توقيت إقرار الشراكة:  (رجال المال) في لبنان.. و(تهيئة المناخ) لهم في سورية!

توقيت إقرار الشراكة: (رجال المال) في لبنان.. و(تهيئة المناخ) لهم في سورية!

اختتم منتدى رجال الأعمال السوريين الذي انعقد بتاريخ 5-6 حزيران 2014 في العاصمة اللبنانية بيروت، مع المستشار المتخصص في شؤون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) وهو أحد (رجال الأعمال السوريين الكثر) علي خونده، متحدثاً حول الاستثمار في قطاع الطاقة في سورية! وذلك خلال المؤتمر الهادف إلى تعريف رجال الأعمال المحليين بالشركات الإقليمية والعالمية التي من المتوقع أن تساهم في إعادة إعمار سورية، كما تشير المواد الإعلامية المنشورة في الموقع الرسمي لمعرض (بروجكت لبنان) الذي عقد المنتدى ضمن فعالياته.  

 مشاركة عبد الله الدردري النائب الاقتصادي السابق وكبير الاقتصاديين في منظمة الإسكوا في المنتدى كانت (بارزة). فراعي التنسيق الدولي بين رجال المال المحليين (معارضة وموالاة بحسب التعبيرات الدارجة ) والشركات الإقليمية والعالمية، أكد  (دون أن يسأله أحد) أن الحاضرين في المنتدى (لم يجتمعوا لتقاسم الكعكة) بحسب تعبيره!.

المشاركون كثر أبرزهم اتحاد غرف التجارة السورية ممثلاً برئيسه راتب الشلاح، ووجوه واسعة الطيف من (رجال المال) السوريين.

عالمياً- اقليمياً- محلياً-حكومياً

تبدي الشركات الإقليمية وفروع شركات عالمية تنسيقاً عالياً مع رجال المال المحليين، برعاية المؤسسات الدولية في سياق التجهيز لمرحلة إعادة إعمار سورية. وهذا التنسيق لا يتم في لبنان وضمن هذا الإطار المعلن فقط، بل التنسيق المباشر أو غير المباشر أوسع من ذلك، ليشمل أصحاب القرار السياسي في الاقتصاد السوري في داخل البلاد، فكيف يتبدى ذلك؟!

حديث الحكومة المقتضب حول إعادة الإعمار، يقابله نشاط عالي في سن القوانين والتشريعات الليبرالية التي لم تكتمل خلال عقد سابق، فبعد مشروع قانون الاستثمار القائم على الإعفاءات والتسهيلات فقط، (ينتظر) السوريون اليوم أن يقر (ممثلوهم) في (مجلس الشعب) قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص بعد أن أقره مجلس الوزراء، والقانون الهادف لتنظيم علاقة استثمار القطاع الخاص للمرافق والخدمات العامة، نوقش في مراحل سبقت الأزمة، ولم يقر حيث يذكر أن (الدردري) قدم  في عام 2009 مذكرة لمجلس الوزراء بقانون الشراكة وتم تأجيل إقراره، وتكرر بحث مشروع القانون في عام 2011.

نشاط قانوني حثيث!

يترافق هذا النشاط الحكومي المتركز في  سن القوانين المتعلقة بالاستثمار والشراكة مع توسع تداول موضوعة إعادة الإعمار في سورية اقليمياً ولدى منظمات الأمم المتحدة.

حيث كانت الحكومة قد أعدت مشروع قانون الاستثمار أيضاً، الذي يعتبر قوننة لجملة الإعفاءات والامتيازات المقدمة من الدولة للمستثمرين الذين يفتتحون مشروعاً خاصاً بالكامل في الأراضي السورية، وإعلان عن (الابتكار الحكومي اللمّاح) بتحفيز الاستثمار لتنمية المناطق السورية الاكثر حرماناً بتقديم إعفاءات ضريبية بنسبة تبدأ في كل المناطق بنسبة 15% وتصل إلى 100% ولفترات زمنية ممتدة على 10 سنوات (كأن المستثمرين ليس لديهم من وسائل لتهرب الضريبي في بلد مثل سورية سوى إعفاءات مباشرة من الحكومة! فالإعفاءات غير المباشرة المتمثلة بالتهرب الضريبي تبلغ 400 مليار ل.س وبالضرائب المؤجلة التي تتجاوز لدى المصارف الخاصة فقط 5  مليار ل.سنهاية العام الماضي ووفق المنشور في بياناتها).

بعد مشروع قانون الاستثمار مفخرة هيئة الاستثمار السورية خلال الأزمة، يقترب إقرار مشروع (قانون الشراكة).

الشراكة بلا قيد أو شرط!

 يعرف نص القانون الشراكة بأنها علاقة تعاقدية لمدة زمنية محددة ومتفق عليها، بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص، يقوم بموجبها الشريك الخاص باستثمار(...) مرفق عام أو مشروع أو بنية وظيفية لدى الجهة العامة، وذلك بهدف المساهمة في تقديم خدمة عامة أو أي خدمة تتوخى المصلحة العامة.

لن نقدم عرضاً قانونياً لمشروع القانون، ولكن ينبغي الإشارة إلى أنه لا يضع أي قيد أو شرط او استثناء، فكافة القطاعات متاحة للشركات ولا تستثنى القطاعات السيادية (بل ربما تكون هي المستهدف الأول لأنها الأكثر ربحاً وحديث وزير الكهرباء الأخير عن التعاقد مع شركات قطاع خاص، مع محاضرة علي خوندة مستشار الشراكة بين القطاعين العام والخاص السوري في الإسكوا عن قطاع الطاقة في منتدى رجال الأعمال السوريين في لبنان، مع تأكيد عبد الله الدردي أن قطاع الكهرباء من أولويات إعادة الإعمار جميعها قد  تشير إلى أنه أول الأهداف وأهمها).

يضاف إلى ذلك أن القانون لم يحدد أجال زمنية لعملية الاستثمار فهو ينص على ملكية الدولة بنهاية مدة العقد، ولكن مدة العقود قد تطول إلى 99 عاماً كما في عقود سابقة في قطاع السياحة!. أما بالنسبة لأرباح القطاع الخاص من عملية الشراكة، فلا يوجد أي قيد أو شرط يلزمها بإعادة استثمارها جزئياً او كلياً في سورية، بل ينص على حرية تحويل الأرباح والأموال بالقطع الأجنبي خارج سورية، كما لا يشير القانون إلى طريقة ضمان تقديم خدمات عامة بأسعار مخفضة، أي كيف ستتسق الخدمات التي تقدمها الدولة بأسعار مخفضة ومدعومة مع أرباح القطاع الخاص الشريك!!.

التزام صارم .. 

المبررات السابقة لضرورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كانت تتركز على ضرورة (تحسين الأداء) حيث منذ بداية أنشودة الإصلاح الاقتصادي الليبرالي في سورية، حسم تقريباً أن القطاع العام ليس قادراً نتيجة طبيعته على تحسين أداؤه أو تطوير الإنتاج أو الخدمات المقدمة، بينما القطاع الخاص أكثر قدرة على الإدارة وتحسين الجودة والكفاءة وإلى ما هنالك من الكلام الممجوج والمتكرر. أما مبررات اليوم فتتوسع لتقول بأن الدولة ليس لديها موارد لتهدرها على النشاط الاقتصادي، وعلى المرافق العامة ولن تستطيع (رفض يد المساعدة إذا مدت لها..)

أمام هذا وذاك تقدم تجارب التشاركية في سورية الدليل الكافي على أن الهدر هو نتيجة أيضاً لإدارة القطاع الخاص للمرافق العامة، والمخالفات الكبرى للعقود هي حالة مسجلة في كثير من الحالات، وهو ما نستعرضه في مادة قاسيون في العدد رقم (660): «تجارب (مرّة) للشراكة.. بمناسبة اقتراب (مولدها) القانوني»

تزداد احتمالات فشل إدارة القطاع العام الاقتصادي والمرافق العامة، مع ازدياد الدولة ضعفاً وتراجع  دورها الاقتصادي والإنتاجي والخدمي، وتحولها إلى أداة بيد قوى الفساد مقابل بقاء أصحاب المصلحة العامة بلا ادوات لحماية مصالحهم. وهذا ادى إلى تحويل المرافق العامة الإنتاجية والخدمية إلى (بوابة نهب) لمتنفذي جهاز الدولة. وتجنب ذلك لا يتم بتسليم القطاع الخاص الإدارة لان عملية الشراكة ستنهي دور الدولة نهائياً، وتحول المرافق العامة إلى (باب استرزاق)  للمتحكمين بالقرار الاقتصادي في سورية، مع رجال المال المحليين، الذين  تربطهم مع شركات إقليمية فروع أو أوصول علاقات جيدة قبل الأزمة، وتعيد تمتينها وتثبيتها المؤسسات الدولية المنوط بها أن لا تخرج سورية من كنف العلاقات الاقتصادية الغربية واقتصاد الريع والسمسرة الذي كانت تنعم قوى الفساد ضمنه، ولا توجد نموذجها الخاص الذي من المفترض ان تدفع الأزمة تجاهه لولا هيمنة قوى الفساد وممانعتها العالية لكل تغيير. والتي تثبت ولاءاً منقطع النظير لليبرالية الاقتصادية يظهر في السياسات الاقتصادية خلال الازمة، كهدر موارد الدولة على قوى السوق كما في تمويل المصرف المركزي لمستوردات التجار، وتقليص إنفاق الدولة العام القادر على تخفيض الأسعار بشكل حقيقي ويعزز قدرة الدولة على التحكم بالمستوى العام للأسعار كما في رفع الدعم عن المحروقات وغيرها. ويضاف إلى ذلك السعي الحثيث لاستكمال التشريعات الليبرالية كقانوني الاستثمار والشراكة!! 

وبناء عليه.. فالشراكة!

قانون الشراكة في هذا التوقيت تعبير عن  حصرسياسات الحكومة  فيما يتعلق بعملية إعادة الإعمار، (بتهيئة المناخ الاستثماري) لمصادر التمويل المتوقعة بشكل أساسي، والتي (يسيل لعاب) مفاتيح الاستثمار في مواقع القرار، وأصحاب النفوذ والحصة في كل استثمار، على الإيرادات والمنافع المتوقعة منها. ليسعفهم أصحاب القرار بالتشريعات التي تعتبر استمراراً لعملية تحويل جهاز الدولة إلى (أداة للسمسرة) بأيدي هؤلاء، وهي أهم متطلبات مصادر التمويل الدولية، التي تحفزهم عن طريق ممثليها في لبنان وغيره!. 

آخر تعديل على الأحد, 06 تموز/يوليو 2014 15:04