ثلاث ذرائع حكومية مفنّدة..وثلاث مهمات بفرق عشر ليرات
رُفعت أسعار المازوت لتثير صخباً من التصريحات الحكومية والتبريرات والجدل، مقابل برود لدى المواطنين حيث لم يأت وقع الخبر مستفزاً لهم في غمرة الأعباء التي تعم حياة السوريين اليوم.
فهم لم يعتادوا أخذ الذرائع الحكومية لقراراتها بعين الاعتبار، كونهم لم يعهدوا في أوقات السلم حكومات تصدر قرارات متوازنة تصب لمصلحتهم وللصالح العام، ولا يتوقعونها في وقت الحرب..
وعلى الرغم من خصوصية مادة المازوت إلا أن الظروف قد غيرت ترتيب المادة في سلم الأولويات لتتحول إلى إحدى وسائل التدفئة المترفة، ولتوجه المعتمدين عليها في تحريك آلياتهم إلى السوق السوداء وليرفعوا أجورهم لمستوى أسعارها، أما من زادت تكاليف بضائعه فيسعى إلى استعادة الفرق برفع الأسعار لمستوى يناسب سعر السوق السوداء.. وهكذا
لذلك لا يزال أغلب السوريين يأمل أن لا تحمل الرفعة الأخيرة ارتفاعات واسعة بعد أن رفعت الأسعار بناء على سعر السوق السوداء التي تتجاوز الحكومة ورفعاتها بكثير..
نال القرار اهتماماً من الإعلام والجهات الحكومية وتوالت التصريحات التي توضح وتبرر وتحدد المسؤوليات..
واتضحت صورة الذرائع الحكومية للرفع والمردود عليها جميعاً..فالحكومة بحوالي 60 مليار ل.س ستجنيها من المواطنين تريد أن تنافس وتحصل وتخفف تكاليف، وتضع « مهمات» كبرى على كاهل عشر ليرات فرق في سعر الليتر..
الذرائع الحكومية
1-الحكومة ستحارب السوق السوداء بعشر ليرات فرق
أعلنت الحكومة أن رفع المازوت عشر ليرات لليتر، سيؤدي إلى تخفيف احتكار تجار السوق السوداء..!!!
كسر الاحتكار عن طريق رفع السعر يتطلب أن يقارب السعر الحكومي سعر السوق السوداء، وأن يكون للأخيرة هامش محدد وليس كبير الاتساع، بناء عليه وجب التنويه للحكومة إن كانت لا تعلم:
سعر ليتر المازوت في السوق السوداء بمتوسط بين 70 – 80 ل.س.
وهامش حركته وصل إلى 200 ل.س لليتر في بعض المناطق، واستقر في مناطق أخرى على سعر 120 ل.س
وبالتالي إذا كانت الحكومة عازمة النية على كسر الاحتكار بطريقة ملاحقة سعر السوق السوداء فعليها أن ترفع سعر الليتر بحدود 45 ل.س بأدنى حد، وهو ما لا نتمناه طبعاً..
أما منع تهريبها إلى الخارج فيتطلب -إذا ما اعتبرنا أن إمكانية الضبط التام غائبة- أن يتم رفع سعر المادة إلى الحد الذي تضاهي به سعر الدول المجاورة، واعتماد التسعير العالمي لها. واعتماد شكل آخر لتوزيع الدعم، يعتمد على التوزيع النقدي بطرق الكترونية. أي أن لا تكون المادة المدعومة موزعة في السوق بل ان يوزع الدعم على مستحقيه.
تنويه وتذكير
تم طرح مشروع توزيع الدعم نقداً على المواطنين عن طريق البطاقات الذكية والحصول على مبالغ الدعم من الصرافات الحكومية، ولكن عوائق عديدة وافقت المشروع، ترتبط بمعارضة جهات حكومية بشكل مباشر على الموضوع، ووضع ذرائع تتعلق بظروف الأزمة على الرغم من ان مشروع البطاقة الذكية مطروح منذ عام 2007 واقتربت خطوات إنجازه قبل الأزمة، ليتوقف بدون ذرائع في حينها.. حرصاً على حصة الفاسدين من الدعم.
السوق السوداء من الخارج إلى الداخل
السوق السوداء لمادة المازوت تحديداً في سورية هي سوق قديمة وثابتة، ولكنها كانت وما زالت مرتبطة بعمليات التهريب تحديداً والتي تقوم نظراً لفرق السعر بين الليتر المدعوم في سورية مقابل أسعار دول الجوار المرتفعة، وكانت تحقق عائداً في الليتر بحدود 30 ل.س لليتر في الحالة العامة وهي التهريب للبنان.
أما الازمة فقد حولت حركة السوق السوداء نحو الداخل، حيث أصبح سعر الليتر في السوق السوداء أكثر ارتفاعاً من سعره في الدول المجاورة حيث تراكبت العوامل التي تسمح بتحويل السوق السوداء إلى سوق محلية معلنة.
فمن القدرة على احتكار كميات كبيرة من المادة وبيعها محلياً والناجمة اولاً عن مستوى السطوة والنفوذ لهؤلاء تاريخياً، والمتوسعة ثانياً في الظرف الحالي والغياب الشديد للطرف الضابط الجدي لنشاطهم غير المشروع..
أما العامل الثاني وهو المحفز الأساسي فينجم عن التراجع الكبير في الكميات المتوفرة من المادة بنتيجة صعوبات الإنتاج والاستيراد في الأزمة، وولادة الطلب الفائض على المادة مقابل نقص عرضها ما يسمح برفع الأسعار لتفوق الأسعار العالمية ولتصبح السوق المحلية أكثر إغراءً من التهريب للدول المجاورة. فعوضاً عن متوسط ربح في سعر الليتر مقداره 30 ل.س ، اصبح الربح بالبيع داخل سورية يتجاوز حكماً 45 ل.س ليصل حدود 175 ل.س / الليتر في بعض المناطق.
لذلك فإن محاولة الحكومة المزعومة لكسر احتكار السوق السوداء من خلال زيادة السعر بعشر ليرات سورية ستبوء بالفشل.
وفي أقصى الحدود ستقلل من ريع فساد مافيات المازوت عشر ليرات في الليتر.
وهذه الذريعة هي تعامٍ عن الوقائع ومحض غباء..
2- الحكومة ستخفف عبء الدعم بعشر ليرات فرق
دعم الحكومة لمادة المازوت الناجم عن فرق السعر بين تكلفة الليتر المنتج منه أو المستورد وبين سعر البيع الحكومي، خصصت الحكومة في موازنة 2013 مبلغ.150 مليار ل.س لدعم المشتقات النفطية، ومن ضمنها المازوت وهي مبالغ ينبغي التفكير بتخفيفها جدياً خصوصاً إذا ما كان أغلبها يتحول عن طريق مافيات بيع المادة في السوق السوداء إلى ريع كبير لهؤلاء.
ولكن أياً كان رقم الدعم والرقم المحصل فإن البحث عن تخفيف الدعم ينبغي أن يبدأ من البحث عن طرق لمنع نهب الدعم. لان الدعم الحقيقي في سورية بغض النظر عن الطرق الحسابية يفترض أن يعدل بالنقص الكبير في الدعم الواصل إلى المواطنين والمتحول إلى ريع للفاسدين.
خلال العقد الماضي كان الهجوم على « فساد الدعم» هو هجوم على الدعم بحد ذاته، أي تخفيف له، وكل تخفيف لقيمة الدعم كان تخفيفاً من حصة المواطنين منه فقط، بينما بقيت السوق السوداء قادرة مع كل رفع لتكاليفها الحكومية على توسيع كميات استجرارها وسيطرتها على المادة.
3- الحكومة ستوسع ايراداتها بعشر ليرات فرق
إن توسع الحكومة إيراداتها أمر ضروري ومبلغ 60 مليار ل.س هو مبلغ يفوق الدعم الزراعي، وأكبر من المخصصات الاستثمارية لقطاع الصناعة، ورقم لا يستهان به وتحديداً في الظروف الحالية، ولكن..!!
ولكن ان يكون الاعتماد على تحصيل الايرادات الحكومية بأسهل الطرق دائماً أو أقلها مواجهة، بالاعتماد على جيوب المواطنين، بعيداً عن الموارد التي تراكمها السوق السوداء من جراء الدعم الحكومي، يعطي جهاز الدولة صفة التاجر الصغير الذي يسعى لتحصيل ايراد من المستهلك النهائي ويرضى بما يقسمه له كبار اللاعبين في سوق المادة..
فهنيئاً للحكومة بإيرادها التسولي.. ونتمنى لها التوفيق في صياغة الذرائع في المرات القادمة..