستحوذ فيها القطاع الخاص على أعلى إيرادات الاتصالات الخليوية، وأوسع مستوى لخصخصة القطاع، وتتبوأ شركات الاتصالات المراكز الاخيرة من حيث التنافسية (17 من أصل 19)، ومراكز متقدمة من حيث ارتفاع الأسعار (المرتبة الثالثة في سعر الرسائل النصية ومسبق الدفع) وهذا بحسب تقرير لمجموعة المرشدين العرب في عام 2012 بعنوان «مستوى الخصخصة في أسواق الاتصالات الخليوية العربية»، يضاف إلى ذلك أن أعضاء مجلس الإدارة البالغين 10 أعضاء حصتهم 91% من الموجودات على الرغم من أن عدد المساهمين يبلغ 6600 مساهم في شركة «سيرتيل» على سبيل المثال.)
إن وجود الشركات الخاصة في إدارة واحتكار هذا القطاع، أدى إلى منع انخفاض أسعار الخدمات، مع فرض أسعار احتكارية نتيجة احتكار الشركتين وتقاسم السوق، حيث يضاف إلى ذلك أن للشركتين المشغلتين الدور الأكبر في منع دخول مشغل ثالث وتحقيق التنافسية (كما يقال) مع أننا نؤكد ان دخول المشغل ليس الحل، لإن الإمكانية مفتوحة لتقاسم سوق كبيرة على أسعار احتكارية مرتفعة بين ثلاث مشغلات او اثنين فلا فرق!..
واليوم مع وصول العقد إلى نقطة ارتفاع حصة الدولة إلى 60%، فإن مسألة ترخيص الشركتين أصبحت قيد البحث والإقرار، وهو ما يعني ملكية خاصة للشركة بالكامل وإلغاء حق الدولة في المعدات والتجهيزات، وتخفيض كبير لحصتها من الإيرادات عوضاً من وصول حصتها إلى 60%، أو عودة كافة الإيرادات والأرباح إلى الدولة وهو ما قدرنا أنه يوفر موارد للحكومة تصل إلى أكثر من 1000 مليار بعد 10 أعوام، وذلك بفرض نمو بنسبة 3% فقط، وباحتساب قيمة التجهيزات المقدرة بـ 100 مليار ل.س.!